رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: forqan 21 أغسطس، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: قَضَاءُ رَمَضَانَ في شَعْبَان

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَال: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ. الشُّغْلُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. أَوْ بِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -. رواه مسلم في الصيام (2/802) وبوب عليه بمثل تبويب المنذري. ورواه البخاري في الصوم (1950) باب: متى يُقْضى قَضاء رمضان؟

     قولها: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ؛ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ» تخبر أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنَّها يكونُ عليها أيَّامٌ مِن رَمَضانَ لم تَصُمْها، وذلك لعُذْرِ الحيضِ ونحْوِه، فما تَستطيعُ أنْ تَقضيَ ما فاتَها منه؛ إلَّا في شَعبانَ مِن السَّنةِ التاليةِ. وفي رواية: «قالت: إنْ كانتْ إحْدانا لتُفْطِر في زمان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما تَقْدِر على أنْ تَقْضِيه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتّى يأتِي شعبان».

قولها: «الشُّغل»

     بالألف واللام مرفوع، أي: يمنعني الشُّغُل برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتعني بالشغل، وبقولها في الحديث الثاني: «فما تَقْدِر على أنْ تَقْضيه» أنّ كلّ واحدةٍ منهنّ كانت مُهيئةً نفسَها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مُترصّدة لاسْتِمتاعه في جميع أوقاتها إنْ أراد ذلك، ولا تَدْري متى يُريده، ولمْ تَسْتأذنه في الصّوم مخافة أنْ يأذن، وقد يكون له حَاجة فيها فتَفُوتها عليه، وهذا مِنَ الأدب. قاله النووي. صوم التطوع للمرأة وقال: وقد اتّفقَ العُلماء على أنّ المرأة لا يحلّ لها صَوم التّطوع وزوجُها حاضِر إلا بإذنه؛ لحديث أبي هريرة السابق في صحيح مسلم في كتاب الزكاة، وإنّما كانت تَصومه في شعبان؛ لأنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يَصوم مُعْظمَ شَعبان فلا حاجةَ له فيهنَ حِينئذ في النّهار؛ ولأنّه إذا جاء شعبان؛ يضيقُ قضاء رمضان، فإنّه لا يجوز تأخيره عنه. وهذا مِن الأخْذِ بالرُّخصةِ والتَّوسعةِ؛ لأنَّ ما بيْن رَمَضانَ عامِها، ورَمَضانَ العامِ المُقبِلِ؛ كلّه وقْتٌ للقَضاءِ. وقدْ بيَّن الحافظ ابن حجر في الفتح: أنّ يَحيى بنُ سَعيدٍ الأنصاريُّ - وهو أحدُ رُواةِ الحديثِ- هو القائلُ أنَّ الَّذي كان يَمنَعُها مِن ذلك؛ هو الشُّغلُ بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والمُرادُ مِن الشُّغلِ كما ذكرنا: أنَّها كانت مُهيِّئةً نفْسَها لرَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واستِمتاعِه بها في جَميعِ الأوقاتِ، شَأنَ جَميعِ أزواجِه - صلى الله عليه وسلم - ورَضِيَ اللهُ عنْهنَّ. لكن قد يَرِد إشكال: وهو أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان له تِسْع نِسْوة، أي أنّ عائشة -رضِي الله عنها- تَسْتطيع أنْ تصوم في غير يومها. والجواب عنه: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يَطوف على نِسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تِسع نسوة. رواه البخاري ومسلم من حديث أنس - رضي الله عنه -، وأمَّا في شَعبانَ فإنَّه - صلى الله عليه وسلم - كان يَصومُ أكثَرَ أيَّامهِ، فتَتفرَّغُ إحداهنَّ لصَومِها، أو تَستأذِنُه في الصَّومِ؛ لِضِيقِ الوقتِ عليها، وربّما كان هذا في السّنوات الأُولى مِنَ الهِجْرة، قبل أنْ يزيدَ عددُ أمّهات المُؤمنين. قَضاء رمضان ومذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد، وجماهير السلف والخلف: أنّ قَضاءَ رمضان في حق مَنْ أفْطَر بعُذْر كحيضٍ وسَفَر؛ يَجبُ على التّراخي، ولا يُشْترط المُبَادرة به في أوّل الإمْكان، لكنْ قالوا: لا يجوزُ تأخْيره عن شَعبان الآتي؛ لأنّه يُؤخّره حينئذ إلى زَمانٍ لا يَقْبله، وهو رَمضان الآتي، فصارَ كمن أخّرَه إلى المَوت. وقال داود: تجبُ المبادرة به في أولِ يومٍ بعدَ العِيد منْ شوال. وحديث عائشة هذا يَردُّ عليه. المُبادرة للقضاء للاحْتِياط وقال الجُمهور: ويُسْتحب المُبادرة به للاحْتِياط فيه، فإنْ أخّرَه؛ فالصّحيح عند المُحَقّقين مِنَ الفُقَهاء وأهل الأصول: أنّه يجبُ العَزْم على فعله، وكذلك القولُ في جَميعِ الواجبِ المُوسّع، إنّما يجوزُ تأخيره بشَرط العَزْم على فعله، ولو أخّره بلا عَزم عَصَى. وقيل: لا يُشْترط العَزْم. وأجْمعوا أنه لو ماتَ قبل خُروج شعبان؛ لزمه الفِدْية في تَركته، عن كلّ يومٍ مُدّ مِنْ طعام، هذا إذا كان تمكّنَ مِنَ القَضَاء فلَمْ يَقْض، فأمّا مَنْ أفْطَر في رَمضان بعُذرٍ، ثمّ اتصلَ عَجْزه فلم يتمكّن مِنَ الصّوم حتّى مات، فلا صَومَ عليه، ولا يُطْعم عنه، ولا يُصام عنه. وقال النووي: ومَنْ أرادَ قضاءَ صَوم رمضان، نُدِب مُرتّباً مُتَوالياً، فلو قَضَاه غيرَ مُرتّب أو مُفرّقاً، جازَ عندنا وعند الجُمهور؛ لأنّ اسْم الصّوم يقعُ على الجَميع، وقال جماعة من الصّحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجبُ تتابعه كما يجبُ الأداء. حال من أخر القضاء وقال الحافظ: وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان، أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ. فإنْ أخّر القضاء حتّى دَخلَ رمضان التالي، فلا يَخلو مِنْ حالين:
  • الأولى: أنْ يكونَ التَّأخيرُ بعُذر، كما لو كانَ مَريضاً واستمرَّ به المَرَضُ حتّى دَخَلَ رمضانُ التالي، فهذا لا إثمَ عليه في التّأخير لأنّه مَعذور، وليس عليه إلا القَضَاء فقط، فيقضي عددَ الأيام التي أفطرها.
  • الحال الثانية: أنْ يكونَ تَأخيرُ القَضَاء دُون عُذر، كما لو تَمكّن مِنَ القَضَاء، ولكنّه لمْ يَقضِ حتّى دَخَل رمَضان التالي.
فهذا آثمٌ بتأخيرِ القَضَاء دُون عُذْر، واتفقّ الأئمّةٌ على أنّ عليه القَضاء، ولكن اخْتَلفوا: هل يجبُ عليه مع القَضَاء أنْ يُطْعم عن كلّ يومٍ مسكيناً أو لا؟ فذهب الأئمةُ مالك والشافعي وأحمد: أنّ عليه الإطعام مع القضاء. واستدلّوا بأنّ ذلك قد صَحّ عن ثلاثةٍ مِنَ الصّحابة -رضي الله عنهم-: أبي هريرة وابن عباس وابن عُمر، أنّه مَنْ فَرّط حتى يأتي رمضان آخر، فإنّه يَقْضي ويُطْعم. وذهبَ أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنّه لا يجبُ مع القَضَاء إطْعام، واستدلّ بأنّ الله -تعالى- لمْ يَأمر مَنْ أفْطر مِنَ رمضان إلا بالقَضَاء فقط، ولمْ يذكر الإطْعام، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (البقرة: 185). وهو اختيار البُخاري. انظر: «المجموع» (6/366)، «المغني» (4/400)، الفتح (4/190). كذا الحاملُ والمُرْضع: قال بعضُ أهلِ العلم: الحامل والمُرضع يُفْطِران ويَقضيان، ويُطعمان، وبه يقول سُفيان ومالك والشافعي وأحمد، وقال بعضُهم: يُفطِران ويُطعمان، ولا قضاءَ عليهما؛ فإنْ شاءَتا قضَتَا، ولا إطعامَ عليهما، وبه يقول إسحاق، وعن أنس بن مالك الكعبي: أنّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الله وَضَعَ عن المُسَافر الصّومَ وشَطْرَ الصّلاة، وعن الحُبْلَى والمُرضِع الصّومَ». رواه الخمسة، قال الترمذي: العمل على هذا عند أهل العلم. تنبيه - لا يجوزُ الفِطْر في القَضَاء بغيرِ عُذر: لأنّه صيامٌ واجب، قال شيخُ الإسْلام ابن تيمية: «وإذا شَرَعت المَرأةُ في قَضَاء رَمَضان، وجَبَ عليها إتْمامُه، ولمْ يكنْ لزوجها تَفطيرُها، وإنْ أمَرَها أنْ تُؤخِّر القَضَاء قبلَ الشُّروع فيه، كان حَسَناً لحديث عائشة». انتهى «الاختيارات» (1/ 460).  

فوائد الحديث

  • أنّ القَضَاء مُوسّع، ويصير في شعبان مُضيقًا، بِحَسب عدد الأيام.
  • والصِّيامُ رُكْنٌ مِنْ أرْكانِ الإسلامِ، وقد بيَّنَ القُرآنُ الكريمُ مُجمَلَ أحكامِ الصِّيامِ، وفصَّلَتْها السُّنةُ النَّبويَّةُ، ومنه: بيان وضْع الصيام عن الحائضِ أيام حَيْضها؛ فالمَرأةَ إذا حاضَتْ في رَمَضانَ، فإنَّها لا تَصومُ فتْرةَ حَيضِها حتَّى تَطهُرَ، وتَقْضي ما فاتَها في أيَّامِ أُخَرَ، كما في هذا الحديثِ.
  • وجُوبُ القَضَاء على الحائض بعد الطّهارة منَ الحَيض، وكذا أصْحابِ الأعذارِ في قَضاءِ ما فاتَ مِن صِيامِ رَمَضانَ.
  • جوازُ تأخير قَضاء رَمضان مُطلقًا، سواءً كان لعُذر أم لغَير عُذر، وهذا منْ تَيسيرِ الإسلامِ وتَوسعتِه.
  • عدمُ وجُوب الفِدية لتأخيره، ما دام القضاءُ قبلَ رمَضان التالي.
  • الإشارة إلى عِظَم حَقّ الزّوج في العِشْرة والاسْتمتاع والخِدْمة، وأنّه يقدّم على سائر الحُقُوق، ما لمْ يكنْ فَرْضاً مَحْصوراً في الوقت.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك