![](https://al-forqan.net/wp-content/uploads/2023/08/sharrh.jpg)
شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: قَضَاءُ الصّيام عَن المَيّت
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ، صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ»، وعن بُرَيْدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ، وإِنَّهَا مَاتَتْ، قَالَ فَقَال: «وَجَبَ أَجْرُكِ، وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ». قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ عَلَيْها صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَصُومُ عَنْها؟ قَال: «صُومِي عَنْهَا». قَالَتْ: إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ، أَفَأَحُجُّ عَنْها؟ قَال: «حُجِّي عَنْها».
في الباب حديثان: أما الأول: فحديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، وقد رواه مسلم في الصيام (2/803) باب: قضاء الصّيام عن الميت، ورواه البخاري في الصوم (1952) باب: مَنْ مات وعليه صومٌ، وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ مَن مات وكان عليه صَومٌ، سواءٌ كان صوم نَذْرٍ، أم كفَّارةٍ، أو أيَّامٍ مِن رَمَضانَ، وقد تمكَّنَ من القضاءِ، ولم يَقْضِ حتى مات؛ فإنَّ لِوَليِّه وهو كلُّ قَريبٍ له، مِنْ عَصَبَتُه مِن الرِّجالِ مِن الآباءِ والأبْناءِ، أنْ يَصومَ عنه، ويَسقُطُ عن الميِّتِ ذلك الفرضُ الَّذي عليه، ويكونُ قَضاؤُه عنه بمَنزلةِ قَضائِه هو عن نفْسِه.مَنْ ماتَ وعليه صَوم
قال العلماء: مَنْ ماتَ وعليه صَوم، فهو على إحدى حالين:- الحال الأولى
- الحال الثانية
أقوال العلماء
وهذه أقوال العلماء في هذا الشأن:- قول ابن قدامة -رحمه الله
- قول النووي -رحمه الله
- فتاوى اللجنة الدائمة
فوائد الحديث
وفي الحديثِ فوائد منها: 1- الحِرصُ على الوفاءِ بحُقوقِ اللهِ -تعالَى. 2- وفيه: الحثُّ على صِلةِ الأرْحامِ، فإن كلمة «وليّه» تشمل كلّ قريب، ولو كان غيرَ وارثٍ.الحديث الثاني
أما الحديث الثاني فيَرْوي بُرَيدةُ بنُ الحُصَيبِ الأسلميُّ - رضي الله عنه -: أنَّه كان ذاتَ مرَّةٍ جالِساً عندَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فجاءتْه امرأةٌ، فأخْبَرَتْه أنَّها تَصدَّقتُ على أُمِّها في حَياتِها بِجَارِيَةٍ، وهي الأَمةُ المملوكةُ، فمَلَّكَتْها إيَّاها بالصَّدَقَةِ، ثمَّ ماتتْ أُمُّها وتَرَكَتْ تلك الجارِيَةَ مِن جُملةِ المالِ الَّذي تَملِكُه، وكانت الوارثةُ لها بِنتَها؛ فهلْ يَحِقُّ للبنتِ أنْ تَأخُذَ الجاريةَ وتَعُودَ إلى ملْكِها بالمِيراثِ أمْ لا؟ فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «وَجَبَ أجرُكِ»، أي: ثَبَت أجرُكِ عندَ الله بالصِّلَةِ والصَّدَقَةِ على أُمِّكِ، ورَدَّ الميراث الجاريةَ وأَرْجَعَها إليكِ بمِيراثُكِ مِن أُمِّكِ، وهو سَبَبٌ لا دَخْلَ لكِ فيه؛ فلا يكونُ سَبباً لِنُقصانِ الأجْرِ في الصَّدَقةِ، وهذا ليْس مِن بابِ الرُّجوعِ في الصَّدَقةِ والهِبةِ؛ لأنَّه ليْس أمْراً اختِيارِيّاً. ثم قالتِ المرأةُ السَّائلةُ: إنَّه كان على أُمِّها صِيامُ شَهرٍ -وفي رِوايةٍ: «شَهرينِ»- فهلْ تَصومُ عنها؟ -ولم يُبَيَّنْ أنَّه صَوْمُ رَمَضَانَ، أو نَذْرٍ، أو كَفَّارَةٍ- فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُومِي عنها»، أي، اقْضِي عنها الأيَّامَ الَّتي ترَكَتْها أُمُّكِ؛ لأنَّه دَيْنٌ في رَقَبَتِها، ودَيْنُ اللهِ أحَقُّ أنْ يُقْضَى.الصَّوم الَّذي على الميِّتِ كالدَّينِ
وقدْ شبَّهَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّومَ الَّذي على الميِّتِ بالدَّينِ، وهو واجبُ القَضاءِ؛ لأنَّه حقٌّ للآدميِّينَ، والصِّيامُ الواجبُ -سواءٌ كان من رَمضانَ، أو بنَذرٍ، أو كفَّارةٍ- حَقٌّ للهِ -تعالَى-، فكان قَضاءُ حقِّه -تعالَى- أَوثَقَ وأَوْلى مِن قَضاءِ حَقِّ الآدميِّينَ، واللهُ أحقُّ بالوفاءِ، كما ورَد في بَعضِ الرِّواياتِ عندَ البُخاريِّ. وكما في حديث عائشةَ -رضي الله عنها- السابق. وللوليِّ إذا لم يَقضِ عنه الصَّومَ أنْ يُطعِمَ عنه لكُلِّ يَومٍ مِسكينًا، ويَسقُطُ بهذا عن الميِّتِ ذلِكَ الفَرضُ الَّذي عليه، ويكونُ قَضاؤُهُ عنه بمَنزلةِ قَضائِهِ هو عن نفْسِهِ، وهذا لمَن قدَرَ على الوفاءِ أو القضاءِ ولم يَفعَلْ، وأمَّا إنْ ماتَ قبْلَ أنْ يتَمكَّنَ مِن القَضاءِ -كمَنِ استمَرَّ به المَرضُ حتَّى ماتَ- فلا شَيءَ عليه، ولا يَقضي أولياؤُه عنه شيئًا، ولا يَجِبُ الإطعامُ عنه، ثمَّ أخبَرَتْه المرأةُ أنَّ أُمَّها ماتتْ ولَمْ تَحُجَّ قَطُّ، وظاهرُه أنَّها كانت قادرةً على الحجِّ، فوجَبَ عليها؛ لأنَّ الحجَّ ساقطٌ عمَّن ليس عنده استطاعةٌ، ولكنَّها لم تَحُجَّ؛ فهلْ يَصِحُّ أنْ تَحُجَّ عَنْها؟ فقالَ لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُجِّي عَنْهَا». ولعلَّ إذن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها بالحَجِّ نِيابةً عن أمِّها، مَفْهومٌ منه أنَّ المرأةَ قدْ حجَّتْ عن نَفْسِها أوَّلًا، ثُمَّ أرادَت أنْ تَحُجَّ عن أُمِّها؛ لحَديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: «أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ رجُلًا يقولُ: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ. قال: مَنْ شُبْرُمةُ؟ قال: أخٌ لي، أو قَريبٌ لي. قال: حجَجْتَ عن نفسِك؟ قال: لا. قال: حُجَّ عن نَفسِكَ، ثمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ». رواه أبو داودَ. وفي صَحيحِ ابنِ خُزَيمةَ: «هذه عنْكَ، ثُمَّ حُجَّ عن شُبْرُمةَ». فإذا وجَب الحجُّ على شَخصٍ ومات قبْلَ أدائِه، ثمَّ أدَّى شَخصٌ آخَرُ هذا الحجَّ عنه؛ سقَطَ عنه، وهذا مِن كَرمِ اللهِ وفضْلِه أنَّه إذا حجَّ الوليُّ عن الميِّتِ، أنْ يَعفُوَ اللهُ عن الميِّتِ بذلك، ويُثيبَه عليه، أو لا يُطالبَه بتَفريطِه.فوائد الحديث
1-أنَّ مَن تَصدَّق بشَيءٍ ثُمَّ وَرِثَه، فله أَخْذُه والتَّصرُّفُ فيه، مِن غيرِ أنْ يَنقُصَ أجْرُه بذلك. 2- وفيه: مشروعية الصِّيامُ عَنِ الميِّتِ. 3- وفيه: النِّيابةُ في الحجِّ عن الميِّتِ. 4- وفيه: بِرُّ الوالدَينِ بقَضاءِ نَذْرِهما ودَينِهما. 5- وأن الصَّحابةُ -رِضوانُ اللهِ عليهم- كانوا يَسْتَفتونَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في كثيرٍ مِن عِباداتِهم ومُعاملاتِهم، فيُفْتيهِم، ويُظهِرُ لهم أوجُهَ الصَّوابِ.
لاتوجد تعليقات