رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 مارس، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: فَضْلُ شَهْرِ

 

 

منْ أبواب الرّحمة في رمضان باب القيام والتراويح وقراءة القرآن وباب الدّعاء وباب الصدقات وإطعام الطعام والصبر على ذلك كلّه

 

شَهرُ رَمَضانَ شَهرُ المَغفرةِ والعِتقِ مِن النِّيرانِ وقد يسَّرَ اللهُ فيه أسبابَ العفْوِ المادِّيَّةَ والمَعنويَّةَ لأداءَ الأعمالِ الصَّالحةِ

 

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ؛ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ»، الحديث رواه مسلم في أول كتاب الصيام (2/758) باب: فضل شهر رمضان، ورواه البخاري في الصوم (1898، 1899) هل يُقال رمضان أو شهر رمضان ومَنْ رأى كلّه واسِعاً. دل هذا الحديث العظيم على ثلاثة أشياء عظيمة، يتميّز بها شهرُ رمضان المبارك، عن غيره مِنَ الشُّهور، وهي:

- قوله: «إذا جاءَ رمَضان» فيه دليلٌ على جواز قول: «رمضان» دون كلمة شَهر، وهو قول الجمهور.

- قوله: «فُتّحتْ أبوابُ الجنة» هذا أولُ ما يتميّز به شهر رمضان، أنّه تُفتح فيه أبواب الجنّة، ترغيباً للعاملين لها بكثْرة الطاعات، منْ صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ وإطعام طعام، وذكرٍ لله وقراءةٍ للقرآن، وغير ذلك، وفي رواية مسلم الأخرى: «فُتحت أبْواب الرَّحمة» أمّا أعْظم أبواب الرحمة في رمضان فهو: باب الصيام، والصّبر عليه، فصوم رمضان ركنٌ منْ أركان الإسلام ومبانيه العظام، فقد فرض الله صوم رمضان في كتابه العزيز فقال -جل وعلا-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185).

منْ أبواب الرّحمة في رمضان

     ومنْ أبواب الرّحمة في رمضان: باب القيام والتراويح، وقراءة القرآن، وباب الدّعاء فيه، وباب الصدقات وإطعام الطعام، والصبر على ذلك كلّه.

     وفي رواية أيضاً: قال - صلى الله عليه وسلم -: «فُتِّحَت أبوابُ السَّماءِ» أي: احْتفاءً بهذا الشَّهرِ الكريمِ، وتَرْحيباً به في الملأِ الأعلى، وتَنْويهاً بفضْلِه وشرَفِه، وإعلاماً للمَلائكةِ بدُخولِه، أو المرادُ بقولِه: «فُتِّحَت أبوابُ السَّماءِ» أبوابُ الجنَّةِ؛ بقَرينةِ ذِكرِ تَغليقِ أبوابِ النارِ بعْدَه، كما وَرَدَ في الرِواياتٍ الأُخرى في الصَّحيحَينِ.

قوله: «وغُلّقتْ أبوابُ النار»

     قوله: «وغُلّقتْ أبوابُ النار» وهو الأمر الثاني: وهو أنّه تُغلق فيه أبوابُ النّيران؛ وذلك لقلّة المعاصي فيه من المؤمنين، وفي رواية: «إذا كان أولُ ليلةٍ منْ شهرِ رمضانَ، صُفِّدتِ الشياطينُ ومَردةُ الجنِّ، وغلِّقتْ أبوابُ النارِ فلمْ يُفتَحْ منها بابٌ، وفتِّحَت أبوابُ الجنةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، وينادي منادٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ». (رواه الترمذي 682، وابن ماجة 1642).

قوله: «وصُفّدت الشَّياطين»

     قوله: «وصُفّدت الشَّياطين» وهو الأمر الثالث: أي: شدَّت بالأصْفاد وهي الأغْلال، وهو بمعنى سُلْسلت. والمعنى: تُغل أيديهم حتى لا يَخلصوا إلى ما كانوا يخلصون إليه، في غيره من الشهور، فتسُلْسِل الشَّياطِينُ، وتشُدَّ بالسَّلاسلِ، وتُمْنع مِنَ الوُصولِ إلى بُغيَتِها مِن إفسادِ المسلمينَ، بالقَدْرِ الَّذي كانت تَفعَلُه في غَيرِ رَمضانَ.

      وقيل: سُلْسِلَت الشَّياطينُ مِنْ مُسترِقي السَّمعِ حَقيقةً؛ لأنَّ رَمَضانَ كان وقْتًا لنُزولِ القرآنِ إلى سَماءِ الدُّنيا، وكانت الحراسةُ قدْ وَقَعَت بالشُّهبِ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} (الصافات: 7)، فزِيدوا التَّسلسُلَ في رَمَضانَ مُبالَغةٍ في الحِفظِ، قاله الحليمي.

المرادُ بالشَّياطِينِ في هذا الحَديثِ

     أو المرادُ بالشَّياطِينِ في هذا الحَديثِ: مَرَدةُ الجِنِّ منْهم، وهم أشَدُّهم عَداوةً وعُدوانًا لا جميعُ الشَّياطينِ، وبذلك يُجابُ عمَّا يَقَعُ مِن الشُّرورِ والمَعاصي في رَمَضانَ، وعلى القَولِ بأنَّ جَميعَ الشَّياطينِ تُصَفَّدُ وتُسَلسَلُ، فإنَّما تُصَفَّدُ عن الصَّائِمينَ الصَّومَ الَّذي حُوفِظَ على شُروطِه، ورُوعِيَت آدابُه، أمَّا ما لم يُحافَظْ عليه صاحبه، فلا يُغَلُّ عن فاعِلِه الشَّيطانُ.

      وأيضا: فإنَّ المُصَفَّدَ مِن الشَّياطينِ قد يُؤذِي، لكِنْ أقَلُّ وأضعَفُ ممَّا يكونُ في غيرِ رَمَضانَ؛ فهو بحَسبِ كَمالِ الصَّومِ ونَقْصِه؛ فمَن كان صَومُه كامِلًا دُفِعَ عنه الشَّيطانُ دَفعاً لا يُدفَعُه حالَ الصَّومِ النَّاقِصِ، وأيضًا فلا يَلزَمُ مِن تَصفيدِ جَميعِ الشَّياطينِ ألَّا يَقَعَ شَرٌّ؛ لأنَّ لوُقوعِ الشَّرِّ أسباباً أُخَرَ؛ كالنُّفوسِ الخَبيثةِ، والشَّياطينِ الإنسيَّةِ.

      وقال أبوعبدالله القرطبي -رحمه الله-: «فإنْ قيل: كيف نَرَى الشُّرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً، فلو صُفّدت الشياطين لمْ يقع ذلك؟ فالجواب: أنّها إنّما تُغل عن الصّائمين، الصّوم الذي حُوفظ على شروطه، ورُوعيت آدابه. أو المُصفَّد بعضُ الشياطين، وهم المَرَدة، لا كلّهم، أو المقصود تقليل الشُّرور فيه، وهذا أمرٌ محسوس؛ فإنّ وقوع ذلك فيه أقلّ من غيره؛ إذْ لا يلزم مِنْ تصْفيد جميعهم ألا يقع شرٌّ ولا معصية؛ لأنّ لذلك أسْباباً غير الشياطين، كالنُّفوس الخَبيثة، والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية».

مزايا رمضان حق أخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم

     وكل هذه المزايا التي أخبر بها نبينا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - لهذا الشهر حقٌّ، وقد أخبرَ بها نُصحا للأمة، وتحفيزاً لها على الخير، وتحذيراً لها مِنَ الشر، وقد كان رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يُبشِّر أصحابه بقدوم هذا الشهر الكريم، ويحثّهم على الاجتهاد فيه، فقد روى الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه-: «قد جاءَكمْ رَمضان، شهرٌ مُبَارك، افترضَ اللهُ عليكم صيامه، تُفتح فيه أبوابُ الجنَّة، وتُغلق فيه أبوابُ الجَحِيم، وتُغل فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ مِنْ ألفِ شهر، من حُرِمَ خيرَها، فقد حُرِم».

 

فوائد الحديث

- فضَّلَ اللهُ -عزَّ وجلَّ- شَهرَ رمَضانَ على سائرِ الشُّهورِ؛ حيثُ شرَّفه بإنزالِ القرآنِ فيه، وخَصَّه بفَريضةِ الصَّومِ، وجَعَلَه مَوسِمًا مِن مَواسمِ الخَيرِ والغُفرانِ.

- يُخبِرُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه إذا جاءَ شَهرُ رَمَضانَ فُتِّحَت أبوابُ الجَنَّةِ حَقيقةً؛ تَعظيماً لهذا الشَّهرِ وتَكريماً، وحَثًّا للنَّاسِ على الإقبالِ على الطَّاعاتِ وعمَلِ الخيرِ، وغُلِّقت أَبوابُ جَهنَّمَ حَقيقةً؛ فإنَّ ذلك باعثٌ على تَرْكِ الفواحشِ والبُعدِ عن المعاصِي.

- شَهرُ رَمَضانَ شَهرُ المَغفرةِ والعِتقِ مِن النِّيرانِ، وقد يسَّرَ اللهُ فيه أسبابَ العفْوِ المادِّيَّةَ والمَعنويَّةَ، لأداءَ الأعمالِ الصَّالحةِ، مِن صِيامٍ، وقِيامٍ، وزَكاةٍ، ونحْوِ ذلك.

- وفيه: إثباتُ الجنَّةِ والنارِ، وأنَّهما الآنَ مَوجودتانِ، وأنَّ لهما أبواباً تُفتَحُ وتُغلَقُ؛ وكذا أنّ للسماء أبواباً، تفتح وتُغلق.

- وفيه: إثباتُ وُجودِ الشَّياطينِ، وأنَّهم أجسامٌ يُمكِنُ شَدُّها بالأغلالِ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك