رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 22 أكتوبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم باب: في صَومِ سَرَرِ شَعبان

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي اللهُ عنهمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ لَهُ أَوْ لِآخَرَ: أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: «فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/820) باب صوم سَرر شعبان، وفيه يَحكي الصَّحابيُّ عِمرانُ بنُ حُصَينٍ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سأَلَه -أو سَأَلَ رجلًا آخَرَ غيرَه وعِمرانُ يَسمَعُ، الشَّكُّ مِن مُطرِّفِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيرِ أحدِ رُواةِ الحديثِ-: يا أبا فُلانٍ، صُمْتَ سَرَرَ هذا الشَّهرِ؟ فأمَرَه - صلى الله عليه وسلم - بقَضائِها بعْدَ عِيدِ الفطرِ وانتهاءِ صَومِ رمَضانَ، لتَستمِرَّ مُحافظَتُه على ما واظَبَ عليه مِن العِبادةِ، لأنَّ أحبَّ العمَلِ إلى اللهِ -تعالى- ما داوَمَ عليه صاحبُه.

        قال: «فإذا أفْطرتَ فصُمْ يومين»، وفي رواية: «فإذا أفطرتَ منْ رمَضان، فصم يومين مكانه» ضبطوا «سَرر» بفتح السين وكسرها، وحكى القاضي ضمها، قال: وهو جمع «سرة» ويقال: أيضا سَرار وسرار بفتح السين وكسرها، وكله من الاستسرار، قال الأوزاعي وأبو عبيد وجمهور العلماء من أهل اللغة والحديث والغريب: المراد بالسّرر آخر الشهر، سُميت بذلك لاستسرار القمر فيها.

معنى السرر في اللغة

       قال القاضي: قال أبو عبيد وأهل اللغة: السرر آخر الشهر، قال: وأنكر بعضهم هذا، وقال: المراد وسط الشهر، قال: وسرار كلّ شيءٍ وسطه، قال هذا القائل: لم يأت في صيام آخر الشهر ندب فلا يحمل الحديث عليه، بخلاف وسطه فإنها أيام البيض. قال الهروي: والذي يعرفه الناس أن سرره آخره، ويعضد من فسّره بوسطه، الرواية السابقة في الباب قبله: «سرة هذا الشهر»، وسرارة الوادي وسطه وخياره، وقال ابن السكيت: سرار الأرض: أكرمها ووسطها، وسرار كل شيء: وسطه وأفضله، فقد يكون سرار الشهر من هذا. قال القاضي: والأشهر أن المراد آخر الشهر، كما قاله أبو عبيد والأكثرون. قال: وعلى هذا يقال: هذا الحديث مخالفٌ للأحاديث الصحيحة في النّهي عن تقديم رمضان بصومِ يومٍ ويومين، ويُجاب عنه بما أجاب المازري وغيره، وهو أنّ هذا الرجل كان مُعتاد الصيام آخر الشهر، أو نَذَره فتركه بخوفه من الدخول في النّهي عن تقدّم رمضان، فبينَ له النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّ الصّوم المُعْتاد لا يدخل في النّهي، وإنما ننهى عن غير المعتاد، والله أعلم.

اختيار البخاري

        قلت: وهو اختيار البخاري؛ حيث ترجم على هذا الحديث: باب الصّوم مِنْ آخِر الشهر، قال الزين بن المُنيِّر: أطلق الشهر، وإنْ كان الذي يتحرّر من الحديث أنّ المراد به شهر مقيد، وهو شعبان إشارة منه إلى أن ذلك لا يختصّ بشعبان، بل يُؤخذ من الحديث الندب إلى صيام أواخر كلّ شهر، ليكون عادة للمُكلّف فلا يعارضه النّهي عن تقدّم رمضان بيوم، أو يومين لقوله فيه: إلا رجل كان يصوم صوماً فليَصمه اهـ.

الجمعُ بين الحديثين

       وقال القرطبي: «الجمعُ بين الحديثين مُمكن بحمل النّهي على مَنْ ليست له عادة بذلك، وحمل الأمر على مَن له عادة، حملاً للمُخاطب بذلك على مُلازمة عادة الخير، حتى لا يقطع، قال: وفيه إشارة إلى فضيلة الصّوم في شعبان، وأنّ صوم يومٍ منه يعدل صوم يومين في غيره، أخذاً من قوله في الحديث: «فصم يوما مكانه» يعني مكان اليوم الذي فوته من صيام شعبان. اهـ.  

فوائد الحديث

  • كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ مِن الصَّومِ في شَهْرِ شَعبانَ، وكان يَحُثُّ أصحابَه على الصِّيامِ فيه.
  • سَرر الشهر آخِرَ الشَّهرِ، وسُمِّي بذلك لاسْتِسرارِ القَمرِ فيها، أي: استتارِه، وهي لَيلةُ الثَّامنِ والعِشرينَ والتاسع والعِشرين، والثَّلاثينَ إذا كان الشَّهرُ كاملًا، وقيل: سَرَرُ الشَّهرِ هي وَسْطُ الشَّهرِ، فالسَّررُ جمْعُ سُرَّةٍ، وسُرَّةُ الشَّيءِ وَسْطُه، فالمرادُ الأيَّامُ البِيضُ: الثالثَ عشَرَ، والرابعَ عشَرَ، والخامسَ عشَرَ.
  • وفيه مَشروعيَّةُ قَضاءِ صَومِ التَّطوُّعِ.
  • وفيه: تَعاهُدُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأصحابِه بالنُّصحِ والحَثِّ على الطَّاعاتِ.
 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك