رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يونيو، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: في القُبْلة ل

 

عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنها- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وهُوَ صَائِمٌ، ويُبَاشِرُ وهُوَ صَائِمٌ، ولَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/776) باب: بيان أنّ القُبلة في الصّوم ليستْ مُحرّمة على مَنْ لم تُحرّك شَهوته، ورواه البخاري في الصوم (4/149) باب: المُباشَرة للصائم. وقالت عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنها-: يَحْرم عليه فرجُها.

     تَقولُ عائشة -رَضِيَ اللَّهُ عنها-: «كانَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ» أي: يُقبِّلُ زَوجاتِه، ويُباشِرُهنَّ، وفي رواية مسلم: «أنّ النّبي -[- كان يُقبّلها وهو صائم..»، والتقبيل أخصّ مِنَ المباشرة، فهو مِنْ ذكر العام بعد الخاص، والمُباشَرةُ هيَ الاستِمتاعُ بالزَّوجةِ بما دُونَ الجِماعِ، نحْوِ المُداعَبةِ والمُعانَقةِ، وأصل المباشرة: التقاء البشرتين، ويُستعمل في الجماع، وليس الجماع مُراداً بهذه الحديث، فقولها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُ وهُوَ صَائِمٌ، ويُبَاشِرُ وهُوَ صَائِمٌ» أي: يَفعَلُ هذا وهو صائمٌ، سواءٌ كان صَومَ فرْضٍ أو تَطوُّعٍ.

وقولها: «كان يقبّل ويباشر وهو صائم»

      رواه عمرو بن ميمون عن عائشة بلفظ: «كان يُقبّل في شَهر الصّوم». أخرجه مسلم والنسائي، وفي رواية لمسلم: «يُقبّل في رمضان وهو صائم»، فأشارت بذلك إلى عدم التّفرقة بين صومِ الفَرض والنفل.

     وفي هذا المعني: ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح: عن مسروق سألت عائشة: ما يحلّ للرجل مِن امرأته صائماً؟ قالت: كلُّ شيءٍ إلا الجِماع». (الفتح).

أيباشر الصّائم؟

      وفي رواية حماد عند النسائي: «قال الأسود: قلت لعائشة: أيباشر الصّائم؟ قالت: لا. قلت: أليس كان رسول الله -[- يُباشر وهو صائم؟ قالت: إنّه كان أملككم لإربه»، وظاهر هذا أنّها اعتقدت خُصوصية النّبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، قاله القرطبي. قال: وهو اجتهاد منْها. وقول أم سلمة - يعني: الآتي ذكره - أولى أن يؤخذ به؛ لأنّه نصٌ في الواقعة.

       قال الحافظ: قلت: قد ثبت عن عائشة صريحًا إباحة ذلك كما تقدم، فيجمع بين هذا وبين قولها المتقدم: «إنّه يَحلّ له كلّ شيء إلا الجماع» بحمل النَّهي هنا على كراهة التنزيه، فإنّها لا تنافي الإباحة. انتهى.

       ويدلّ على أنّها لا ترى بتحريمها، ولا بكونها من الخَصائص: ما رواه مالك في «الموطأ»: أنّ عائشة بنت طلحة أخبرته: أنّها كانت عند عائشة، فدخل عليها زوجها وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فقالت له عائشة: ما يَمنعك أنْ تَدنو مِنْ أهلك، فتلاعبها وتقبّلها؟ قال: أقبلُها وأنا صَائم؟ قالت: نعم».

الاختلاف في القُبْلة والمُباشرة للصّائم

      وقد اخْتُلفَ في القُبْلة والمُباشرة للصّائم: فكرهها قومٌ مُطلقًا، وهو مشهور عند المالكية، وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر: «أنّه كان يَكره القبلة والمباشرة». ونقل ابن المنذر وغيره عن قومٍ تحريمها؟ واحتجّوا بقوله -تعالى-: {فالآن باشروهن..} الآية، فمنع المباشرة في هذه الآية نهارًا، والجواب عن ذلك: أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - -هو المُبين عن الله تعالى- قد أباح المباشرة نهاراً، فدلّ على أن المراد بالمباشرة في الآية الجماع، لا ما دونه من قُبْلة ونحوها، فقوله -تعالى-: {أو لامَسْتُم النّساء} النساء:43. الصواب في تفسيرها: أنَّ المُراد به الجماع، كما قال ابن عباس وجماعةٌ من أهل العلم.

      وقال الترمذي: ورأى بعضُ أهل العلم أنّ للصّائم إذا مَلَك نفسه أنْ يُقبّل، وإلا فلا، ليَسْلم له صَومه، وهو قول سفيان والشافعي، ويدلّ على ذلك: ما رواه مسلم: من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه سَأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيقبّل الصائم؟ فقال: سَلْ هذه- لأمّ سلمة- فأخبرته أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غَفر لك اللهُ ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، فقال: «أمَا واللهِ إنّي لأتقاكم لله، وأخْشَاكم له»، فدلّ ذلك على أنّ الشابَ والشيخ سواء؛ لأنّ عُمر حينئذ كان شابًّا، ولعلّه كان أول ما بلغ، وفيه دلالةٌ على أنّه ليس من الخصائص.

      واختلفَ فيما إذا باشرَ أو قَبّل أو نظر، فأنْزلَ أو أمْذَى، فقال الكوفيون والشافعي: يقضي إذا أنْزلَ في غير النّظر، ولا قضاء في الإمْذاء. وقال مالك وإسحاق: يقضي في كل ذلك ويُكفّر، إلا في الإمْذاء فيقضي فقط. واحتجّ له بأنّ الإنْزال أقصى ما يطلب بالجماع منَ الالتذاذ في كل ذلك، وتعقب بأنّ الأحْكامَ عُلقت بالجِماع، ولو لمْ يكنْ إنزالٌ، فافترقا.

       وفي البخاري تعليقا: وقال جابر بن زيد: إنْ نَظر فأمْنَى؛ يتمّ صومه. وصله ابن أبي شيبة: من طريق عمر بن هرم: «سئل جابر بن زيد عن رجلٍ نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها، هل يفطر؟ قال: لا، ويتم صومه».

وقال ابن قدامة: إنْ قبَّلَ فأنْزلَ، أفْطَرَ بلا خلاف.

قوله: «ولكنَّه كانَ أمْلَكَكُم لإرْبِه»

     لإربه: بفتح الهمزة والراء وبالموحدة، أي: حاجته، ويروى بكسر الهمزة وسكون الراء، أي: عضوه، والأول أشهر، وإلى ترجيحه أشار البخاري بما أورده من التفسير.

      وقال البخاري: وقال ابن عباس: «مأْرب: حَاجة» مأْرب بسكون الهمزة وفتح الراء، وهذا وصله ابن أبي حاتم: من طريق علي بن أبي طلحة وعكرمة عن ابن عباس في قوله: (وليَ فيها مآربُ أخْرى) قال: «حَوائج أخْرى»، وقال ابن عباس: في تفسير (أولي الإرْبة): المُقْعد، وقال ابن جبير: المَعتوه. وقال عكرمة: العنين، وقال طاووس: (غير أولي الإرْبة) الأحْمق لا حَاجة له في النساء. وصله عبد الرزاق في تفسيره.

معنى قولها: «كان أمْلَككم لإرْبه»

       ومعنى قولها: «كان أمْلَككم لإرْبه» أي: حاجته بأنّه يَستطيع عليه الصلاة والسلام أنْ يَملك نفسه بأنْ لا يتدرّج به الأمر إلى الجِماع، فإذا كانت الوسيلة تُؤدّي إلى المفاسد، فلا تجوزُ هذه الوسيلة والغاية ممنوعة؛ لأنّ الوسائل لها أحْكام المقاصد، فالذي يَخاف الجماع عند المباشرة والتقبيل؛ فإنّه لا يجوز له ذلك؛ لأنّ الوسائل لها أحكام المقاصد، والذي يستطيع أنْ يتمتع بالمباشرة والتقبيل من غير أن يجامع فهذا جائز له.

 

فوائد الحديث

 

1- بيَّنَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لأمّته بقولِه وفِعلِه، المشروعَ وغيرَ المشروعِ للصَّائمِ، ونَقَلَ لنا الصَّحابةُ الكرامُ ذلك عنه -صلى الله عليه وسلم .

2- حُسْنُ أخلاقِه - صلى الله عليه وسلم - مع أهلِه ولُطفِ مُعاشَرَتِه.

3- نقل أمّهات المؤمنين أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته للأمّة، ومنه: بيان أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ زُوجُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم ورَضِيَ اللَّهُ عنها- القَدْرَ الحَلال الَّذي يُمكِنُ للصَّائمِ أنْ يَقْترِبَ فيه مِن امِرأتِه.

4- وفيه جواز الإخبار بالأمُور الخاصّة بين الزّوجين، إذا كان لمصلحةٍ، كتعليم جاهلٍ أو نحو ذلك، ولا يعدُّ هذا من الإفشاء المَنْهي عنه.

 

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك