رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 30 مايو، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: في الصّائِم ي

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ نَسِيَ وهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وسَقَاهُ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/809) باب: أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر، ورواه البخاري في الصوم (1933) باب: الصّائم إذا أكلَ أو شرب ناسياً. قوله: «َمَنْ نَسِيَ وهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ: يُبيَّن النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ مَن أكَل أو شَرِب ناسياً وهو صائمٌ، فإنَّه يَبْقَى على صِيامِه، وصومه صحيح ولا يُفطِرُ، ولا إثْم عليه؛ إذْ لا قصدَ له في ذلك ولا إرادة، بل هو رزقٌ ساقه الله إليه؛ ولهذا أضاف إطْعامه وسقيه إلى الله -تعالى-، وما يكون مُضافاً إلى الله -تعالى- لا يؤاخذ عليه العبد؛ لأنّه إنّما يُنهى عن فعل ما يجوز له، والأفعال التي ليست اختيارية لا تدخل تحت التكليف، ولا فَرْق بين الأكل والشّرب القليل والكثير، لعموم الحديث، وخَصَّ الأكلَ والشُّربَ مِنْ بينِ المُفَطِّراتِ؛ لغَلَبَتِهما، ونُدرةِ غيرِهما، كالجِماعِ.

قولِه: «فإنَّما أَطْعَمه اللهُ وسَقاه»

     بيَّن أنَّه لا يَلزَمُه القَضاءُ، فنَسَبَ الفِعلَ للهِ -تعالى- لا للنَّاسِي؛ للإشعارِ بأنَّ الفِعلَ الصَّادرَ منه مَسلوبُ الإضافةِ إليه، فلوْ كان أفْطَرَ متعمّداً؛ لأُضِيفَ الحُكمُ إليه، وهذا لُطفٌ مِن اللهِ -تعالى- بعِبادِه، ورَحمةٌ بهم. بخِلافِ المتعَمِّدِ؛ فإنَّه يقضي اليوم. وليس عليه قضاء؛ لأنّه أُمر بالإتمام، وسمى الذي يُتَمَ صوماً، فدل على أنه صائم حقيقة.

لا قضاء على من أكل أو شرب ناسيًا

     وصحة صوم من أكل أو شرب ناسياً، وكونه لا قضاء عليه؛ أمْرٌ مُجْمعٌ عليه تقريباً، ويقاس على الأكل والشرب بقية المفطرات، كالجماع، لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَنْ أفْطرَ في شهرِ رَمضان ناسياً، فلا قَضَاءَ عليه، ولا كفّارة». أخرجه ابن حبان (8/288)، والحاكم (1/430) وحسنه الألباني في (صحيح الجامع) (6070).

قاعدة عظيمة عامة

      وهذا الحُكم في الصّائم، هو فردٌ منْ أفراد القاعدة العظيمة العامة في قوله -تعالى-: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286). وقد صحّ في الحديث الشريف: «أنّ الله -تعالى- قال إجَابةً لهذا الدعاء: «قد فعلتُ». وفي رواية: «قال: نعم»، وهذا منْ لُطْفٌ الله -تعالى- بعباده، وتيسيرٌ عليهم، ورفع الحَرَج والمَشقّة عنهم، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ تَجاوزَ لي عنْ أمّتي: الخَطَأ، والنِّسْيان، وما اسْتُكْرهُوا عليه». رواه أحمد وابن ماجة.

      وكذلك مَنْ اغْتسلَ أو تمضمض أو استنشق، فدخل الماء إلى حَلقه بلا قصد، لم يَفْسُد صومه، وكذا لو طار إلى حَلْقه ذُبابٌ أو غبار من طريق أو دقيق أو نحو ذلك، أو وصل الدّواء مِنْ أنفه إلى حَلقه بغير اختيار لمْ يَفسد صومه؛ لأنّه لا قصد له ولا إرادة، فهو كالناسي في تَرْك العَمْد وسَلب الاختيار.

      وهذا ما بوّب به البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه: «باب الصّائم إذا أكل أو شرب ناسياً»، ثم قال: وقال عطاء: إنْ اسْتَنْثر فدخل الماء في حَلْقه لا بأس إن لم يملك، وقال الحسن: إنْ دخل حلقَه الذّباب فلا شَيء عليه، وقال الحسن ومجاهد: إنْ جامعَ ناسياً فلا شَيء عليه.

مَسألةٌ مُهمّة

- وها هنا مَسألةٌ مُهمّة، وهي: ما حُكمُ مَنْ رَأى صَائماً يأكل أو يشرب ناسياً؟

- والجواب: أنّ مَنْ رأى صائماً يأكلُ أو يشرب في نهار رمضان ناسياً، وجب عليه إعْلامه وتذكيره؛ لأنّ هذا مِنْ باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والأكلُ والشُّرب في نهار رمضان منكر، والناسي معذور، فوجب إعلامه في الحال.

باب: في الصَّائم يُدْعَى

لطعَامٍ فليَقُل: إنِّي صَائمٌ

     عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ، وهُوَ صَائِمٌ؛ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ». رواه مسلم في الصيام (2/805-806) باب: الصائم يُدعى لطعامٍ فليَقل: إنّي صائم.

     قوله: «إِذا دُعِيَ أَحدُكم إلى طَعامٍ» المرادُ به مُطلَقُ الطَّعامِ، سواءٌ كان وَليمةً أو غيْرَها، «وهوَ صائمٌ» نفْلًا أو قَضاءً أو نَذراً، فأرشَدَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّائمَ إلى أنْ يُوضِّحَ حالَه: «فَلْيَقُلْ: إنِّي صائمٌ» اعتِذاراَ منه للدَّاعي، وإعلاماً بحالِه أنَّه صائمٌ، لا يَستطيعَ الأَكلَ مِن طَعامِه.

     أي: لْيُعلِمْ أَخاه المُسلمَ الدَّاعيَ أنَّ امتناعَه ما كانَ إلَّا لأَجلِ صَومِه، لا لأنَّه تَحرَّجَ مِن أنْ يَأكُلَ طَعامَه، وكانَ مِن عادةِ العربِ أنَّهم إذا أَضْمَروا لأَحدٍ شَرّاً، لم يَأكُلوا مِن طَعامِه.

     وجاءَ أيضاً: عَن أَبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قال: قالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِذا دُعِيَ أَحدُكم فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صائمًا فلْيُصلِّ -أي فلْيَدْعُ-، وإنْ كانَ مُفطِرًا فلْيَطْعَمْ». رواه مُسلمٍ، وفي رواية عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «فإنْ كان مُفطراً فليَطعم، وإنْ كان صَائما فليَدْعُ». رواه أبوداود.

مَنْ كان صائماً ودعاه أحدٌ إلى طعام

     فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّ مَنْ كان صائماً ودعاه أحدٌ إلى طعام، فليُخبره بأنّه صائم؛ اعتذاراً له، فإنْ سَمح له، ولم يطالبه بالحُضُور سَقَط عنه الحضور، وإنْ لمْ يَسْمح، وطالبه بالحُضُور لزمه الحضور، وليس الصّوم عُذراً في تركِ إجابة الدعوة، ولكن إذا حَضر لا يلزمه الأكل، ويكون الصّوم عُذراً في ترك الأكل، ويدعو حينئذٍ لصاحب الدعوة، كما في الحديث، وقد فعل ذلك النّبي - صلى الله عليه وسلم - عن أنس - رضي الله عنه - قال: «دَخَل النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمّ سُليم فأتته بتَمْر وسَمَن، قال: «أعيدُوا سَمْنكم في سِقائه، وتَمْركم في وِعَائه، فإنّي صَائم». ثم قامَ إلى ناحية من البيت، فصلى غير المكتوبة، فدعا لأم سُليم وأهل بيتها. أخرجه البخاري ومسلم.

     ومن أهل العلم مَنْ فرَّق بين الفَرْض والنفل في مَسْألة الحُضور، فإنْ كان صومه فرضاً فليس عليه أنْ يحضر؛ لأنّ الداعي سيعذره، وإنْ كان نفلا فيُنظر إنْ كان الداعي ممّن له حقٌّ عليه لقرابة أو صداقة، ويخشى إنْ اعتذر أنْ يكون في قلبه شيء، فالأفضل أنْ يَحْضر ولا يعتذر.

 

فوائد الحديث

1- إنّ النِّسيان أمرٌ جِبِلِّيٌّ في طَبيعةِ البَشَرِ، واللهُ -تَبارَك وتعالى- يَعلَمُ ذلك مِن عِبادِه، ولا يُكَلِّفُهم شيئًا فوْقَ طاقتِهم، ومِن رَحمتِه -سُبحانَه وتعالَى- بهمْ أنْ تَجاوَزَ عن مُؤاخَذتِهم بسَبَبِ نِسيانِهم.

2- وفيه: دلالةٌ على عَدَمِ تكليفِ النَّاسي.

3- وفيه: التَّيسيرُ في هذه الشّريعة، ورفْعُ المشقَّةِ والحرَجِ عن العِبادِ.

4- قال العلماء: لا يُفطِر الصّائم بشيء مِنَ المُفْطرات؛ إلا إذا توافرت ثلاثة شروط :

الشرط الأول: أنْ يكونَ عالماً، فإنْ كان جاهلًا لمْ يُفطر؛ لقوله: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب: 5).

الشرط الثاني: أنْ يكون ذَاكراً، فإنْ كان ناسياً، فصيامه صحيح، ولا قضاء عليه.

الشرط الثالث: أنْ يكون مُختاراً لا مُكرَهاً، بأنْ يتناول المُفطِّر باختياره.

 

فوائد الحديث

1- بيان أنّ المستحبّ لمَن دُعي إلى طعامٍ وهو صائم، ولا يُريد الإفطار أنْ يقول: إنّي صائم، ففيه بيان أنّه لا بأس بإظْهار نوافل العبادة من الصوم والصلاة وغيرهما، إذا دعت إليه حاجة، والمُسْتحب إخفاؤها إذا لمْ تكنْ حاجة.

2- وفيه أنّه يُكره للمُتنفّل إفْساد نيّته، وفطر يومه لغير عُذر، ولو كان الفِطر مُباحاً له ابتداء، لم يُرشده إلى العُذر بصُومه.

3- وذَهَب بعض أهل العلم إلى أنه إن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور، وإنْ لمْ يَسْمح وطالبه بالحضور لزمه الحُضور، ولا يلزمه الأكل.

4- ومَنْ حَضر وهو صَائم، ولمْ يفطر، فليدعُ لصاحب الطعام بخير.

5- كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - حَريصاً عَلى حُسنِ العِشرةِ بيْنَ المُسلمينَ، وعَلى التَّأليفِ بيْن قُلوبِهم وإِدامةِ المَودَّةِ بيْنَهم؛ ولذلكَ جَعَلَ إجابةَ الدَّعوةِ حقًّا للمُسلمِ عَلى أَخيهِ المُسلمِ؛ حتَّى يَتواصَلَ المُسلمونَ ويَجتمِعوا ويتفرقوا.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك