رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 18 سبتمبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: فضل صيام المحرم وباب: صِيامُ يَوم عَاشُورَاء

  • أفضَلُ الصَّلاةِ بعْدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أبعَدُ عنِ الرِّياءِ ونظر الناس وأقرَبُ إلى الإخْلاصِ
  • أفضَل الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ وهو مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي نَهى اللهُ فيها عنِ القتالِ
  • أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  بِصِيَامِ عاشوراء حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ فخير الناس بين صيامه وإفطاره
 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/821) باب: فضل صوم المحرم.

يَرْوي أبو هُريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بين الأوْقاتِ والحالاتِ الأفضلِ للتَّنفُّلِ والتَّطوُّعِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ، وربّما يكون قد سألَه سائلٌ: عن أفضَلِ الصَّومِ بعدَ الصَّومِ المَفروضِ في رَمضانَ، فأجابَ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ أفضَلَ الصِّيامِ بَعدَ شَهرِ رَمضانَ، هو صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحرَّمِ، وهو مِنَ الأشهُرِ الحُرُمِ الَّتي نَهى اللهُ فيها عنِ القتالِ، وإضافةُ الشَّهرِ للهِ -تعالى- إضافةُ تَعظيمٍ، وهو أوَّلُ شَهرٍ في العامِ الهِجْريِّ، فهو سَببٌ لِيَفتتِحَه بفِعلِ الخَيرِ واستِقْبالِه بالعِبادةِ، وذلِكَ مِن أفضَلِ الأعْمالِ، كما يُستقبَلُ أوَّلُ النَّهارِ بالأذْكارِ، فيُرْجى بذلِكَ أنْ يكونَ مُكفِّراً لباقي العامِ، كما في فَضيلةِ الذِّكْرِ في أوَّلِ النَّهارِ.

 

أفضَلُ الصَّلواتِ بعْدَ أداءِ

الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ

        وسُئِلَ ما أفضَلُ الصَّلواتِ بعْدَ أداءِ الصَّلواتِ الخَمسِ المَفروضةِ، الَّتي لا بُدَّ مِن أدائِها؟ وهي أفضَلُ ما يتقرَّبُ بها العبدُ لله -عز وجل- قبلَ النظرِ في النَّوافلِ والزِّياداتِ والتَّطوُّعِ لِمَن أرادَ، فَقال النَّبيُّ -[ مُوضِّحًا ومُبيِّنًا-: «أفضَلُ الصَّلاةِ بعْدَ الصَّلاةِ المَكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ»، وذلك أنَّ صَلاةَ اللَّيلِ أبعَدُ عنِ الرِّياءِ ونظر الناس، وأقرَبُ إلى الإخْلاصِ، وهي أفضل التَّطوّعات بعد الفريضة؛ لأنّ الخشوع فيها أوفر، لاجتماع القلب، والخلو بالرَّب، قال -تعالى-: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} (المزمل : 6)، ولأنّ الليل وقت السُّكون والرَّاحة فإذا صُرف إلى العِبادة، كانت على النَّفْس أشد وأشق، وللبَدن أتَعب وأنْصَب، فكانت أدخل في معنى التكليف، وأفضل عند الله -تعالى. ويَحتمِلُ أيضاً: أنَّه لَمَّا كانَ القِتالُ مُحرَّماً في المُحرَّمِ، وكانَ انتِهازُ وَقتِه للصَّومِ فُرصةً مِن أجْلِ أنَّ أَوقاتَ إباحةِ القِتالِ لا يَقتَضي أنْ يَكونَ المُؤمنُ فيها صائماً؛ لأنَّ الصَّومَ يُضعِفُ أَهلَه.

المحرم شهر اللهِ

-قال الحافظُ ابنُ رجب: «وقد سمّى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - المحرمَ شهرَ اللهِ، وإضافتهُ إلى اللهِ تدلُّ على شَرفهِ وفضلهِ ، فإنّ اللهَ -تعالى- لا يضيفُ إليه إلا خواصَّ مخلوقاتهِ، كما نسبَ مُحمداً وإبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ وغيرَهم من الأنبياءِ -صلواتُ اللهِ عليهم وسلامهُ- إلى عبوديتهِ، ونسبَ إليه بيتهُ وناقتهُ، ولما كان هذا الشهرُ مختصاً بإضافتهِ إلى اللهِ -تعالى-، وكان الصيامُ من بين الأعمالِ مُضافاً إلى الله -تعالى-، فإنهُ لهُ من بين الأعمالِ، ناسبَ أن يختصَّ هذا الشهرُ المضافُ إلى اللهِ بالعملِ المضافِ إليهِ، المختصِّ به، وهو الصيامُ» .اهـ. (لطائفِ المعارفِ) (ص 81 - 82). إن صوم شهر مُحرم -وهو أول شهور السنة الهجرية- أفضل الصيام بعد صوم رمضان؛ لأنه أول السَّنة المستأنفة؛ فافتتاحها بالصوم -الذي هو ضياء- أفضل الأعمال، فينبغي للمسلم أن يحرص عليه ولا يَدعه إلا لعُذر. وقوله: «شَهر الله» هذا مما يدل على تعظيمه ومَزيته على غيره من الشَّهور. وأفضلُ شهرِ اللهِ المحرمِ يوم عاشوراء، كما سيأتي في الأحاديث. - قال الشيخُ ابنُ عثيمين: «واختلف العلماءُ -رحمهم اللهُ-: أيهما أفضلُ: صَومُ شهر المُحرّم، أمْ صوم شَعبان؟ فقال بعضُ العلماءِ: شَهرُ شعبانَ أفضلُ، لأنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصومهُ إلا قليلاً منهُ، ولم يُحْفظ عنهُ أنّه كان يصومُ شهرَ المحرمِ، لكنهُ حثّ على صيامهِ بقوله: «إنهُ أفضلُ الصيامِ بعد رمضان». قالوا: ولأن صومَ شعبانَ ينزلُ منزلةَ الراتبةِ قبل الفريضةِ، وصومَ المحرمِ ينزلُ منزلةَ النفلِ المطلقِ، ومنزلةُ الراتبةِ أفضلُ من منزلةِ المطلقِ، وعلى كل فهذان الشهران يسنُ صومهما، إلا أن شعبانَ لا يكملهُ». اهـ. «الشرحِ الممتعِ» (6/467).

باب: صِيامُ يَوم عَاشُورَاء

        عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْهُ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/792) باب: صوم يوم عاشوراء. تُخبِرُ أمُّ المُؤمِنينَ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنَّ قُرَيشاً كانت تصومُ يومَ عاشُوراءَ في الجاهلية، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يصومُه قبل أنْ يُهاجِرَ إلى المَدينةِ، فلمَّا قدِمَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ صامَه على عادتِه، وأمَرَ النَّاسَ بِصيامِه.

أسباب صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عاشُوراءَ

        وقد ورَدَتْ رِواياتٌ أخرى- ولا تُعارِضُ هذه الرِّوايةَ- في أسبابِ صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عاشُوراءَ، منها ما جاء في الصَّحيحَينِ: مِن حَديثِ ابْنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أنَّه يَومٌ نجَّى اللهُ فيه مُوسَى مِن فِرعَونَ، وكانت تَصومُه اليَهُودُ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أنا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهم، فَصَامَه».

حكم صيام عاشوراء

        وقَولُ أمِّ المُؤمِنينَ عائِشةَ -رضي الله عنها- في الحَديثِ: «ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِصِيَامِهِ، حَتَّى فُرِضَ رَمَضَانُ»، وفي رواية له: «وأَمَرَ بصِيَامِهِ، فَلَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ كانَ رَمَضَانُ الفَرِيضَةَ، وتُرِكَ عَاشُورَاءُ»، يَحتمِلُ أنَّ حُكْمَه كان الوُجوبَ والفرضيَّةَ، ثمَّ نُسِخَ الحُكمُ إلى الاستِحبابِ. وقيل: إنَّ هذا كان تَأكيداً على الصِّيامِ، وليس في حُكْمِ الوُجوبِ، لحَديثِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «هذا يومُ عاشُوراءَ، ولمْ يَكتُبِ اللهُ عليكم صِيامَه، وأنا صائمٌ، فمَنْ شَاء فلْيَصُمْ، ومَنْ شَاء فلْيُفطِرْ». مُتَّفَق عليه. ومثله حديث جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: كانَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُنا بصيامِ يومِ عَاشُوراء ويحثنا عليه، ويَتَعاهدنا عنْده، فلما فُرِضَ رَمَضان، لمْ يَأمُرنا، ولمْ ينْهنا، ولم يَتَعاهَدنا عنده». رواه مسلم بالباب. وكان هذا هو الحال والشَّأن إلى أنْ فُرِضَ صَومُ رَمَضانَ على المُسلمينَ في السَّنَةِ الثَّانيةِ مِنَ الهِجرةِ، فكانتِ الفريضةُ صَومَ رمَضانَ فَقطْ، وأصْبَحَ صَومُ عاشوراءَ مُخيَّراً فيه: مَنْ شاءَ صامَه نفْلًا، ومَنْ شاءَ تَرَكَه. وقد ذهبَ بَعضُ العُلماء إلى أنّ صيامَ عاشوراء كان واجباً في أولِ الأمْر، فلمّا فُرِض شهر رمضان في العام الثاني للهجرة، صار صيامه سنَّةً ومُسْتحبًّا.  

من فوائد الحديثين

من فوائد حديث صيام المحرم: 1-التَّرغيبُ في صِيام التّطوع. 2-التَّرغيبُ في صَلاة التّطوع، وقيام الليل. 3- أنّ صَلاةَ الليل أفضل مِنْ غيرها من التَّطوعات في النَّهار، لظاهر النَّص. 4- وَفيه: بَيانُ فَضيلةِ صومِ شَهرِ المُحرَّمِ، وأنّ أفضل الصّيام المستحب ما كان في المُحرّم، كصيام عاشوراء وغيره. 5- وَفيه: بَيانُ أنَّ التَّطوُّعَ والنَّوافلَ تَكونُ بعدَ أَداءِ الفَرائضِ. 6- الصَّلاةُ والصِّيامُ مِن أركانِ الإسْلامِ، وقدْ حدَّدَ اللهُ فَرائضَ الصَّلاةِ بخَمسِ صَلواتٍ في اليومِ واللَّيلةِ، وحدَّدَ صِيامَ الفَرْضِ بصِيامِ شَهرِ رَمضانَ، ولكنْ مَن أرادَ التَّطوُّعَ بنافِلةٍ مِن جِنسِ هاتَينِ العِبادتَينِ، فقد حدَّدَ له النَّبيُّ -[- أوقاتًا فاضلةً يؤجَرُ عليها العبدُ بأفضَلِ الأجْرِ. من فوائد حديث صيام يوم عاشوراء: 1- بَيانُ أهمِّيةِ يَومِ عاشوراءَ، وتَعظيمِ المُسلِمينَ له. 2- وفيه: بيانُ وُقوعِ النَّسخِ في الشَّريعةِ المحمَّديَّةِ. 3- مرَّ صِيامُ عاشوراءَ بمَراحلَ تَشريعيَّةٍ مُختلِفةٍ، كما في هذا الحديثِ وغيرِه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك