رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 8 أكتوبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: صِيَامُ شَعْبَان

   

  • المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ رَحمة اللهِ والنَّجاة مِن النارِ وقد كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم القُدوةَ في ذلك
  • صوم النَّفل غير مُختصٍّ بزمانٍ معين بل كلُّ السّنَة صالحة له إلا رمضان والعيد والتشريق
 

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-: عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: كَانَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ، ولَمْ أَرَهُ صَائِمًا مِنْ شَهْرٍ قَطُّ؛ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. الحديث أخرجه مسلم في كتاب الصيام (2/811) باب: صيام النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - في غيرِ رمضان، واسْتحباب ألا يُخلي شَهراً عن صَوم.

      تقول عائشة -رضي الله عنها-: كَانَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ صَامَ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: قَدْ أَفْطَرَ». وفي رواية: «كان رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ حتى نقول: لا يُفطر، ويُفْطر حتّى نقول: لا يصُوم، وما رأيتُه في شَهرٍ أكثر منه صياماً في شعبان»، وفي رواية: «كان يصُوم حتى نقولَ: قد صَام، قد صَام، ويُفْطِر حتى نقُول: قد أفْطر، قد أفْطَر»، وفي رواية: «كان يصُومُ شَعْبان كلّه، كان يصُوم شَعبان إلا قليلاً».

يُسْتحبّ ألا يُخْلي شَهْراً منْ صِيام

قال النووي: في هذه الأحاديث: أنه يُسْتحبّ أنْ لا يُخْلي شَهْراً منْ صِيام، وفيها: أنّ صوم النفل غير مختصٍّ بزَمانٍ مُعيّن، بل كل السنة صالحة له، إلا رمضان، والعيد والتشريق. وقولها: «كان يصُومُ شَعْبان كلَّه، كانَ يَصُومه إلا قليلاً»، الثاني تفسير للأوّل، وبيان أنّ قولها: «كلّه» أي: غالبَه. وقيل: كان يصُومه كلّه في وَقْتٍ، ويصَومُ بعضَه في سنةٍ أخْرى. وقيل: كان يصُوم تارةً مِنْ أوله، وتارة مِنْ آخره، وتارة بينهما، وما يخلي منه شيئاً بلا صيام، لكن في سنين.

تَخْصيص شَعْبان بكثْرةِ الصّوم

       وقيل: في تَخْصيص شَعْبان بكثْرةِ الصّوم لكونه تُرفع فيه أعْمالُ العباد، وقيل غير ذلك. فإنْ قيل: سيأتي قريباً في الحديث الآخر «أنّ أفضلَ الصّوم بعد رمضان صوم المُحَرّم» فكيف أكثر منْه في شعبان دون المحرّم؟ فالجواب: لعلّه لمْ يَعْلم فَضْلَ المُحرّم إلا في آخِر الحياة، قبل التّمكّن مِنْ صَومه، أو لعلّه كان يَعرض فيه أعذارٌ تَمْنع من إكثار الصّومِ فيه، كسَفرٍ ومرضٍ وغيرهما. قال العلماء: وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجُوبه. انتهى. قال الترمذي: «وَرُوِيَ عنْ ابْنِ المُبَارَكِ أَنَّهُ قَال في هذَا الحدِيثِ: هُوَ جَائِزٌ فِي كَلَامِ العَرَبِ إِذَا صَامَ أَكْثَرَ الشَّهْرِ، أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ، ويُقَالُ: قَامَ فُلَانٌ لَيلَهُ أَجْمَعَ، ولَعَلَّهُ تَعَشَّى واشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ، كَأَنَّ ابنَ المُبَارَكِ: قَدْ رَأَى كِلَا الحَدِيثَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ، يَقُولُ: إِنَّمَا مَعْنَى هذَا الحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ الشَّهْرِ». فقولها: «كانَ يصُومُ شَعبان كلّه، كان يصُومه إلا قليلا» الثاني تفسيرٌ للأول، وبيان أن قولها «كله» أي: أكثره وغالبه. ووجه ذلك: أن اللفظ الثاني: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا» جاء مُفَسِّراً للفظ الأول: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». وهو قول الجمهور، وعليه أكثر شُراح الحديث. واستدلوا على ذلك بأحاديث فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكنْ يصوم شهراً كاملًا سوى رمضان.
  • ومن ذلك:
أ- عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ». رواه البخاري (1969)، ومسلم (1156). وفي رواية لمسلم: «قَالَتْ: وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ». وقيل: كان يصومه كله في وقْتٍ، ويصُوم بعضَه في سنةٍ أخْرى. وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما، وما يُخلّي منه شيئاً بلا صيام، لكن في سنين. وقيل: في تخصيص شعبان بكثرة الصّوم، لكونه تُرفع فيه أعمالُ العباد، وكان - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أنْ يُرفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما أنَّه شَهرٌ يَغفُلُ عنه كَثيرٌ مِن النَّاسِ بيْن رجَبَ ورَمَضانَ، كما بيَّن ذلك في رِواية النَّسائيِّ وأحمَدَ. وقيل غير ذلك.

لم يستكمل - صلى الله عليه وسلم - غير رمضان

وقال العلماء: وإنّما لم يستكمل غير رمضان؛ لئلا يظن وجوبه، ولئلَّا يَلتبِسُ بالفَرائضِ. أمّا القول الثاني: فهو أنه في بعض الأحيان كان يصوم شعبان كلّه، وفي بعضها يصوم أغلبه. والمقصود: أن هذا كان باختلاف الأوقات: ففي بعض السنين صام النبي - صلى الله عليه وسلم - شعبان كاملًا، وفي بعضِها صام النّبي -[- أكثره. قال الحافظ بدر الدين العيني: قَالُوا: معنى: كُله: أَكْثَره، فَيكون مجَازاً. قلت: فِيهِ نظر من وُجُوه: الأول: أَن هَذَا الْمجَاز قَلِيل الِاسْتِعْمَال جدًّا، وَالثَّانِي: أَن لَفْظَة: كل، تَأْكِيد لإِرَادَة الشُّمُول، وتَفْسِيره بِالْبَعْضِ منَاف لَهُ، والثَّالِث: أَن فِيهِ كلمة الإضراب، وَهِي تنَافِي أَن يكون المُرَاد الْأَكْثَر، إِذْ لَا يبْقى فِيهِ حِينَئِذٍ فَائِدَة، والْأَحْسَن أَن يُقَال فِيهِ: إِنَّه بِاعْتِبَار عَاميْنِ فَأكْثر، فَكَانَ يَصُومهُ كُله فِي بعض السنين، وَكَانَ يَصُوم أَكْثَره فِي بعض السنين». «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (11/ 118). وهذا اختيار جماعة من شُراح الحديث أيضاً، منهم: الطيبي، وعليّ القاري، وهو قول بعض الحنابلة، ورجّحه بعض المعاصرين كالشيخ ابن باز رحمه الله. واستدلوا على ذلك بأدلة: ا- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». رواه البخاري (1970). ب- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ». رواه النسائي (2356). ج- عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْغَازِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنْ صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ حَتَّى يَصِلَهُ بِرَمَضَانَ». رواه ابن ماجة (1649). د- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عبدالرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ». رواه أحمد (26517)، والنسائي (2353).  

فوائد الحديث

1- أنّه يستحب ألا يُخْلي شَهْراً منْ صيام. 2- وفيه: أنّ صوم النَّفل غير مُختصٍّ بزمانٍ معين، بل كلُّ السّنَة صالحة له، إلا رمضان والعيد والتشريق. 3- وأنَّ أعمالَ التطوُّعِ ليستْ مَنوطةً بأوقاتٍ مَعلومةٍ، وإنَّما هي على قدْرِ الإرادةِ لها والنَّشاطِ فيها. 4- وفيه: بَيانُ فضْلِ شَهرِ شَعبانَ، والحثُّ على إكثارِ الصِّيامِ فيه. 5- وفيه: مَشروعيَّةُ ألَّا يَخلُوَ شَهرٌ مِن الشُّهورِ عن صَومِ التَّطوُّعِ. 6- وأنّ المُداوَمةُ على العَملِ الصَّالحِ تُبلِّغُ العَبدَ إلى رَحمةِ اللهِ والنَّجاةِ مِن النارِ، وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - القُدوةَ في ذلك؛ فقد كان يُداوِمُ على العِباداتِ والطاعاتِ، ومِن ذلك صَومُ النَّفلِ فإنَّه غيرُ مُختَصٍّ بزَمانٍ مُعيَّنٍ.  

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك