رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 9 يناير، 2024 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: صِيام يوم الاثنين

 

  • لم يشرع النبيّ صلى الله عليه وسلم لأحدٍ من الصحابة أو غيرهم أنْ يصوموا يوم مولدهم فدلّ ذلك على عدم مشروعيته وأنّ الاحتفال به بدعة
  • كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعبدَ الناسِ لربِّه وكان أكثرَهم وأحسنَهم شُكرًا لِلهِ عزّ وجلَّ على نِعَمِه بالطَّاعةِ والعبادةِ
 

عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ، فَقَال: «فِيهِ وُلِدْتُ، وفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/819) باب: استحباب صيام ثلاثة من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس، وهذا الحديثِ جزءٌ من حديث طويل: أنَّ رجلًا سأَل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- عن صَومِ يَومِ الاثنَينِ، فقال: «فيه وُلِدتُ، وفيه أُنْزِلَ عليَّ القرآنُ».

           قوله: «فيه وُلِدتُ» أي: في يوم الإثنين، في عام الفيل، هذا هو الثابت، لكنّنا لا نَعْلم شيئاً يُفيدُ أنه - صلى الله عليه وسلم- سُئِل عن تاريخ مولده، ولا أنّه ذُكر في حديثٍ صحيح ولا ضعيف أنه وُلد في الثاني عشر مِنْ ربيع الأول، وإنّما ثبتَ عنه فقط أنّه - صلى الله عليه وسلم- سُئِل عن صَوم الإثنين، فقال: فيه وُلِدت، وكذلك هو ماتَ - صلى الله عليه وسلم- في يوم الإثنين، فيوم الإثنين وُلد فيه النبي - صلى الله عليه وسلم-، لكن في أيّ شهر لم يتبين، لكن هو - صلى الله عليه وسلم- قد مات في شهر ربيع الأول، في اليوم الثاني عشر منه.

قوله: «ويوم بُعثتُ فيه،أو: أُنْزِلَ عليَّ فيه»

        وقوله: «ويوم بُعثتُ فيه، أو: أُنْزِلَ عليَّ فيه» أي: بدَأ نُزولُ القرآنِ عليه - صلى الله عليه وسلم-، وكلُّ ذلك في يومِ الاثنَينِ، أي: نزول جبريل -عليه السلام- عليه، فقال له ثلاث مرات: «اقرأ»، فيقول: ما أنا بقارئٍ، قال: فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق: 1). حتى بلغ: {علّم الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 5). رواه البخاري.

فضائل أخرى

         وليوم الإثنين فضائل أخرى: فقد روى الترمذي (747) وحسّنه وأحمد: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ والْخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وأَنَا صَائِمٌ». وصححه الألباني في «صحيح الترمذي»، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحرَّى صوم الإثنين والخميس». رواه الترمذي (745) والنسائي (2361) وابن ماجة (1739) وصححه الألباني في «صحيح الترغيب» (1044)، وبناء عليه، فإنّه يسنّ صوم يوم الإثنين، لهذه الأحاديث النبوية الثابتة.

مسألة مهمة

بعض الذين يَحتفلون ببدعة المولد النبوي، يحتجُّون بهذا الحديث؛ لما يقومون به منْ احتفالات ونحو ذلك. وهو استدلال غير صحيح؛ لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم- شَرع لنا الصيام كلّ اثنين؛ لأجل ثلاثة أمُور مُجْتمعة، وأقرّ هذه العبادة، وهو الصيام في يوم الاثنين. أمّا الذين يحتفلون بالمولد، فلا يستطيعون تحديد تاريخ مولد النبي - صلى الله عليه وسلم- بدليلٍ صحيح ثابت، ثمّ لو حَصل أنّنا حدّدنا ذلك اليوم، فلا يُشْرع لنا فعل هذه الأمُور في ذلك اليوم؛ لأنّها مِنَ البدع المُحدثة في الدّين، ولم يرد فيها نصٌّ وشرعٌ لفعلها، فالثابتُ هو أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد يوم اثنين من عام الفيل، وشرع لنا صيام يوم الاثنين لثلاثة أشياء؛ ولذا فلا يشرع لنا الاحتفال مثلاً في يوم بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم-، ولا يشرع الاحتفال بيوم نُزُول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك لا يَشرع الاحتفال بيوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم.

الموالد تشتمل على منكرات

           والموالد - مع كونها بِدْعَةً مُحْدَثة في الإسلام - فإنّها لا تَخلو مِنْ اشْتمالها على منكرات، كاخْتلاط النّساء بالرجال، واسْتعمال الأغاني والمعازف، وغير ذلك، مما هو مشاهَد ومعلوم لجميع الناس، وقد يقع في الموالد ما هو أعظم من ذلك، وهو الشرك بالله -تعالى-، وذلك بالغلوِّ في رسُول الله - صلى الله عليه وسلم- أو غيره من الأولياء، وذلك بدعائه والاسْتغاثة به، وطلب الْمَدَدِ منه - صلى الله عليه وسلم -، أو الذّبح له، وكلّ هذا من الغلو، ولقد نهانا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - عن الغلوّ فيه، وعن الغلو في الدّين. فروى البخاري: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تُطْرُوني -أي: لا تُبالغوا في مَدْحي - كما أطْرَتِ النّصارى ابنَ مريم، فإنما أنا عبدٌ، فقولوا: عبدالله ورسوله». البخاري. وروى أحمد: عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والغلوَّ في الدِّين! فإنما أُهْلِكَ مَنْ كان قبلكم بالغلو في الدين». رواه أحمد (1/ 215) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1283). وإنّما يكفينا الصيام يوم الاثنين كما جاء في السنة النبوية. والعجب أنّهم يحتفلون في شهر ربيع الأول بيوم مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يظنّون، مع أنّ هذا اليوم وهو الثاني عشر من شهر ربيع الأول، هو اليوم الذي تُوفي فيه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على قول الجُمهور، فهم يحتفلون بيوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعوى الاحتفال بالمولد؛ فنعوذ بالله مِنَ البدعِ المضلة.

زعم خطأ

         ومَنْ زعم أنّ الاحتفال بمَولِد النبي - صلى الله عليه وسلم- بدعةً حسنة، فقد أخطأ أيضاً، فليس هناك بدعةٌ حَسَنة وبدعة سيئة، بل البدعُ في الدّين كلُّها شرٌّ وضلالة؛ فقد روى مسلم: عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ خَيرَ الحديث كتابُ الله، وخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد - صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمُور مُحْدثاتها، وكل بدعة ضلالة». مسلم (867). وبهذا الحديث نقول: مَنْ زعم أنّ في البدع التي ابتُدعت في دين الله -تعالى- شيئًا مَحمودًا، فإنما هو في الحقيقة استدراك على شريعة الله الكاملة، وردٌّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وهذان أمران خطيران جدًّا؛ لِما فيهما من المحادَّة لله -تعالى- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم-؛ يقول الله -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} المائدة: 3.

قراءة السّيرة النّبوية

          وكذلك ظهر بعض المعاصرين مَن يقول بأنه: يُشْرع قراءة السّيرة النّبوية في شهر ربيع الأول منْ كلّ عامٍ دون احْتفالات، ويستدلون بهذا الحديث، وليس في هذا الحديث أي دليل على مشروعية قراءة السيرة في شهر ربيع الأول من كلّ عام، فالحديث يدل على مشروعية صيام يوم الاثنين من كل أسبوع فقط، وذلك للبعثة وإنْزال الوحي والمولد، ولو لمْ يُقرّه النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لما جازَ تخصيصه بالصيام دون دليل.

أيُّهما أفضلُ؟

          مسألة: أيُّهما أفضلُ صيامُ الإثنين والخميس، أو صيام ثلاثة أيامٍ من كل شهر؟ والجواب: أنّ صيام الإثنين والخميس أفضل من صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لأنّ من صام الإثنين والخميس كلّ أسبوع، فإنه قد صام ثمانية أيام مِنْ كلّ شهر، فيكون بذلك قد جمع بين الفضيلتين: صيام الإثنين والخميس، وصيام ثلاثة أيام منْ كلّ شهر، والثلاثة أيام من كل شهر يصح صيامها من أول الشهر أو وسطه أو آخره، متفرقة أو متتابعة، إلا أنّ الأفضل أن يجعلها الأيام البِيض، وهي الأيام التي يكون القمر فيها مكتملاً، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمري.  

فوائد الحديث

1- أنّ الأصل في العبادات المنع إلا بدليل. 2- كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أعبدَ الناسِ لربِّه، وكان أكثرَهم وأحسنَهم شُكرًا لِلهِ -عزّ وجلَّ- على نِعَمِه بالطَّاعةِ والعبادةِ. 3- ولا يوجد أي دليل على إقامة الموالد النّبوية، ولا على تخصيص شهر ربيع الأول بقراءة السيرة. 4- أيضاً: ما شاع بين الناس اليوم ممّا يسمونه بعيد الميلاد، وانتشار احتفالهم به هو بدعة غير مشروعة، وليس للمسلمين أعياد يحتفلون بها سوى عيدي الفطر والأضحى. 5- لم يشرع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأحدٍ من الصحابة أو غيرهم أنْ يصوموا يوم مولدهم، فدلّ ذلك على عدم مشروعيته، وأنّ الاحتفال به بدعة.    

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك