رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 أبريل، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: شَهْرَا عِيدٍ

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رضي الله عنه - عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَال: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ؛ رَمَضَانُ وذُو الْحِجَّةِ»، الحديث رواه مسلم في الصيام (2/766) باب: بيان معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «شَهْرا عيدٍ لا يَنقصان»، ورواه البخاري في كتاب الصوم (1912) باب: شَهرا عيدٍ لا يَنقصان. أبو بكرة الصحابي، - رضي الله عنه - واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة الثقفي، وإنّما كُني أبا بكرة؛ لأنه تدلّى من حصن الطائف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببَكرة، وكان أسلم وعجز عن الخروج من الطائف إلا هكذا، قال الحسن البصري: لم يكن بالبصرة من الصحابة أفضل من عمران بن الحصين، وأبي بكرة، واعتزل أبو بكرة يوم الجمل، فلم يقاتل مع أحد من الفريقين. توفي بالبصرة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ثنتين وخمسين.

قوله: «شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وذُو الْحِجَّةِ»

     قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): وقد اختلف العلماء في معنى هذا الحديث: فمنهم مَنْ حَمَله على ظاهره، فقال: لا يكون رمضان ولا ذو الحجّة أبداً إلا ثلاثين وهذا قولٌ مردودٌ معاند للموجود المشاهد، ويكفي في ردّه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «صُوموا لرُؤيته وأفْطروا لرؤيته، فإنْ غُمّ عليكم فأكملوا العِدّة» فإنّه لو كان رمضان أبداً ثلاثين، لمْ يحتج إلى هذا، ومنهم من تأوّل له معنى لائقاُ، قال أبو الحسن: كان إسحاق بن راهويه يقول: لا يَنْقصانِ في الفَضيلة، إنْ كانا تسعةً وعشرين، أو ثلاثين انتهى.

      وقيل: لا ينقصان معاً، إنْ جاءَ أحدهما تِسْعاً وعشرين، جاء الآخر ثلاثين، ولا بُدّ. وقيل: لا يَنْقصان في ثوابِ العمل فيهما. وهذان القولان مشهوران عن السّلف.

       وقد نقله البخاري عقب الترجمة قبل سياق الحديث: قال إسْحاق: وإنْ كان ناقصاً فهو تَمام. وقال محمد: لا يجتمعان كلاهما ناقص. وإسحاق هو ابن راهويه، ومحمد هو البخاري المصنف.

      ووقع عند الترمذي نقل القولين عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل، وكأن البخاري اختار مقالة أحمد فجزم بها، أو تواردا عليها. قال الترمذي قال أحمد: معناه: لا يَنْقصان معاً في سنةٍ واحدة انتهى.

      وروى الحاكم في تاريخه بإسناد صحيح: أن إسحاق بن إبراهيم سُئل عن ذلك فقال: إنّكم تَرون العَدد ثلاثين، فإذا كان تسعاً وعشرين ترونه نُقْصاناً، وليس ذلك بنُقصان.

معاني الحديث

      وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين: أحدهما ما قاله إسْحاق، والآخر: أنّ المُراد أنَّهما في الفَضْل سواء؛ لقوله في الحديث الآخر: «ما مِنْ أيامٍ العمل فيها أفضل مِنْ عشر ذي الحجة».

      وذكر القرطبي أنّ فيه خمسة أقوال، فذكر نحو ما تقدم، وزاد أنّ معناه: لا ينقصان في عامٍ بعينه، وهو العام الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم - تلك المقالة.

      وقيل: معناه لا ينقصان معاً في سنةٍ واحدة على طريق الأكثَر الأغْلب، وإنْ نَدَر وقوع ذلك، وهذا أعدل ممّا تقدم؛ لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كلٍّ منهما تسعة وعشرين.

      قال الطّحاوي: الأخذ بظاهره أو حمله على نقصِ أحدهما يدفعه العَيان؛ لأنّا قد وجدناهما ينقصان معاً في أعوام. وقال الزين بن المنير: لا يَخلو شيءٌ من هذه الأقوال عن الاعتراض، وأقربها: أنّ المراد أنّ النقص الحسي باعتبار العدد؛ يَنْجبر بأن كلاً منهما شهرُ عيدٍ عظيم، فلا ينبغي وصفهما بالنقصان، بخلاف غيرهما من الشهور، وحاصله يرجع إلى تأييد قول إسحاق.

      وقال البيهقي في «المعرفة»: إنّما خَصّهما بالذِّكر لتعلّق حُكم الصّوم والحج بهما، وبه جزم النووي وقال: إنّه الصّواب المعتمد. والمعنى: أنّ كلّ ما ورد عنهما من الفضائل والأحْكام حاصل، سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التاسع أو غيره. ولا يخفى أنّ محل ذلك ما إذا لمْ يحصل تقصير في ابتغاء الهلال، وفائدة الحديث: رفع ما يقع في القلوب منْ شكٍّ لمن صامَ تسعاً وعشرين، أو وقفَ في غيرِ يوم عرفة.

ظاهر سياق الحديث

      وقال الطّيبي: ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشّهرين بمزيّة ليست في غيرهما من الشُّهور، وليس المراد أنّ ثواب الطاعة في غيرهما ينقص، وإنّما المراد رفع الحرج عما عسى أنْ يقع فيه خطأ في الحُكم؛ لاختصاصهما بالعيدين، وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما، ومِنْ ثمّ قال: «شَهْرا عيد» بعد قوله: «شَهران لا يَنقصان» ولمْ يقتصر على قوله: رمضان وذي الحجة انتهى.

وفي الحديث حُجّة لمن قال: إنّ الثوابَ ليس مُرتّباً على وجُود المَشقة دائماً، بل لله أنْ يتفضّل بإلحاقِ الناقص بالتام في الثواب.

      واستدلّ به بعضهم لمالك في اكتفائه لرمضان بنيةٍ واحدة، قال: لأنّه جَعل الشّهر بجُملته عبادة واحدة، فاكتفى له بالنيّة، وهذا الحديث يقتضي أنّ التسوية في الثواب بين الشهر الذي يكون تسعاً وعشرين، وبين الشهر الذي يكون ثلاثين؛ إنّما هو بالنظر إلى جعل الثواب متعلقاً بالشهر منْ حيثُ الجملة، لا من حيث تفضيل الأيام.

      قوله: «رَمَضان وذُو الحجّة» أطلق على رمضان أنّه شهرُ عيد؛ لقُرْبه من العيد، أو لكون هلال العيد ربّما رؤي في اليوم الأخير من رمضان، قاله الأثرم، والأول أولى. ونظيره قوله - صلى الله عليه وسلم -: «المغربُ وِتْرُ النّهار». أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر، وصلاة المغرب ليلية جهرية، وأطلق كونها وتر النّهار لقُربها منه.

وفيه: إشارة إلى أنّ وقتها يقع أول ما تغرب الشمس.

      وقوله: «المَغرِبُ وِترُ النَّهارِ»؛ لأنَّها ثَلاثُ رَكَعاتٍ، وتكونُ آخِرَ صَلاةٍ في النَّهارِ، مع أنَّها ليستْ في النَّهارِ، وإنَّما هي في أوَّلِ اللَّيلِ، ولكونِها قريبةً مِن النَّهارِ أُضيفتْ إلى النَّهارِ.

 

من فوائد الحديث

1- أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنّ شهرا رَمَضانَ وذي الحِجَّةِ لا ينقصان، ولو كاناً تسعاً وعشرين، وسمّاهما شهرا عيد، لمجيء العيد عقب الأوّل منهما مباشرة، واشْتمال الثاني على يوم العيد.

2- وفيه: إمكان وقوع الخَطأ في دخول هذين الشهرين، ورفع الحَرج عمّا قد يقع مِنْ خطأ في الحُكم بإثباتِ الشهرين.

3- ورفع ما يقع في القلوب مِنْ شكٍّ لمَن صام تسعًا وعشرين، أو وقف في غير يوم عرفة.

4- وفي الحديثِ: بَيانُ فضْلِ شَهرِ رَمَضانَ وذي الحِجَّةِ، لتَعلُّقِ حكْمِ الصَّومِ والحجِّ بهما.

5- وفيه: أنّه إذا أدَّى الإنسانُ ما أُمِرَ به، واجتَهَدَ في مُوافَقةِ مُرادِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- ومَرْضاتِه قدْرَ استِطاعتِه وجَهْدِه؛ فإنَّ اللهَ -عزَّ وجلَّ- لنْ يَحرِمَه الأجْرَ كاملًا وزِيادةً، فضْلًا مِن اللهِ وكَرَماً.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك