رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 27 نوفمبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم   – باب: تَرْكُ صَومِ يَومِ عَرَفة للحَاجّ

 

  • الأَوْلى للحاجِّ أنْ يُفطِرَ يوم عرفة اسْتِقواءً على ما فيه مِن جَهْدٍ ففي الحَجِّ جِهادٌ ومَشَقَّةٌ أمّا المقيم فالصِّيامُ يومَ عَرَفَةَ مستحب ومتأكّد لما فيه مِن الأجر العظيمِ
 

عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ -رضي الله عنها-: أَنَّ نَاسًا تَمَارَوْا عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَال: بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِصَائِمٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ، فَشَرِبَهُ. صحابي الحديث: أُمِّ الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ بن حزن الهلالية، وهي لُبَابَة الكُبْرى، وهي زوجة العباس بن عبدالمطلب، ووالدة ابن عباس والفضل بن العباس -رضي الله عنهم-، وتُسمّى الكبرى، تمييزًا لها من أختٍ لها لأبيها تُعرف بالصغرى.

       وهي أختُ ميمونة بنت الحارث زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأيضًا أخت أم المؤمنين وزوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة، وهي أخت الصحابية لبابة الصغرى والدة خالد بن الوليد، وهي أخت الصحابية المهاجرة أسماء بنت عميس، وأيضاً: هي أخت سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبدالمطلب، وهي التي ضربت أبا لهب بعمود فشجّته، حين رأته يضرب أبا رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، في حجرة زمزم بمكة، على أثر وقعة بدر، وكان موت أبي لهب بعد ضربة أم الفضل له بسبع ليال. يقال: إنّها أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزورها ويَقِيلُ عندها، وكانت من المُنْجبات، ولدت للعباس ستة رجال، لمْ تلدْ امرأة مثلهم، توفيت نحو 30 هـ في خلافة عثمان.

صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عَرَفَةَ

        وفي هذا الحَديثِ: تُخبِرُ أمُّ الفضل بنتُ الحَارِثِ -رضي الله عنها- أنَّ النَّاسَ شَكُّوا في صِيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ عَرَفَةَ، فقال قومٌ: هو صائمٌ، وقال آخَرون: غيرُ صائمٍ، وذلك في حَجَّةِ الوَداعِ التي حَجَّها في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ. قولها: «أنّ ناسًا تَمَاروا» أي: اخْتلفوا. وفي البُخاري: «شَكَّ النَّاسُ يَومَ عَرَفَةَ، في صَوْمِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم ». قولها: «في صيام النّبي - صلى الله عليه وسلم -» هذا يُشعر بأنّ صَوم يوم عرفة كان مَعروفاً عندهم، مُعتاداً لهم في الحَضَر، وكأنّ مَنْ جَزَم بأنّه صائم، استند إلى ما ألفه مِنْ العبادة، ومَنْ جَزم بأنّه غيرُ صائم، قامتْ عنده قرينة كونه مُسافراً، وقد عُرف نهيه عن صوم الفَرْض في السّفر، فضلاً عن النّفل، قاله الحافظ. قولها: «فأرسلتُ إِلَيْهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ»، وفي رواية البخاري: أنّ ميمونة بنت الحارث هي التي أرْسلت، فيَحتمل التّعدّد، ويَحْتمل أنّهما معاً أرْسلتا، فنُسب ذلك إلى كلٍّ منهما؛ لأنّهما كانتا أخْتين، فتكونُ ميمونة أرْسَلت بسُؤال أمّ الفضل لها في ذلك، لكشفِ الحال في ذلك، ويحتمل العكس، وسيأتي الإشارة إلى تعيين كون ميمونة هي التي باشرت الإرْسال. ولمْ يسمَّ الرسُول في طُرق حديث أمّ الفضل، لكن روى النسائي من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، ما يدل على أنه كان الرسُول بذلك، ويقوّي ذلك أنّه كان ممّن جاء عنه أنّه أرسل إمّا أمّه، وإمّا خالته. (الفتح). وإرسالها للبن، للتَّأكُّدِ مِن الأمرِ وقَطْعِ الشَّكِّ باليقينِ. قولها: «وهو واقفٌ على بَعيره بعَرفة» قولها: «وهو واقفٌ على بَعيره بعَرفة»، وفي البخاري: «وهو واقِفٌ في المَوْقِفِ». زاد أبو نعيم في «المُستخرج» عن مالك: «وهو يَخطُبُ الناسَ بعَرفة». وللمُصنف في الأشْربة: «وهو واقفٌ عَشيّة عَرفة». ولأحمد والنسائي: من طريق عبدالله بن عباس عن أمه أمّ الفَضل: «أنّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أفْطَرَ بِعَرفة». قولها: «فشربه» زاد في حديث ميمونة «والناسُ يَنْظرون». أَرْسَلتْ مَيمونةُ -رضي الله عنها- إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بحِلَابٍ -وهو إناءٍ فيه لَبَنٌ- وهو واقِفٌ بعَرَفَةَ، وذلك لِتَتبيَّنَ به صِيامَه مِن فِطْرِه، فشَرِب منه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - والنَّاسُ يَنظُرون، فظَهَرَ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان مُفطِراً يومَ عَرَفَةَ، وأنَّ هذا ما يُشرَعُ للحاجِّ الواقِفِ بعَرَفَةَ.  

فوائد الحديث

  • من فوائد الحديث أنَّ الأَوْلى للحاجِّ أنْ يُفطِرَ يوم عرفة، اسْتِقواءً على ما فيه مِن جَهْدٍ، ففي الحَجِّ جِهادٌ ومَشَقَّةٌ، أمّا المقيم فالصِّيامُ يومَ عَرَفَةَ مستحب ومتأكّد، لما فيه مِن الأجر العظيمِ.
  • وفيه إظهارُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الأمْرَ الشرعي للنَّاسِ وقتَ الحاجةِ، وهذا مِن حِرصِه عليهم ورَحمتِه وشَفَقتِه بهم.
  • وفيه: حِرصُ الصَّحابَةِ على مَعرِفَةِ هديّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الأحْوالِ المختلِفَةِ.
  • وفيه: أنَّ المُشاهَدةَ بالعِيانِ أقطَعُ للحُجَّةِ وأنَّها فوقَ الخبَرِ.
  • وفيه: مَشروعيَّةُ الأكْلِ والشُّربِ في المَحافلِ، والأكْلِ والشُّربِ واقفاً.
  • وفيه: تَأسِّي النَّاسِ بأفعالِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - واتّباعهم له.
  • وفيه: التّلطف والتَّحيُّلُ على الاطِّلاعِ على الحُكْمِ بغَيرِ سُؤالٍ.
  • وفيه: بَيانُ ذكاء أمّ الفضل -رضي الله عنها- وفطنتها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك