رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 12 ديسمبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: النّهيُّ عنْ صِيَامِ يَومِ الأضْحَى والفِطْر

  • عيد الفطر وعيد النّحر هما العيدان الإسْلاميان المُباركان العظيمان جَعَلهما الله تبارك وتعالى للفَرَح وللبَهْجَة وللسُّرور وللحُبور وللذكر وإظْهار الشُّكر لله تبارك وتعالى
  • الصَّحابَةُ أخذوا كلَّ ما يُصلِحُ شُؤونَ دِينِهم ودُنْياهم عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم  فَهو القُدوةُ والأُسْوةُ لهم في كلامُهُ وفِعْلُهُ
 

عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ قَالَ: شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ، فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ يَوْمَانِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ صِيَامِهِمَا: يَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ، وَالْآخَرُ يَوْمٌ تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. الحديث رواه مسلم في الصوم (2/799) باب: النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.

      ورواه البخاري في الأضاحي (5571) باب: ما يُؤكل منْ لُحوم الأضاحي، ولفظه: أنَّهُ شَهِدَ العِيدَ يَومَ الأضْحَى مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه -، فَصَلَّى قَبْلَ الخُطْبَةِ، ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ رَسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قدْ نَهَاكُمْ عن صِيَامِ هَذَيْنِ العِيدَيْنِ، أمَّا أحَدُهُما فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِن صِيَامِكُمْ، وأَمَّا الآخَرُ فَيَوْمٌ تَأْكُلُونَ مِن نُسُكِكُمْ. أَبِو عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ تابعي، واسْم أبي عبيد هذا: سعد بن عبيد، مولى عبدالرحمن بن أزهر بن عوف، ابن أخي عبدالرحمن بن عوف. قال الواقدي: يُنسب ولاؤه إلى عبدالرحمن بن أزهر، وأحياناً ينسب إلى عبدالرحمن بن عوف. وقال الزُّبير بن بكّار: هو مولى عبدالرحمن بن عوف. مات سنةَ ثمانٍ وتِسعينَ.

النهى عَنْ صِيامِ يَومِ عيدِ الفِطرِ وعيدِ الأضحى

       في هذا الحَديثِ: يُخبِرُ التابعيُّ أبو عُبيدٍ سَعدُ بنُ عُبَيدٍ، أنَّه شَهِدَ صَلاةَ العيدِ يَومَ الأضحى، وهو يومُ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، مَع عُمرَ بنِ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - في عَهدِه وخلافَتِه، فصَلَّى قبْلَ الخُطبَةِ، ثُمَّ خطَبَ النَّاسَ يَقتدي بِالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فذكر في خُطبَتِه هذه: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ نهى عَنْ صِيامِ يَومِ عيدِ الفِطرِ، وعيدِ الأضحى، فأمَّا عيدُ الفِطرِ، فيَومُ الفِطرِ من صيامِ شَهرِ رَمَضانَ، وأمَّا يومُ عِيدِ الأضحى، فيَومُ الأكْلِ مِن الأضاحيِّ. وهذا كما أنّ المسلم تعبّده الله -تبارك وتعالى- بصيامِ شهر رَمضان، بالإمْساك عن الطّعام والشّراب، فهو جل وعلا يتعبّده بإظْهار الأكل والشُّرْب والفَرح، فلذلك هو يُطيع الله -تعالى- ويُظهر الامتثال في الإمْساك، ويُظْهر الامْتثال في الأكل والطّعام يوم العيد. وأيضاً: يَظهر قَرْنُ هذه الأشياء المُباحة، وهي الطّعام والشراب والزينة بذكر الله -تبارك وتعالى-، فتَجد أنّه في يوم الأضْحى يأكلُ الناس مِنَ الأضَاحي والهدايا، وفي أيام التّشريق، ويُقرنُ هذا كلّه بشُكر الله -تعالى- وذِكْره، ولذلك قال النّبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيامُ التّشْريق، أيامُ أكْلٍ وشُرْب، وذِكْرٍ لله -تبارك وتعالى-». فلذلك حَرُم صَوم يومِ الفِطر، وصوم يوم الأضحى، وكذلك حَرُمَ صيام أيام التَّشْريق الثلاثة، كما سيأتي.  

منْ صَامَ يوم العيد فعليه التّوبة والاستغفار

        وعلى هذا: فالصّومُ في عيد الفِطر والأضْحى وأيامِ التَّشْريق لا يَنْعَقد ولا يَصحّ، والصّوم باطل، ومَنْ صَامَ فعليه التّوبة والاستغفار؛ لأنّ هذا مَعصية، وتعمّقٌ وتنطعٌ وتكلّف في دِين الله -تبارك وتعالى-، لأنّ النّهيَ في هذا الحديث، وحديث أبي سعيد، هو للتّحْريم بإجْماعِ أهل العلم، كما ذَكر ذلك ابن قدامة -رحمه الله تعالى- وغيرُه، فلا يصحّ الصّيامُ فيها، سواءً كان قضاءً أم نفلاً، أم نَذْراً، كلُّ هذا مُحرّم، ولا يصحّ كما ذكر أهلُ العلم -رحمهم الله تعالى.

الحِكْمة مِنْ النّهي

       والحِكْمة مِنْ النّهي: هو أنْ تتميّز العِبادة عن غيرها، فيتميّز رمضان عن غيره، فرمَضان: نَهى النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن تقدّمه بصومِ يومٍ أو يومين، ونهى - صلى الله عليه وسلم - عن صيامِ يوم الفِطر، ليتميز الصيام في بدايته وفي نهايته، فهو شهر واحد، فلا يُزاد في العبادة ولا يُنقص منها شيئاً.

الفرح بعطاء الله ونعمته

       ومِنَ الحِكم: أنّ الفِطْر في يومي الفِطْر والأضحى، الفرح بعطاء الله ونعمته، فالفطر فيه الأكل والشرب بعد الصيام، والأضحى فيه الأكل من الهدايا والضّحايا، فالناس في هذين اليومين أضياف على الكريم الجواد، الملك الرزاق، القوي المتين -سبحانه وتعالى-، فهم أضياف الله -تبارك وتعالى-، فليقبلوا ضيافته، وليفطروا في هذين اليومين. والمَشْروع للمُسْلم في عيد الفِطر والسنَّة له: أنْ يأكل تَمراتٍ وِتْراً قبل خُروجه إلى المُصلّى يوم الفِطر، وذلك تأكيداً للإفْطار في هذا اليوم. وأمّا في الأضْحى: فالسُنَّة ألا يطعمَ شيئاً حتّى يرجع ويذبح أضْحيته ويأكل منْها، اتباعاً لسنَّة النّبي - صلى الله عليه وسلم .

العبادات توقيفية

        وفيه: أنّ العبادات توقيفية، فلا يصحّ أنْ نتقرّب إلى الله -تعالى- إلا بما ورد في الشّرع، فمدارُ قبول العَمل: على الإخْلاص لله -تبارك وتعالى-، ثمّ المُتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك قال أهلُ العلم: ليس كلُّ عملٍ مشروعٍ، تُشْرع آحاده. وروى عبدالرزاق عن ابن المُسيّب: أنّه رأى رجُلاً يُكرّرُ الركوع بعد طلوع الفجر؟ فنَهاه عن ذلك، فقال يا أبا محمد: أيُعذّبني اللهُ على الصّلاة؟! قال: لا، ولكن يُعذّبك على خِلاف السُّنَّة.

باب: كرَاهيةُ صِيام أيامِ التّشْريق

        عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». وفِي رواية: «وَذِكْرٍ لِلَّهِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/800) باب: تحريمُ صَوم أيّام التشريق. ونبيشة بن عبدالله الهُذلي، صحابي قليل الحديث. قوله: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» أيام التَّشريق الثلاثة، وتُسمّى أيام النَّحر، وهي: الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويُقال لها: أيام التّشريق، ويقال لها: أيام النّحر، فهذه لا تُصام لأنّها أيامُ عيدٍ، ولأنّها ملحقة بعيد الأضْحى، فهذه خمسة أيام في السّنة، لا يجوزُ للمسلم أنْ يَصُومها، الفطر والأضْحى، وأيام التّشريق الثلاثة، فيجبُ على المُسلم الإفطار فيهما، وإعلان الأكلِ والشّرب فيها، وإشاعة الفرحة والسرور. فلا يجوز صيام أيام التشريق، وقال بعضُ أهل العلم بكراهتها، والصّحيح: المَنع، فلا تُصام ولو كانت الأيّام البيض، أو الاثنين أو الخميس. إلا مَنْ عجز عنْ هدْي التّمتّع والقِرَان، فله أنْ يصومَ أيّام التَّشْريق بصفةٍ خاصة مستثناة، لما روت عائشة وابن عمر -رضي الله تعالى عنْهما- قالا: «لمْ يُرخَصّ في أيامِ التَّشْريق أنْ يَصُمنَ، إلا لمَنْ لمْ يَجدِ الهَدْي». رواه البخاري.  

فوائد الحديث

  • عيد الفطر وعيد النّحر هما العيدان الإسْلاميان المُباركان العظيمان، جَعَلهما الله -تبارك وتعالى- للفَرَح وللبَهْجَة وللسُّرور وللحُبور، وللذكر وإظْهار الشُّكر لله -تبارك وتعالى-، والمُسْلمون يُظهرون الزّينة، وكمال دين الإسْلام، ويَتمتعون بالأكلِ والطّعام والشّراب، مع ذِكْر الله -تبارك وتعالى.
  • وفيه: أنَّ خُطبةَ العيدِ تكونُ بعْدَ الصَّلاةِ.
  • وأنّ الخطيب ينبغي له أنْ يَعْتني بخُطْبة عيد الفطر وعيد الأضْحى، وأنْ يذكر فيهما ما يُنَاسبُ الحال والزّمان، مِنَ الأحْكام والمناسبات، فيُبيّن للناس أحكام عيد الفطر، والقَضَاء، والستّ مِنْ شوال، ويبين لهم في الأضحى أحكام الأضاحي، ويُبيّن لهم المأمورات والمنهيات في هذا الباب، فإمَام العيد: يُعلّم الناس ما يتعلق بالعيد مِنْ أحكام الشّرع ممّا أمَرَ اللهُ -عزّ وجل- به، وممّا نهى عنه.
  • وفيه: أنّ الصَّحابَة الكِرام أخذوا كلَّ ما يُصلِحُ شُؤونَ دِينِهم ودُنْياهم عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَهو القُدوةُ والأُسْوةُ لهم، وكلامُهُ وفِعْلُهُ هو المَرْجِعُ عندهم.
  • وفيه: النهيُ عن صيامِ يَومِ الفِطرِ ويومِ الأَضحى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك