رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 يونيو، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم – باب: إذا أقْبَلَ ا

 

عَنْ عبداللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى - رضي الله عنه - قَال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي سَفَرٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْسُ، قَال: يَا فُلَانُ، انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَال: يا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَاراً، قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قَال: فَنَزَلَ فَجَدَحَ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَرِبَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ: «إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ هَا هُنَا، وَجَاءَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/772) باب: بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار.

        قوله: «كنا مع النّبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فِي شَهْرِ رَمَضَانَ» قال الحافظ: هذا السّفر يُشْبه أنْ يكون سَفر غزوة الفتح، وقد تقدم أنّ سفرَه في رمضان مُنْحَصر في غَزْوة بدر، وغزوة الفتح، فإنْ ثبتَ فلمْ يشهدْ ابنُ أبي أوفى بدراً، فتعيّنت غزوة الفتح، وقوله: «فلمّا غابتْ الشمس» وفي رواية: «فلمّا غربت الشّمس» وهي تفيد معنى أزيد من معنى «غابت».

قوله: قال لبعضِ القوم: «يا فلان»

        وفي رواية أحمد: «فدَعَا صاحبَ شَرَابه بشَرابٍ، فقال: لو أمْسَيت»، وقوله: «فاجْدح» بالجيم ثمّ الحاء المهملة، والجَدْح: تحريك السُّويق ونحوه بالماء، بعُودٍ يقال له: المجدح، مُجنّح الرّأس، وزعم الداودي أن معنى قوله: «اجدح لي» أي: احلب، وغلّطوه في ذلك، فالجَدْح هو أنْ يَخلِطَ الشَّعيرَ المَدقوقَ، أو الدَّقيقَ باللَّبَنِ أو الماءِ، وذلك لِيُفْطِروا عليه.

قوله: «إنّ عليك نَهاراً»

       يَحتمل أنّه كان يرى كثْرة الضوء مِنْ شدّة الصّحو، فيَظن أنّ الشّمس لمْ تَغْرب، ويقول: لعلّها غطاها شيء منْ جَبل ونحوه، أو كان هناك غيمٌ فلمْ يتحقّق غروب الشّمس، وأمّا قول الراوي: «وغابت الشّمس» فإخبارٌ منه بما يراه ظاهراً، وإلا فلو تحقّق الصحابي أنّ الشّمس غربت ما توقّف؛ لأنّه حينئذ يكون مُعانداً، وإنّما توقّف احتياطاً واسْتكشافاً عن حُكم المسألة. فظَنَّ الرجلُ أنَّ وَقْتَ الإفطارِ لم يَجِئْ بعدُ، فقال للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: يا رسولَ اللهِ، لو أخَّرْتَ الإفطارَ قَليلًا؛ للتَّأكُّدِ مِن دُخولِ وقْتِ الغُروبِ. قال الزّين بن المنير: يُؤْخذ من هذا جواز الاسْتفسار عن الظّواهر، لاحْتمال ألا يكونَ المُراد إمْرارها على ظاهرها. وكأنّه أخذ ذلك منْ تقريره - صلى الله عليه وسلم - الصّحابي على تَرْك المُبادرة إلى الامْتثال. وبهذا يكونُ مِنَ السنّة: تَعجيلُ الفِطرِ عندَ تَحقُّقِ غُروبِ الشَّمسِ مُباشرةً؛ لئلَّا يُزادَ في النَّهارِ مِن اللَّيلِ، ولأنَّه أرفَقُ بالصَّائمِ، وأقوى في شُكرِ النِّعمةِ.

       وقد اختلفت الروايات: فأكثر ما وقع فيها أنّ المُراجعة «إنّ عليك نهاراً» وقع ثلاثاً، وفي بعضها مرّتين، وفي بعضها مرّة واحدة، وهو مَحمول على أنّ بعض الرواة اخْتصر القصة، وقد جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يُراجع بعد ثلاث، وهو عند أحمد.

وحِكمة التِّكرار: أنّ مِنَ المَعلومِ أنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ في اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والشَّرَّ كُلَّ الشرِّ يَأتي مِن الابتداعِ في الدِّينِ والزيادة فيه ما ليس منه، ولَمَّا كان الصِّيامُ مِن أجلِّ العِباداتِ وأعظَمِ القُرُباتِ، كان لِزاماً على المُسلِمِ أنْ يَلتزِمَ هَدْيَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، والَّذي حثَّ فيه على تَعجيلِ الفِطرِ.

باب: في تَعْجيل الفِطْر

        عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ؛ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»، وعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ قال: دَخَلْتُ أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْها-، فقالَ لَها مَسْرُوقٌ: رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كِلَاهُمَا لَا يَأْلُو عَنْ الْخَيْرِ، أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالْإِفْطَارَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ والْإِفْطَارَ؟ فَقَالَتْ: مَنْ يُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ وَالْإِفْطَارَ؟ قَال: عبداللَّهِ، فَقَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ. الحديث رواه مسلم في الصيام (2/771) باب: فضل السّحور وتأكيد اسْتحبابه، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر.

قوله: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ، مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ»

        قال النووي: «فيه الحثُّ على تَعجيله بعد تحقّق غروب الشّمس، ومعناه: لا يَزال أمْر الأمة مُنْتظماً وهم بخير، ما داموا مُحافظين على هذه السُنَّة، وإذا أخّروه كان ذلك علامة على فسادٍ يقعون فيه». «شرح صحيح مسلم» (7 /208)، فعلّق النّبي - صلى الله عليه وسلم - خيريّة الأمة بتَعجيل الفِطر؛ لأنّها علامة على أنّهم مُلتزمون بسُّنَّة النّبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أنّهم رُحَماء بأنفسِهم وأهْليهم، فلا يُرهقون أبْدانهم بما لا فائدة منه، ويتحقق ذلك التعجُّل: بالتَّمر والماء، بمجرَّد دُخول وقت المَغرب، وهو أولُ الليل.

الخير في اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم 

       وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تزالُ أُمتي على سُنّتي، ما لمْ تَنْتظر بفِطرِها النجوم»، رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فمِنَ المَعلومِ أنَّ الخَيرَ كُلَّ الخَيرِ في اتِّباعِ هَدْيِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنّ الشَّرَّ كلَّ الشرِّ يَأتي مِن الابتداعِ في الدِّينِ، ولَمَّا كان الصِّيامُ مِن أجلِّ العِباداتِ، وأعظَمِ القُرُباتِ، كان لِزاماً على المُسلِمِ أنْ يَلتزِمَ هَدْيَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيه، والَّذي حَثَّ فيه على تَعجيلِ الفِطرِ.

إحياءُ سُنَّةٍ مِنْ سُنن النّبي - صلى الله عليه وسلم

        فتعجيل الفطر: فيه إحياءُ سُنَّةٍ مِنْ سُنن النّبي - صلى الله عليه وسلم -، بل ولسُنَن الأنبياء جميعاً، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: عن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ الإِفْطَارَ، وأَنْ نُؤَخِّرَ السَّحُورَ، وأَنْ نَضْرِبَ بِأَيْمَانِنَا عَلَى شمائِلِنا في الصَّلاة». رواه الطبراني في المُعجم الكبير، والضياء المقدسي في المختارة.

الفوزُ بمحبّة الله -تعالى

        وفيه الفوزُ بمحبّة الله -تعالى-: لأنّ المُعجِّل بالفطور مَحبوبٌ عند الله عزّوجل، فقد روى أَبِو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجلَّ: أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا». رواه الإمام أحمد والترمذي.

       ولعلّ سببَ محبّته -تعالى- إيّاه، طاعته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنّه إذا أفطر قبل الصلاة يؤدِّيها عن حُضور قلبٍ، وطُمأنينة نفسٍ، ومَنْ كان بهذه الصفة، فهو أحبُّ إلى الله -تعالى- ممّن لمْ يكنْ كذلك؛ انظر «شرح مصابيح السنة» للبغوي (2 /517). وفيه ترك التشبُّه بأهل الكتاب، فإنهم يؤخِّرون الفطر؛ كما جاء ذلك في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ، إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ». رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان.

الحديث الثاني

        أما الحديث الثاني، ففي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ أبو عَطِيَّةَ الوادِعيُّ أنَّه دخَلَ هو ومَسرُوقُ بنُ الأجدَعِ بنِ مالكٍ على أُمِّ المؤمِنينَ عَائِشةَ -رَضيَ اللهُ عنها-، وكان لا يدخُلُ أحدٌ عليها إلَّا بعدَ اسْتِئذانٍ، فسأَلَها مَسرُوقٌ عن رَجُلَينِ مِن أصْحابِ النَّبيِّ -[-، «كِلاهُما لا يَألُو عنِ الخيرِ» والمَعنى: لا يُقصِّر أيُّ أحدٍ منْهما عن طلَبِ الخيرِ، واتِّباعِ الهُدَى. وكانَ الأوَّلُ إذا كان صائماً يُعجِّلُ صَلاتَه للمغرِبِ، ويُعجِّلُ بإفْطارِه، فيُفطِرُ عندَ تحقُّقِ الغُروبِ، والآخَرُ إذا كان صائمًا يُؤخِّرُ المغربَ والإِفطارَ، والمرادُ بالتَّأخيرِ عدمُ المبالَغةِ في التَّعْجيلِ.

       فسأَلَتْ: مَن يُعجِّلُ الإفْطارَ وصلاةَ المغربِ؟ وسأَلَتْ عنه دُونَ الثَّاني؛ لأنَّه أتَى بما يُثْنى عليه به، فأَحَبَّتْ مَعرِفَتَه؛ لِتُثْنِيَ عليه بذلك، فأخْبَراها أنَّه عبداللهِ بنُ مَسعُودٍ، فقالتْ: «هكذا كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَصنَعُ»، أي: كان يُعجِّلُ المغربَ والإفْطارَ، كفِعلِ عبداللهِ بنِ مَسعودٍ - رضي الله عنه .

       وقد ذُكِرَ أنَّ الآخَرَ الَّذي يؤخِّرُ الإفْطارَ، ويؤخِّرُ الصَّلاةَ، هو أبو موسى الأشْعَريُّ - رضي الله عنه -، فيُحمَلُ عَملُ ابنِ مَسعودٍ على السُّنَّةِ، وعَملُ أبي موسى على بيانِ الجَوازِ فقط.

 

فوائد الحديث

 

- بيان وقت الصّوم، وأنّ الغُروب متى تحقّق، فقد انْتهى وقتُ الصّوم.

- وفيه: استحبابُ تعجيل الفِطر، وأنّه لا يجبُ إمْسْاك جزءٍ من الليل مُطلقاً، بل متى تحقّق غروب الشّمس حلّ الفطر.

- وفيه: تذكير العالِم بما يُخْشى أنْ يكون قد نسيه، وترك المُراجعة له بعد ثلاث.

- وفيه: جَوازُ الصَّومِ في السَّفرِ، وتَفضيلُه على الفِطرِ لمَن لا تَلحَقُه بالصَّومِ مَشقَّةٌ ظاهرةٌ.

- وفيه: بَيانُ أنَّ الأمرَ الشَّرعيَّ أبلَغُ مِن الحِسِّيِّ، وأنَّ العقلَ لا يَقْضي على الشَّرعِ.

فوائد من الحديثين

- بَركةُ اتِّباعِ السُّنَّةِ، وأنّ بَقاءُ الخيرِ في النَّاسِ هو بسَببِ اتِّباعِهم للسُّنةِ، وأنَّ فَسادَ الأمورِ يَتعلَّقُ بتَغيُّرِ السُّنةِ، وأنَّ مُخالفةَ السُّنَّةِ في ذلِك علامة على فَسادِ الأُمورِ.

- لا يَزالُ المسلِمون على خَيرٍ وحقٍّ، وهدًى مِن اللهِ، ما داموا مُتمسِّكينَ بسُنَّةِ نَبيِّهم، واقفينَ عندَ حُدودِه، غيرَ مُبدِّلينَ ولا مُغيِّرين؛ ما عَجَّلوا بالإفطارِ مِنْ صَومِهم عندَ غُروبِ شَمسِ يَومِهم مُباشَرةً.

- وإنَّما كان تَعجيلُ الفِطرِ خَيراً؛ لأنَّه أحفَظُ للقوَّةِ، وأرفَعُ للمَشقَّةِ، وأوفَقُ للسُّنةِ، وأبعَدُ عن الغُلوِّ والبِدعةِ، وليَظهَرَ الفرْقُ بيْن الزَّمانينِ في حكْمِ الشَّرعِ.

- تعجيلُ النَّاسُ الفطرَ، فيه مُخالفةٌ لأهل الكتاب؛ لأنَّ اليهودَ والنَّصارَى يُؤخِّرونَ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك