رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي 23 أكتوبر، 2023 0 تعليق

شرح كتاب الصيام من مختصر مسلم  – باب: إتْباعُ رَمَضَانَ بِصِيامِ سِتّةِ أيّامٍ مِنْ شَوّال

  • حث النبي  صلى الله عليه وسلم  المُسلمينَ على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ وبيَّن أنَّ مَن صامها مُتوالياتٍ أو مُتفرِّقاتٍ كانَ لَه مِن الأَجرِ مِثلُ ما يُعادِلُ صِيامَ العامِ كلِّه
  • صيام هذه الست بعد رمضان دليلٌ على شكر الصّائم لربّه تعالى على توفيقه لصيام رمضان وزيادة في الخَير
  • صيامُ الأيام السّتة ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال بل يصومها المُسلم في أي يومٍ منْ أيام الشّهر وله كذلك أنْ يَصُومها متتابعة أو مُتفرّقة ولكن الأفضل أنْ يُبادِر إلى صيامها عَقِبَ عيد الفطر
 

عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ». الحديث رواه مسلم في الصيام (2/822) باب: استحباب صوم ستة أيامٍ من شوال، اتباعاً لرمضان. صحابي الحديث أبي أيوب هو خالد بن زيد بن كليب الأنصاري، من الأنصار من بني غنم بن مالك بن النجار من الخزرج، شهد بيعة العقبة والمشاهد كلها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الذي خصَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنزول في بيته عندما قدم إلى يثرب مهاجراً، وأقام عنده حتى بنى حُجَره ومسجده وانتقل إليها، توفي سنة 52 هـ.

حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ

      قوله: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - المُسلمينَ على صِيامِ ستَّةِ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ بعْدَ رَمضانَ، وبيَّن أنَّ مَن صامَ شَهرَ رَمضانَ، ثُمَّ صامَ بعْدَه ستَّةَ أيَّامٍ مِن شوَّالٍ مُتوالياتٍ أو مُتفرِّقاتٍ؛ لأنَّ الإتْباعَ يَصدُقُ على التَّوالي وعَلى التَّفرُّقِ، فمَن فَعَل ذلكَ، كانَ لَه مِن الأَجرِ مِثلُ ما يُعادِلُ صِيامَ العامِ كلِّه، وهذا مِن عَظيمِ فَضلِ اللهِ عَلى عِبادِه المُسلمينَ بمُضاعفةِ الأَجرِ لَهم. ويُؤخذ هذا من قولُه -تعالى-: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (الأنعام: 160)، فشَهرُ رَمضانَ بمَنزلةِ عَشرةِ أَشهُرٍ، وصِيامُ ستَّةِ أيَّامٍ بعْدَ الفِطرِ تَمامُ السَّنةِ، فالعبد يستكمل بصيامها أجر صيام الدهر كله، وفي رواية أبي الشيخ: «جَعَلَ اللهُ الحَسَنةَ بعَشْر أمْثَالها: الشّهرُ بِعَشْرة أشْهر، وصيام ستة أيام بعد الشهر تمام السنة».

فضل الله -تعالى- على عباده

      ومن فضل الله -تعالى- على عباده: تَتابعُ مواسم الخَيْرات، ومُضاعفة الحَسَنات، فالمؤمن يتقلّب في ساعاتِ عُمُره بين أنواع العبادات والقُربات، فلا يمضي ساعة من عمره؛ إلا ولله فيها وظيفةٌ مِنْ وظائف الطّاعات، وما إنْ يَفْرغ مِنْ عبادةٍ إلا ويشرع في عبادةٍ أخرى، فبعد انتهاء رمضان تأتي فضيلة صيام ستة أيام منْ شوال، ومَنْ صام رمضان ثمّ أتبعه ستًّا منْ شوال، كان كصيام الدهر. وصيام هذه الست بعد رمضان دليلٌ على شكر الصّائم لربّه -تعالى- على توفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخَير، كما أنّ صيامَها دليلٌ على حُبّ الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريق الصّالحات والقربات.

صيام شوال وشعبان كصلاة السُّنَن الرّواتب

     وذكر الحافظ ابن رجب -رحمه الله في شرح هذا الحديث ما حاصله-: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السُّنَن الرّواتب قبل الصلاة المَفْروضة وبعدها، فيكمّل بذلك ما حَصَل في الفَرْض منْ خَلَلٍ ونَقْص، فإنّ الفرائض تُكمّل بالنّوافل يوم القيامة، وأكثر الناس في صيامه للفَرْض نَقْصٌ وخَلل، فيَحتاجُ إلى ما يَجْبره من الأعمال.

علامة على قَبَول صوم رمضان

      وقال أيضا: إنّ معاودة الصيام بعد صيام رمضان، علامة على قَبَول صوم رمضان، فإن الله -تعالى- إذا تقبّل عملَ عبد، وفّقه لعملٍ صَالحٍ بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحَسَنة الحَسَنة بعدها، فمَن عَمل حَسنة ثمّ أتبعها بحسنةٍ بعدها، كان ذلك علامة على قَبول الحَسنة الأولى، كما أنّ مَنْ عَمِل حَسَنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة ردّ الحسنة وعدم قبولها.

ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال

       وصيامُ الأيام السّتة ليس له وقتٌ محدّد مِنْ شوال، بل يصومها المُسلم في أي يومٍ منْ أيام الشّهر، في أوله، أو في أثنائه أو في آخره، وله كذلك أنْ يَصُومها متتابعة أو مُتفرّقة، ولكن الأفضل أنْ يُبادِر إلى صيامها عَقِبَ عيد الفطر، وأن تكونَ مُتتابعة -كما ذكر أهلُ العلم-، لأنّ ذلك أبلغ في تحقيق «الإتباع» الذي جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثمّ أتْبَعه ستاً..»، كما أنّه مِنَ المُسابقة إلى الخيرات، والمسارعة في الطاعات، الذي جاءت النصوص بالتّرغيب فيه، والثّناء على فاعله. وهو أيضاً مِنَ الحَزَم الذي هو مِنْ كمالِ العبد، فإن الفُرَص لا ينبغي أنْ تُفوّت، والمرء لا يدري ما يَعْرض له منْ شواغل وقواطع، تَحُول بينه وبين العمل، فإنْ أخّرها أو فرَّقها على الشهر، حصلت له الفضيلة أيضاً.

الكلام على صحة الحديث

       الحديث رواه الإمام مسلم في «الصحيح»: عن سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْحَارِثِ الْخَزْرَجِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فهو مِنْ طريق سَعْد بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْس، وقد ضعّفه بعضُ أهلِ العلم، لضَعف حفظه. قال الترمذي -رحمه الله تعالى-: «وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ». «سنن الترمذي» (3 / 123). ومن هؤلاء الإمام أحمد، حيث قال -رحمه الله تعالى-: «سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الأنصاري ضعيف الحديث، وعبد ربه بن سعيد هو أخو يحيى بن سعيد جميعاً ثقتان». «العلل ومعرفة الرجال» (1 / 513). ورأى ابنُ حبان أنّ ضَعفه ووهمه ليس بالفَاحش، حيثُ قال -رحمه الله تعالى-: «وكان يخطىء لم يفحش خطأه، فلذلك سلكناه مسلك العدول». «الثقات» (6 / 379). ونحوه قول ابن عدي، حيث قال -رحمه الله تعالى-: «ولسعد بن سعيد أحاديث صالحة تقرب من الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأسا بمقدار ما يرويه». «الكامل» (4 / 389). وأما آخرون، فقبلوا حديثه، فقد وثّقه ابن سعد، فقال -رحمه الله تعالى-: «وكان ثقة قليل الحديث دون أخيه». «الطبقات الكبرى»، وقد اعتمده مسلم كما نرى في هذا الحديث، وقد ساق له البخاري حديثاً مُسْتشهداً به (1482). وقال الذهبي -رحمه الله تعالى-: «سعد بن سعيد الأنصاري أخو يحيى، حسنُ الحديث تابعي، ضعّفه أحمد وابن معين». «المغني» (1 / 254)، ومثل هذا الراوي غايته أنه صَدوق لكن يهم، كما قاله الحافظ ابن حجر في «تقريب التهذيب»، ومنْ كان هذا حالُه؛ لا يهدر حديثه كله، بل يُقبل من حديثه ما تبيّن منه أنّه لمْ يهم ولم يخطئ فيه. والإمام مسلم مِنْ أئمّة علم الحديث؛ فإخراجه لحديث سعد في «الصّحيح» دليلٌ على أنه ترجّح لديه صحة هذه الرواية. وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى-: «سلّمنا ضعفه، لكنْ مسلم إنّما احتجّ بحديثه؛ لأنه ظَهرَ له أنه لمْ يُخْطىء فيه، بقَرائنَ ومتابعات، ولشواهد دلته على ذلك، وإنْ كان قد عرف خطؤه في غيره، فكون الرجُل يُخطىء في شيءٍ؛ لا يَمْنع الاحتجاج به، فيما ظهر أنّه لم يخطىء فيه. وهكذا حُكْم كثيرٍ من الأحاديث التي خرّجَاها، وفي إسنادها مَنْ تُكلّم فيه من جهة حفظه». «تهذيب السنن» (3 / 1216).

قرائن تدل على حفظ سعد له

وهذا الحديث قد احتفت به قرائن تدل على حفظ سعد له، وعدم وهمه فيه، فقد أخذه عنه عددٌ من الحفّاظ وقبلوه منه، ورووه عنه. قال ابن عدي -رحمه الله تعالى-: «حديث سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب: «من صام رمضان...» فهو مشهور، ومدار هذا الحديث عليه، قد حدّث به عنه: يحيى بن سعيد أخوه، وشعبة والثوري، وابن عيينة وغيرهم من ثقات الناس. «الكامل» (4 / 388). وقال الدارقطني -رحمه الله تعالى-: «يرويه جماعة من الثّقات الحفّاظ، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيّوب. منهم: ابن جريج، والثّوريّ، وعمرو بن الحارث، وابن المبارك، وإسماعيل بن جعفر، وغيرهم». «العلل» (6 / 107). كما قد قوّاه أهل العلم أيضاً، بمتابعات وشواهد، يُنْظر تفصيلها بمظانّها.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك