رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 5 نوفمبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (19) باب فضل الذكر عند دخول الصلاة

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

271 - عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً جاء فدخل الصف، وقد حَفَزه النَّفس، فقال: «الحمدُ لله، حَمداً كثيراً طَيباً مُباركا فيه»، فلما قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاته ، قال: «أيُّكم المتكلّم بالكلماتِ؟» فأرَمَّ القوم، فقال: «أيكم المتكلّم بها؟» فإنه لم يقلْ بأسا فقال رجلٌ: «جئتُ وقدْ حَفَزني النفس فقلتها»، فقال: «لقد رأيتُ اثنَي عشرَ مَلَكاً يَبْتدرونها، أيهم يَرفعها».

 الشرح :

قال المنذري: باب فضل الذكر عند دخول الصلاة .

     والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 419 – 420)، وبوب عليه النووي (5/ 96 ): باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة.

- أي: هو من أذكار الاستفتاح في الصلاة، وهو مستحب عند الجمهور، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم من أكثر من طريق وأكثر من صيغة للاستفتاح.

- فروى الشيخان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيّة  قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: «أقول: اللهم باعدْ بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقّني من خطاياي كما يُنقى الثوبُ الأبيض من الدّنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد».

- وحديث عمر رضي الله عنه: «سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جَدُك، ولا إله غيرك».

وغيرها من الاستفتاحات.

- قوله: «وقد حفزه النفس» بفتح حروفه وتخفيفها، أي: ضغطه لسرعته في سعيه للصلاة.

- قوله: «أيُّكم المتكلّم بالكلماتِ؟ «أي: التي سمعها منه النبي صلى الله عليه وسلم أثناء دخوله للصلاة.

- قوله: «فأرمّ القوم» أرم بفتح وتشديد الميم ، أي : سكتوا ولم يُجيبوا.

- قال عياض: ورواه بعضهم في غير صحيح مسلم: بالزاي وتخفيف الميم، من الأزم، وهو الإمساك، وهو صحيح المعنى.

- قوله: «فإنه لم يقلْ بأسا» طمأنه بذلك ليتكلم؛ لأنه لم يُجب خوفا أو حياء منه صلى الله عليه وسلم، ظنّا منه أنه قد أخطأ بما قال.

- قوله: «فقال رجلٌ: جئتُ وقدْ حَفَزني النفس فقلتها» لم ُيذكر في الحديث اسمه.

- قوله: «لقد رأيتُ اثنَي عشرَ مَلَكاً يَبْتدرونها ، أيهم يَرفعها» أي: لفضل هذه الكلمات وشرفها وبركتها عند الله تعالى.

وفيه دليل على أنَّ بعض الطاعات قد يَكتبها غيرُ الحفظة أيضا، قاله النووي.

 باب رفعُ اليدين في الصلاة

 272 – عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان رسولُ اللهصلى الله عليه وسلم إذا قامَ للصلاة، رفعَ يديه حتى تًَكونا حَذْوَ مَنْكبيه، ثم كبّر، فإذا أرادَ أنْ يَركع فعلَ مثل ذلك، ولا يَفعله حين يَرفع رأسه منْ السجود».

 الشرح:

-  قال المنذري: باب رفع اليدين في الصلاة.

     والحديث أخرجه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي (4/ 93): باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، والركوع، وفي الرفع من الركوع، وأنه لا يفعله إلا إذا رفع من السجود.

والحديث في أفعال الصلاة، وهو رفع اليدين في هذه المواضع، وإثبات تكبيرة الإحرام.

 قال النووي: أجمعت الأمة على استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، واختلفوا فيما سواها.

فقال أحمد والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم يستحب رفعهما أيضا عند الركوع وعند الرفع منه، وهو رواية عن مالك.

     قال: وللشافعي قول أنه يستحب رفعهما في موضع رابع، وهو: إذا قام من التشهد الأول، وهذا القول هو الصواب، فقد صحّ فيه حديث  ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه كان يفعله، رواه البخاري (وهو حديثنا هذا) .

قال: وصح أيضا من حديث أبي حُميد الساعدي، رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة.

     وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة: لا يستحب الرفع في غير تكبيرة الإحرام؟ وهو أشهر الروايات عن مالك؟!

قلت: والحديث حجةٌ عليهم.

     قوله: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلمإذا قام للصلاة رفعَ يديه حتى تكونا حَذْوَ مَنْكبيه»، وفي الرواية الأخرى «حتى يحاذي بهما أذنيه»، وفي ثالثة «فروع أذنيه».

     فصفة الرفع لليدين: إما أن يرفع يديه حذو منكبيه، أي: تحاذي أطراف أصابعه فروع أذنيه، أي: أعلى أُذنيه، وإبهاماه شحمتي أذنيه.

وأما وقت الرفع، فقال النووي: ففي الرواية الأولى «رفع يديه ثم كبر».

وفي الثانية « كبر ثم رفع»، وفي الثالثة «إذا كبر رفع يديه» أي: مع التكبير.
وأن يكون باطن كفيه للقبلة عند الرفع، ممدودة الأصابع، مفرقة الأصابع تفريقا وسطا.

وإذا فرغ من التكبير حطّ يديه ولم يستدم الرفع ، ووضعهما على صدره.

     وقوله: «إذا قام للصلاة، رفعَ يديه حتى تكونا حَذْوَ مَنْكبيه، ثم كبّر» فيه إثبات تكبيرة الإحرام، وهي ركنٌ من أركان الصلاة لا تصح الصلاة بدونها، عند كافة العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مفتاحُ الصلاة الطهور، وتحريمها التّكبير، وتحليلها التسليم» رواه أحمد وأبوداود والترمذي وابن ماجة .

وقال: «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» متفق عليه، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.

ولفظة التكبير هي قول: الله أكبر، وهو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه كان يقوله.

     والتكبير تنزيه لله تعالى وتعظيم، وأجاز أبو حنيفة كل قول فيه تعظيم الله تعالى؟! كقوله: الرحمن أكبر، أو الله أجل، أو أعظم! وخالفه جمهور العلماء من السلف والخلف فقالوا: لا يجزيء إلا: الله أكبر، أما الحكمة من رفع اليدين، ففيه أقوال.

    وقال النووي جامعا ذلك: واختلفت عبارات العلماء في الحكمة في رفع اليدين، فقال الشافعي رضي الله عنه: فعلته إعظاما لله تعالى واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال غيره: هو استكانة واستسلام وانقياد، وكان الأسير إذا غلب مد يديه علامة للاستسلام، وقيل: هو إشارة إلى استعظام ما دخل فيه، وقيل: إشارة إلى طرح أمور الدنيا، والإقبال بكليته على الصلاة، ومناجاة ربه سبحانه وتعالى، كما تضمن ذلك قوله: «الله أكبر» فيطابق فعله قوله.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك