رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 14 أكتوبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (17) باب: خروج الإمام بعد الإقامة للغسل

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

266-  عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، أنه سمع أبا هريرة يقول: أُقيمتْ الصلاة، فقُمنا فعدّلنا الصُّفوف، قبل أنْ يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا قام في مُصلاّه قبل أنْ يُكبر، ذَكَر فانصرف، وقال لنا: «مكانكم» فلم نَزل قياماً ننتظرُه حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل، ينَطِف رأسُه ماءً، فكبّر فصلى بنا».

الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب خروج الإمام بعد الإقامة للغسل. والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 422) وبوب عليه النووي: باب متى يقوم الناس للصلاة.

     قوله «أُقيمت الصلاة، فقمنا فعدّلنا الصُّفوف، قبل أنْ يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيه إشارة إلى أن هذا كان من عادتهم، أنهم يصفون قبل خروجه, وقوله «فعدّلنا الصُّفوف» قال النووي: وقد أجمع العلماء على استحباب تعديل الصفوف، والتراص فيها.

وقد كثر التنبيه منه عليه الصلاة والسلام على تسوية الصفوف وتعديلها.

قوله «حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر» صريحٌ أنه لم يكن كبّر ودخل في الصلاة، ومثله في رواية البخاري: «وانتظرنا تكبيره».

قوله: «ذَكَر فانصرف» أي تذكّر أنه كان جُنبا ولم يغتسل.

     قوله: «وقال لنا: مكانكم» أي: ابقوا مكانكم، وفيه: جواز الفصل بين الإقامة والتكبيرة بزمن للحاجة، فإنهم قالوا: فلم نَزل قياماً ننتظرُه حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل. وظاهر الحديث: أنهم لم يجددوا الإقامة مرة أخرى.

وكذا قوله: «فكبّر فصلى بنا».

قال النووي: إن طال الزمان، فلا بد من إعادة الإقامة.

أي: إن طال كثيرا، والله أعلم.

قوله: «حتى خَرَج إلينا، وقد اغتسل، ينَطِف رأسُه ماءً» ينطف ماء، أي: يقطر، وهو يدل على قرب اغتساله.

كما يدل على سرعة فراغه من الاغتسال، وعدم تكلفه، وبعده عن الوسوسة والتكرار فيها.

باب: في تَسوية الصّفوف

267-  عن عمارة بن عمير التيمي، عن أبي معمر، عن أبي مسعود، قال: كان رسولًُ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ مَنَاكبنا في الصلاة، ويقول: «اسْتَوُوا، ولا تَخْتلفوا فتختلفَ قلوبُكم، ليَلني منكم أُولُو الأَحلامِ والنُّهى، ثم الذينَ يَلُونهم، ثم الذينَ يَلونهم».

قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشدُّ اختلافاً.

الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب في تسوية الصفوف.

      والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/323) وبوب عليه النووي (4 /154): باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. قوله: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَمسحُ مَنَاكبنا في الصلاة» يمسح مناكبنا، أي: يسوي مناكبنا في الصفوف ويعدلنا فيها.

     وفي الرواية الأخرى عنده: «أَقيموا الصفَّ في الصلاة؛ فإن إقامة الصف من حسن الصلاة»، وأَقيموا الصفَّ، أي: سووه وعدلوه  وتراصّوا فيه.

     وفي الرواية الأخرى: «يُسوي صفوفنا كأنما يُسوي بها القداح» والقداح هي خشب السهام، ومعناه أنه يبالغ في تسويتها، حتى تصير كأنما يقوّم بها السهام لشدة استوائها واعتدالها.

     قوله: «ولا تَخْتلفوا فتختلفَ قلوبُكم» فيه النهي عن الاختلاف، في الصلاة وغيرها، وأن اختلاف الظاهر يؤدي إلى اختلاف الباطن. وفي الرواية الأخرى عنده: «لتُسوُّنَّ صُفوفكم أو ليُخالفن بين وجوهكم» قيل معناه: يمسخها، والأظهر أن معناه: يُوقع بينكم العداوة والبغضاء، واختلاف القلوب، كما يقال: تغيّر وجه فلان عليّ، أي: ظَهَر لي من وجهه كراهة، وتغير قلبه عليّ؛ لأنّ مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم، واختلاف الظاهر سببٌ لاختلاف البواطن، قاله النووي.

    قال صديق خان: وقد صارت هذه السُّنة الصحيحة، المحكمة الصريحة، في هذا العصر، بل منذ أعصار، خالية مهجورة! كأنها شريعة منسوخة ! لا يرى لها عينٌ ولا أثر، في صلاة ولا في مسجد، ودبّ من هذا الاختلاف الظاهر، الاختلاف في بواطن المسلمين {وكان أَمرُ الله قدراً مقدورا} (الأحزاب: 38)، فإنا لله وإنا إليه راجعون. (السراج الوهاج 1/434).

     وفيه: جواز الكلام والتوجيه بين الإقامة والدخول في الصلاة، سواء كان الكلام لمصلحة الصلاة أم لغيرها.

      قوله: «ليَلني منكم» بكسر اللامين،  «أُولُو الأَحلامِ والنُّهى» الأحلام هم العقلاء أو البالغون. والنهى: جمع نُهية بضم النون، وهي العقل، وسُميّ العقل نهية؛ لأنه ينتهي إلى ما أُمر به ولا يتجاوز. وقيل: لأنه ينهى عن القبائح.

      قوله: «ثم الذينَ يَلُونهم، ثم الذينَ يَلونهم» فيه تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام لأنه أولى بالإكرام، ولأنه ربما احتاج الإمام إلى استخلاف، فيكون هو الأولى.

ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو ما لا يتفطن له غيره.

      وفي عهده صلى الله عليه وسلم أراد من أولي الأحلام أن يضبطوا صفة الصلاة عنه ويحفظوها وينقلوها ويعلموها للناس، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم؛ فإنه قد قال عليه الصلاة والسلام لهم: «صلُّوا  كما رأيتُموني أُصلّي» متفق عليه.

     قال العلامة صديق خان رحمه الله: ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السُّنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الإمام وكبير المجلس، كمجالس العلم والقضاء والذكر والمشاورة ومواقف القتال، وإمامة الصلاة، والتدريس والإفتاء وإسماع الحديث ونحوها، ويكون الناس فيها على مراتبهم في العلم والدين والعقل والشرف والسن والكفاءة في ذلك الباب، والأحاديث الصحيحة متعاضدة على ذلك.

     قال أبو مسعود: «فأنتم اليوم أشد اختلافا» يريد في زمانه، فكيف بهذا الزمان الذي عاد الإسلام فيه غريبا، وأي غريب؟! دَرَست فيه معالم السنن كلها! قاله صديق خان.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك