رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 أكتوبر، 2012 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر مسلم للمنذري (15) باب تحويل القبلة عن الشام إلى الكعبة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

261- عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلا دخل المسجد فصلى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية، وفيه: إذا قُمتَ إلى الصلاة، فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر».

الشرح:

قال المنذري رحمه الله: باب تحويل القبلة عن الشام إلى الكعبة.

     والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/ 298) وهو في آخر ما بوب عليه النووي: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

     قال النووي: هذا الحديث مشتملٌ على فوائد كثيرة، وليعلم أولا أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن، فإنْ قيل: لم يذكر فيه كل الواجبات، فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها، فمن المجمع عليه النية والقعود في التشهد الأخير، وترتيب أركان الصلاة. ومن المختلف فيه: التشهد الأخير، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والسلام، وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي رحمه الله تعالى.

     قال: وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة، وفيه وجوب الطهارة واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام والقراءة...إلى آخر ما قال (4 / 107 – 108).

     قوله: «إذا قمت إلى الصلاة» أي: أردت القيام إلى الصلاة، كقوله تعالى: {يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم...} الآية، أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا.

قوله: «فأسبغ الوضوء» الإسباغ في اللغة الإتمام، أي توضأ وضوءا تاما لا تنقص منه شيئا.

     قوله: «ثم استقبل القبلة» فيه وجوب استقبال القبلة عند الصلاة، فالأمر منه عليه الصلاة والسلام يقتضي الوجوب.

     والحديث صريح في وجوب الطهارة، واستقبال القبلة، وتكبيرة الإحرام، وموضع الدلالة هنا: الأمر باستقبال القبلة فقط.

     وفي القرآن الكريم وجوب استقبال البيت الحرام، قال سبحانه: {ومنْ حيثُ خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وُجوهكم شَطره} (البقرة: 150)، وشطر المسجد أي: جهته أو نحوه أو تلقاءه أو قبله، على اختلاف تفاسير السلف للشطر، فالآية تدل على أن استقبال الكعبة واجب عموما على الحاضر والبادي والمسافر، ولا تصح الصلاة بدونه، وعليه إجماع المسلمين، إلا لعاجز عنه، كالمريض والمقاتل حال القتال، والمسافر المتنفل على الدابة ونحوهم.

     ومنْ كان في حال قيامه إلى الصلاة، معاينا للبيت الحرام، ولم يحل بينه وبينه حائل، فإن فرضه استقبال عين الكعبة لأنه يراها.

     وأما إذا كان في بعض بيوت مكة، أو شعابها، وكان بينه وبين البيت حال القيام إلى الصلاة حائل؛ فإنه لا يجب عليه أن يصعد إلى مكان آخر يشاهد فيه البيت، بل فرضه التوجه لجهة الكعبة.

     وهكذا الحال فيما يقرب منها أو ما يبعد من المصلين، ففرضه استقبال جهة الكعبة، وعليه أن يولي وجهه شطر المسجد الحرام، وليس عليه غير ذلك، ولم يأت دليل يدل على غير هذا.

     وفي الحديث: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»  أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه، وأخرجه ابن ماجة، والحاكم، من حديث ابن عمر رضي الله عنه.

     فالمراد من قوله:  «ما بين المشرق والمغرب قبلة» أي: ما بينهما القبلة لمن كان بالمدينة النبوية وما حاذاها، فإذا توجه إلى الجهة التي بينهما، فقد فعل ما عليه من وجوب التوجه للكعبة.

     وأما غيره فيمكن أن يستدل المصلي على القبلة بواسطة جهات الشمس والقمر، وكذا بعض النجوم المعروفة كالقطب، أو بسؤال من يثق به، أو بالمحاريب المنصوبة في المساجد، أو بالآلات والأجهزة الحديثة.

والله أعلم.

 باب: في تحويل القِبلة عن الشّام إلى الكعبة

 262 – عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، حتى نزلت الآية التي في البقرة: {وحيثُما كُنْتم فولوا وجوهكم شَطره}   (البقرة: 150) فنزلت بعد ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق رجلٌ من القوم، فمرّ بناسٍ من الأنصار وهم يُصلون، فحدّثهم، فولوا وجوههم قبل البيت.

الشرح: قال المنذري رحمه الله: باب: في تحويل القِبلة عن الشّام إلى الكعبة.

والحديث رواه مسلم في الصلاة، وقال النووي: باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة.

ورواه البخاري في الصلاة (399) بنحوه، باب التوجه للقبلة حيث كان.

     قوله عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس» أصل المقدس والتقديس من التطهير، وفيه لغتان مشهورتان: فتح الميم وسكون القاف، وضم الميم وفتح القاف، ويقال فيه أيضا: إيلياء، وإلياء  ، وقد أوضحه النووي مع بيان لغاته، وتصريفه، واشتقاقه، في كتابه «تهذيب الأسماء».

     قوله: «ستة عشر شهرا» أي: بعد هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. قوله «حتى نزلت الآية التي في البقرة  {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}   (البقرة: 150).

     وقد جاء في الرواية الأخرى وفت نزولها عن ابن عمر قال: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه الليلة، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة».

     ووفي رواية البخاري «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة»، وفي رواية ابن عباس عند الطبري: لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واليهود أكثر أهلها يستقبلون بيت المقدس، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يستقبل قبلة إبراهيم، فكان يدعو وينظر إلى السماء فنزلت.

     وقد روى الإمام أحمد عنه أيضا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه».

أي: كان يستقبل بيت المقدس في مكة، لكنه يجعل الكعبة بينه وبينه.

     قوله: «فنزلت بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق رجل من القوم فمر بناس من الأنصار، وهم يصلون، فحدثهم» أي أبلغهم بتحول القبلة.

قوله «فولوا وجوههم قبل البيت».

     والحديث فيه: جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين، وهذا الصحيح؛ لأن أهل هذا المسجد استداروا في صلاتهم، واستقبلوا الكعبة، ولم يستأنفوها.

     قال الشافعية: لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة، فصلى كل ركعة منها إلى جهة، صحت صلاته على الأصح.

والحديث فيه دليل على جواز النسخ ووقوعه، وجواز نسخ السنة النبوية بالقرآن.

     قال النووي (5/9): واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال القاضي عياض: الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن، فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال إن: القرآن ينسخ السنة، وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى.

قال: واختلفوا أيضا في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن: فجوزه الأكثرون، ومنعه الشافعي وطائفة.

وفيه: أن النسخ لا يثبت في حق المكلف، حتى يبلغه. انتهى.

     والحديث فيه قبول خبر الواحد؛ لأن الصحابة الذين كانوا يصلون تجاه المسجد الأقصى بأمر منه صلى الله عليه وسلم، ثم قبلوا خبر من أخبرهم من الصحابة - وهو واحد - بتحول القبلة، وتحولوا جميعا إلى البيت الحرام. وبقبول خبر الواحد وحجيته في الاعتقاد والعمل، قال أهل السنة والجماعة، وخالف فيه المعتزلة.

     وفي رواية البخاري: «فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء} فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس – وهم اليهود – {ما وَلاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قُل لله المشرقُ والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقبم}».

     أي: إذا كان المشرق والمغرب وغيرها من الجهات لله تعالى، ملكا له وخلقا، فلماذا يعترض المعترضون على أمره سبحانه وتعالى ؟! بل الواجب التسليم لأمره سبحانه والانقياد له، وهو يهدي من يشاء إلى صراطه المستقيم.

     وقوله في حديث ابن عمر: «بينما الناس في صلاة الصبح بقباء، إذ جاءهم آت» قال الشافعي: سماها الله تعالى الفجر، وسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصبح، فلا أحب أن تسمى بغير هذين الاسمين.

     قلت: وفيه المحافظة على الأسماء الشرعية فلا تغير، ولكن ورد في حديث ابن عمر: «صلاة الغداة»  أيضا.

والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك