رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 22 أبريل، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (41) باب: الدعاء في الصلاة

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

309.عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي، قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا (وفي رواية: كَثِيرًا) وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

الشرح: قال المنذري: باب: الدعاء في الصلاة.

والحديث أخرجه مسلم في كتاب الذكر والدعاء (4/2078) وبوب عليه النووي: باب استحباب خفض الصوت بالذكر.

     قوله «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، وَفِي بَيْتِي» وفيه: حرص الصحابة على الخير، وسؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية الدعاء عن أسباب المغفرة والتوبة والرحمة، وطرق دخول الجنة والنجاة من النار ونحو ذلك، وفيه: أدبهم مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السؤال.

     قوله: «قل: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيرَاً» وفي رواية «كبيراً» اشتمل هذا الدعاء على الاعتراف بالذنب، ومع فضل أبي بكر رضي الله عنه وارتفاع رتبته، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه هذا الدعاء، ليكون قدوة لغيره من هذه الأمة.

والاعتراف بالذنب من سمات الأنبياء والرسل، وقد تكرر في دعواتهم، مع عصمتهم من الكبائر.

فـآدمُ عليه الصلاة والسلام لما عصى ربه، تاب وأناب، واعترف بالذّنب، فقال هو وزوجه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

فتاب الله عليهما كما قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه:122).

ونوح عليه السلام قال: {رب إني أعوذُ بك أنْ أسألك ما ليس به علم وإلا تغفر وترحمني أكن من الخاسرين} (هود: 47).

وموسى عليه السلام قال: {ربّ إني ظلمتُ نفسي فاغفر فغفر له إنه هو االغفور الرحيم} (القصص: 16).

     قال عليه الصلاة والسلام: «دَعْوَةُ ذِي النّونِ، إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: «لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بـها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ، إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ». رواه الإمام أحمد وغيره، وهو حديث صحيح.

      وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجّد من الليل أن يقول: «اللهم اغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ، وما أسررتُ وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلمُ به مني، أنت المقدمُ وأنت المؤخر لا إله إلا أنت». رواه البخاري ومسلم.

وأيضا كان عليه الصلاة والسلام يقول: «اللهم اغفر لي جِدي وهزْلي، وخطئي وعمدي، وكلُ ذلك عندي». رواه البخاري ومسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: «اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه، دِقَّـه وجِلَّه، وأولَه وآخرَه، وعلانيتَه وسرَّه». رواه مسلم.

واستقصاء دعاؤه صلى الله عليه وسلم وأحوال الأنبياء في ذلك يطول ذكره.

     وقد أثنى الله على عباده الذين يَسألونه المغفرة، مُعترفين بالذنب فقال سبحانه: {واللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} (آل عمران: 15-17).

     ودعاء سيدُ الاستغفار يتضمُّن الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة، مع العلم يقينا بأنه لا يغفر الذّنوب إلا الله تعالى، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «سيدُ الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذُ بك من شرّ ما صنعت، أبوءُ لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغْفِرْ لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. قال: من قالها من النهار مُوقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة». رواه البخاري.

فالعبد لا يرى نفسه إلا مُقصِّرا في حق ربّه وسيده ومولاه جل جلاله، ولو قدم ما قدم من الأعمال الصالحة.

وأيضا: فإن اعتراف العبد بِذنبِه، واعترافه بأنه لا يَغفر الذنوب إلا الله تعالى، من أسباب المغفرة.

     ففي الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أذنب عبدٌ ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رَبّـاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له رَبّـاً، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رَبّـاً، يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعملْ ما شئت فقد غفرت لك».

     فقولُه: «اعمل ما شئت فقد غفرتُ لك» يدلّ على أن اللهَ تعالى لا يزال يغفر لعبده كلما استغفره، طالما أنه موقنٌ أن له ربّاً يأخذ بالذنب ويعاقب به، ويغفره إذا استغفره العبد منه، ما لم يُصرّ على معصيته فيترك التوبة، أو يموت على الشرك.

     وكما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الشيطان قال: وعزتك يا رب، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني». رواه الحاكم وغيره وهو حديث صحيح.

     قوله: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي» من عندك، دليل على أن المغفرة لا تكون إلا من الله تعالى، لا من أحد غيره مهما كان قدره ومنزلته، كما في قوله تعالى {ومن يغفر الذنوب إلا الله} آل عمران.

والمغفرة ستر الذنوب وتغطيتها، وعدم الفضيحة لأصحابها.

     قال السعدي: (العفو - الغفور - الغفار) الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح موصوفا، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها، قال تعالى {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} (طه: 82). (انظر النهج الأسمى 1/175 -180).

وما الفرق بين المغفرة والرحمة؟

قلنا: إن المغفرة هي ستر الذنوب، وأما الرحمة فهي أعم من ذلك، فتشمل المغفرة وزيادة، من إفاضة الإحسان إليه، ودخول الجنة، والنجاة من النار.

      وقد عطف الله الرحمة على المغفرة في قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (آل عمران: 157). فعطف، وكذلك في هذا الحديث، والعطف يقتضي المغايرة.

     قوله: «إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ختم الدعاء بما يُناسِب الحال من طلب المغفرة والرحمة، كما هي عادة القرآن الكريم، وعليه جرت الأدعية النبوية، ففي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم المتقدِّم: «اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني» قال في خاتمته: «أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت».

فلما ذَكَر الذنب المتقدِّم والمتأخِّر قال: أنت المقدم وأنت المؤخر.

والحديث يدل على استحباب قول هذا الدعاء في الصلاة وخارجها.

     أما موضع هذا الدعاء في الصلاة: فلم يَرِد بيان لموضع قول هذا الدعاء، وإنما قال: «في صلاتي» أي: في عموم صلاتي، وهو يدل على أنه في مواطن الدعاء في الصلاة، ومواطن الدعاء في السجود، وبعد التشهد قبل السلام، كما سبق بيانه، وفي دعاء الوتر.

وفي قوله «وفي بيتي» ما يدل على جواز قول هذا الدعاء في غير الصلاة.

والله تعالى أعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك