رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 8 مايو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 44 ) باب: الصــــــلاة علـــــى النـبـــــــي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

111- 311-عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ: أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ».

 الشرح : قال المنذري: باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1/305) وبوب عليه النووي (4/124) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.

أبو مسعود الأنصاري هو البدري واسمه عقبة بن عمرو.

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تعني: ثناء الله تعالى عليه في الملأ الأعلى، كما قاله أبو العالية من التابعين .

     وقال بعضهم : هي رحمته، أو مغفرته! وهو قول ضعيف، لوجوه: منها: أن الله تعالى فرق بينهما في قوله: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ } (البقره: 157). فعطف الرحمة على الصلاة، والعطف يقتضي المغايرة.

والوجه الثاني: أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين، وأما رحمته فوسعت كل شيء.

     لكن يصح أن يقال: إن  الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها. (انظر: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الانام، للإمام ابن القيم ص 82-83، وذكر وجوهاً أخر فراجعها عن شئت).

      قوله: «أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ» فيه سؤال الصحابة عن مجمل القرآن الكريم، فإن الله تعالى قال للمؤمنين في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (الأحزاب). فأرادوا معرفة تفسير هذه الآية، وكيفية العمل بها؟ فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك .

قوله: «فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم » يحتمل سكوته صلى الله عليه وسلم لانتظار الوحي, أو لأجل جذب انتباه السامعين.

قوله: «حتى تمنينا أنه لم يسأله». معناه كرهنا سؤاله مخافة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره سؤاله وشقّ عليه.

     قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد». الآل أصله من: أَوَل، أي من آل الشيء يؤول، أي: يرجع، كما قال تعالى: {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } (النساء). واختلف العلماء في: آل النبي صلى الله عليه وسلم ،  وقال صاحب الصحاح: وآل الرجل: أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، فآل الرجل هم الذين يَرجعون إليه، ويُضافون إليه، ويولهم أن يسوسهم فيكون مآلهم إليه.

 وقال النووي: أظهرها وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين: أنهم جميع الأمة.

والقول الثاني: أنهم بنو هاشم وبنو المطلب. الثالث: هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم وذريته.

     وقوله: «وآل محمد». احتج من أجاز الصلاة على غير الأنبياء، وهذا مما اختلف فيه العلماء، فقال مالك والشافعي والأكثرون: لا يصلى على غير الأنبياء استقلالا، فلا يقال: اللهم صل على أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي، أو غيرهم، ولكن يصلى عليهم تبعا، فيقال: اللهم صل على محمد وأصحابه وآل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته، كما جاء في الأحاديث.

     وقال أحمد وجماعة: يصلى على كل واحد من المؤمنين مستقلا، واحتجوا بأحاديث الباب، وبقوله[: اللهم صل على آل أبي أوفي، وكان إذا أتاه قوم بصدقتهم صلى عليه. قالوا: وهو موافق لقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب:43).

     والصحيح: القول الأول، ولم ينقل عن السلف استعمالهم لذلك، بل خصوا به الأنبياء والمرسلين، كما خصوا الله تعالى بالتقديس والتسبيح، فيقال: الله سبحانه وتعالى، وقال الله تعالى، وقال عز وجل، وتبارك وتعالى، ونحو ذلك، ولا يقال: قال النبي عز وجل، وإنْ كان عزيزا جليلا، ولا ما بعده.

وأما قول الله: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (الأحزاب:43).، والأحاديث بأن الصلاة فيها دعاء وترحم.

وأما الصلاة على الآل والزواج والذرية فإنما جاء على التبع لا على الاستقلال، ويقال تبعاً ما لا يُقال استقلالا.

      قوله: كما صليت على آل ابراهيم» اختلف العلماء في الحكمة من قوله: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل ابراهيم» مع أن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم عليه السلام؟!

فقال عياض: أظهر الأقوال: أن نبينا صلى الله عليه وسلم سأل ذلك لنفسه ولأهل بيته ، ليتم النعمة عليهم ، كما أتمها على إبراهيم وعلى آله.

وقيل: بل سأل ذلك لأمته.

وقيل: بل ليبقى ذلك له دائما إلى يوم القيامة، ويجعل له به لسان صدق في الأخرين كإبراهيم عليه السلام.

وقيل : كان ذلك قبل أنْ يعلم أنه أفضل من إبراهيم عليه السلام .

     وقيل: إنه على ظاهره، والمراد: اجعل لمحمد وآله صلاة بمقدار الصلاة لإبراهيم وآله، والمسؤول مقابلة الجملة، فإن الآل يدخل فيهم جميع الاتباع على الصحيح كما ذكرنا، ويدخل في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء، ولا يدخل في آل النبي صلى الله عليه وسلم نبي، فطلب إلحاق هذه الجملة التي فيها نبي واحد، بتلك الجملة التي فيها خلائق من الأنبياء (انظر شرح النووي 4/126) .  

     قوله: «وبارك على محمد البركة» هنا الزيادة من الخير والكرامة، وقيل: الثبات على ذلك، من قولهم: بركت الإبل، أي ثبتت على الأرض، ومنه: بركة الماء .

واختلف العلماء في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب التشهد الأخير في الصلاة ، فذهب أبو حنيفة ومالك رحمهما إلى أنها سنة ، ولو تركت صحت الصلاة !

     وذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله: إلى أنها واجبةٌ، ولو تركت لم تصح الصلاة ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله والشعبي وغيرهم، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : «قولوا الله صل على محمد..»، والأمر يفيد الوجوب، وفي الرواية الأخرى عند ابن حبان: كيف نصلي عليك في صلاتنا ؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد...».

     وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي لم يحمد الله ولم يمجده ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم  فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «عجل هذا»، ثم دعاه النبي[ فقال: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد ربه والثناء عليه، وليُصل على النبي صلى الله عليه وسلم وليدع بما شاء» رواه الحاكم وغيره.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك