رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 20 مايو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 46 ) باب: ما يُقال بعد التسليم من الصلاة

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 314.عَنْ وَرَّادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ».

 الشرح :

 قال المنذري: باب ما يقال بعد التسليم.

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (593) وبوب عليه النووي: باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته .

والحديث رواه البخاري في الأذان (844) باب الذكر بعد الصلاة .

 المغيرة بن شعبة هو الثقفي، الصحابي المشهور، أسلم قبل الحديبية، وولي أمرة البصرة ثم الكوفة، مات سنة  (50 هـ) على الصحيح، روى له الستة.

     ومعاوية هو ابن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، الصحابي الخليفة، ولي الخلافة بالشام أولا ثم تمت له على بقية البلدان، أسلم قبل الفتح، وكتب الوحي، مات سنة (60 هـ) وقد قارب الثمانين، روى له الستة.

ورّاد مولى المغيرة الثقفي، أبو سعيد أو أبو الورد الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، تابعي ثقة، روى له الستة.

      قوله: «كَتَبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ إِلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما» فيه العمل بالكتابة في الرواية، بشروطها ومنها: كونه يعرف خط الكاتب، فلا بد أن معاوية كان يعرف خط وراد، وكون الكتاب عن إذن المغيرة، وكان المغيرة إذ ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية.

قوله: «لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ورد عند الطبراني «يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت»، قال الحافظ (الفتح 2/332): ورواته موثقون .

قوله: «اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» كما قال سبحانه: {ما يفتح اللهُ للناس منْ رحمةٍ فلا مُمسكَ لها وما يُمسك فلا مُرسلَ له منْ بعده وهو العزيز الحكيم} (فاطر: 2).

وهذا مما يدعو العبد للتعلق بالله تعالى، والافتقار إليه دائما، وألا يدعو إلا هو، ولا يخاف ولا يرجو سواه، فإنّ الأمور كلها بيديه سبحانه وتعالى.

 قوله: «وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَد»، قال الخطابي: الجد: الغنى، ويقال: الحظ. ومنك هنا: بمعنى ما عندك، أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه ، إنما ينفعه العمل الصالح .

وفي الآية: {وأنه تعالى جد ربنا} (الجن: 3). قال الحسن: غنى ربنا. رواه ابن أبي حاتم وعبد بن حميد.

وحكى الراغب: أن المراد به هنا: أبو الأب، أي: لا ينفع أحدا نسبه.

     وقال النووي: الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه: بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان، والمعنى: لا يُنجيه حظه منك، وإنما ينجيه فضلك ورحمتك.

قال الحافظ: وفي الحديث: استحباب هذا الذكر عقب الصلوات، لما اشتمل عليه من ألفاظ التوحيد، ونسبة الأفعال إلى الله، والمنع والإعطاء، وتمام القدرة.

وفيه: المبادرة إلى امتثال السنن وإشاعتها.

 115- باب: التكبير بعد الصلاة

 315. عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ .

 الشرح :

قال المنذري: باب التكبير بعد الصلاة

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (583) وبوب عليه النووي باب الذكر بعد الصلاة .

وأخرجه البخاري في الأذان (841، 842) باب الذكر بعد الصلاة.

     قوله: «كُنَّا نَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ»، وهذا يدل على أنه لم يحضر الجماعة لصغر سنّه، فكان لا يواظب عليها، ولا يلزم به، قاله عياض.

     وفي الرواية الأخرى: «إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة  كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال: «كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته». أي: أعلم انصرافهم بذلك ، أي برفع الصوت إذا سمع الذكر يعلم انتهاء الصلاة .

وقيل: يحتمل أن يكون حاضرا في أواخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضاءها بالتسليم، وإنما كان يعرفه بالتكبير.

قال الطبري: ففيه صحة فعل من كان يفعله من الأمراء، يكبر بعد صلاته، ويكبر الناس بتكبيره.

قال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على على أنهم جهروا به وقتا يسيراً لأجل تعليم صفة الذكر، لا أنهم داوموا على الجهر به!

     قال : فاختار للإمام والمأموم أن يذكر الله تعالى بعد الفراغ من الصلاة ويخفيان ذلك، إلا أن يكون إماما يريد أن يتعلم منه، فيجهر حتى يعلم أنه قد تعلم منه ثم يسر، وحمل الحديث على هذا. شرح النووي (5/84) انتهى.

 وهو قول أبي حنيفة ومالك .

قلت: وفيما قاله الشافعي نظر! لأن الأصل بقاء هذه السنة النبوية، واستمرار عمل الصحابة بها.

     ولذا كان القول الراجح - إن شاء الله تعالى - هو الجهر بالذّكر عقب الصلوات المفروضات، وهذا مذهب ابن الزبير كما في المصنف لابن أبي شيبة، ويدل له أيضا حديثه في صحيح مسلم، وهو مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله عنه تلميذه ابن مفلح ونقل البهوتي في «كشاف القناع» (1/366) عن شيخ الإسلام ابن تيمية استحباب الجهر: قال الشيخ (أي ابن تيمية): ويستحب الجهر بالتسبيح والتحميد والتكبير عقب كل صلاة « .

 وقال ابن حزم رحمه الله: «ورفع الصوت بالتكبير إثر كل صلاة حسن» انتهى من «المحلى» (3 /180) .

واختيار ابن رجب ، وهو مذهب السيوطي والسخاوي ، ولهما رسالتان في ذلك ، وهو اختيار الشيخين ابن باز وابن عثيمين، وكذا الشيخ مقبل الوادعي .

وأما احتجاج منكر الجهر أيضا بقوله صلى الله عليه وسلم : «أيها الناس أربعوا على أنفسكم...» الحديث.

     فإن الذي قال: «أيها الناس أربعوا على أنفسكم»، هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة ، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله .

     ثم إن السياق في قوله: «أربعوا على أنفسكم»، يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعا بليغا يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: «أربعوا على أنفسكم». أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.

قال العلامة ابن عثيمين رخمه الله: أما من قال: إن في ذلك تشويشا؟!

     فيقال له : إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك ، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السُنة زال عنه التشويش، وإن أردت أنه يشوش على المصلين، فإنّ المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع؛ لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي، فإن كان قريبا منك بحيث تشوش عليه، فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه، لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيدا منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.

وبما ذكرنا يتبين : أنّ السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح، ولا بنظر صريح.

     وقال أيضا: لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ، ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش.

     وقال رحمه الله: فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضا - أعني رفع الصوت - ولا يكون رفعا مزعجا فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في قفولهم من خيبر قال: «أيها الناس، أربعوا على أنفسكم..»، فالمقصود بالرفع ، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج». انتهى من «مجموع فتاوى الشيخ» (13/247، 261).

لكن لا يكون بصورة جماعية أي بصوتٍ واحد، كما تفعله الصوفية يذكر أحدهم والجماعة يرددون خلفه، وقد نبَه العلماء الإجلاء الذين ذكرتهم على هذه البدعة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك