رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 27 مايو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 47 ) باب : التّسبيح والتّحميد والتكبير في دبر الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

316.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْر».

 الشرح : قال المنذري: باب: التسبيح والتحميد والتكبير في دبر الصلاة .

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/418) وبوب عليه النووي (5/ 95): باب استحباب الذكر بعد الصلاة ، وبيان صفته.

قوله: «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ « دُبر الصلاة ، أي: آخرها، وذلك بعد السلام.

     قوله: «سبح.. ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ» أي: قال : سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين ، والله أكبر ثلاثا وثلاثين.

هذا ظاهر الحديث، وقال أبو صالح أحد رواة الحديث عن أبي هريرة: الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، حتى تبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين. 

     قال النووي: «وظاهرها أنه يسبّح ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويكبر ثلاثا وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك، وهذا ظاهر الأحاديث. قال القاضي عياض: وهو أولى من تأويل أبي صالح .

وأما قول سهيل: إحدى عشرة، فلا ينافي رواية الأكثرين ثلاثا وثلاثين، بل معهم زيادة يجب قبولها.

وفي رواية: «تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».

وفي رواية: أن التكبيرات أربع وثلاثون.

     وكلها زيادات من الثقات يجب قبولها، فينبغي أن يحتاط الإنسان فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدات، وأربع وثلاثين تكبيرة، ويقول معها: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى  آخرها، ليجمع بين الروايات» (شرح النووي ).

     ويؤيده حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه بالباب: عن رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «مُعقباتٌ لا يخيب قائلهن أو فاعلهن، ثلاثٌ وثلاثون دبر كل صلاة مكتوبة، ثلاثٌ وثلاثون تسبيحة، وثلاثٌ وثلاثون تحميدة ، وأربع ثلاثون تكبيرة».

     ومعنى معقبات: أنها تفعل أعقاب الصلاة، وقال أبو الهيثم: سُميت معقبات؛ لأنها تفعل مرة بعد أخرى، وقوله تعالى: {له معقباتٌ} أي: ملائكة  يعقب بعضهم بعضا.

وقوله: «لا يخيب قائلهن أو فاعلهن» لا يخيب: أي لا يخسر ولا يذهب أجره،  وقد ذكر بعضهم: أنه لا أجر في الأذكار إذا كانت عن غفلة سوى القراءة.

وفيه فضل هذه الكلمات المباركة التي يتهاون بها كثير من المصلين ، ويستعجلون القيام من مصلاهم قبل الإتيان بها!

     ومما يدل على فضل هذه الكلمات، قوله  صلى الله عليه وسلم : «أفلا أُعلّمكم شيئا تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم ، إلا من صنع مثل ما صنعتم».

     وهي في حديث أبي صالح عن أبي هريرة قال: أنّ فقراء المهاجرين أتوا رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: ذهبُ أهل الدُّثور (أي : أهل الأموال) بالدّرجات العُلى، والنّعيم المقيم! فقال: وما ذاك؟ قالوا: يُصلون كما نُصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدّقون ولا نتصدق، ويُعتقون ولا نُعتق، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «أفلا أُعلّمكم شيئا تُدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم ، ولا يكون احدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة». قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «ذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء». 

وقوله: «دُبر كل صلاةٍ مكتوبة» يدل على أنه يقال بعد الفرائض فقط، دون السنن.

     قال العلامة الألباني رحمه الله: والحديث نصٌ على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة، ومثله ما قبله من الأوراد وغيرها، سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا، ومن قال من المذاهب: بجعل ذلك عقب السنة!! فهو مع كونه لا نص لديه بذلك، فإنه مخالف لهذا الحديث وأمثاله مما هو نص في المسألة. والله ولي التوفيق انتهى.

 117- باب: الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال

 

 317 .عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا ، لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ، أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ، أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ.

 الشرح: قال المنذري: باب: الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال.

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/492) وبوب عليه النووي: باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال.

والحديث أخرجه البخاري في الأذان (852) باب: الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال.

قوله: «لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ مِنْ نَفْسِهِ جُزْءًا لَا يَرَى إِلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِه»، أي : أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين.

     قوله: «أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه  صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ شِمَالِهِ»، وقد روى مسلم في الباب: عن السدي قال: سألت أنسا رضي الله عنه: كيف أنصرف إذا صليت؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيتُ رسول الله  صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه.

     فظاهرذلك التعارض؛ لأنه عبر كل منهما بصيغة أفعل، قال النووي: يجمع بينهما: بأنه  صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا، وتارة هذا، فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر، وإنما كره ابن مسعود أن يعتقد وجوب الانصراف عن اليمين .

     قال الحافظ: وهو موافق للأثر المذكور أولا عن أنس، ويمكن أن يجمع بينهما بوجه آخر: وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد، لأن حجرة النبي  صلى الله عليه وسلم  كانت من جهة يساره ، ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر، ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس، رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل، وأكثر ملازمة للنبي  صلى الله عليه وسلم ، وأقرب إلى موقفه في الصلاة من أنس، وبأن في إسناد حديث أنس من تكلم فيه وهو السدي، وبأنه متفق عليه بخلاف حديث أنس في الأمرين ، وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي  صلى الله عليه وسلم كانت على جهة يساره كما تقدم .

      قال : ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بين الحديثين بوجه آخر، وهو أن من قال: كان أكثر انصرافه عن يساره، نظر إلى هيئته في حال الصلاة، ومن قال كان أكثر انصرافه عن يمينه، نظر إلى هيئته في حالة استقباله القوم بعد سلامه من الصلاة، فعلى هذا لا يختص الانصراف بجهة معينة، ومنْ ثَمّ قال العلماء: يُستحب الانصراف إلى جهة حاجته.

لكن قالوا: إذا استوت الجهتان في حقه، فاليمين أفضل، لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن، كحديث عائشة المتقدم في كتاب الطهارة .

      قال ابن المنير: فيه أن المندوبات قد تنقلب مكروهات إذا رفعت عن رتبتها، لأنّ التّيامن مستحبٌ في كل شيء أي من أمور العبادة، لكن لما خشي ابن مسعود أن يعتقدوا وجوبه، أشار إلى كراهته، والله أعلم . (الفتح 2/338).

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك