رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 يونيو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 48 )باب : مـــنْ أحـــقُّ بالإمامــــة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب «الصلاة» من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

 

 

318.عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ».

الشرح :

قال المنذري : باب : من أحق بالإمامة .

والحديث أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (673) وبوب عليه النووي الباب نفسه.

      قوله: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ»، الظَّاهِر أَنَّ الْمُرَاد بـ «أَقْرَؤُهُمْ» أَكْثَرهم لَهُ حِفْظًا، وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ مَا جاء عَنْ عَمْرو بْن سَلَمَة قَالَ: «اِنْطَلَقْت مَعَ أَبِي إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم  بِإِسْلَامِ قَوْمه فَكَانَ فِيمَا أَوْصَانَا : لِيَؤُمّكُمْ أَكْثَركُمْ قُرْآنًا، فَكُنْت أَكْثَرهمْ قُرْآنًا فَقَدَّمُونِي»، َأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

 وَقِيلَ: «أَقْرَؤُهُمْ»، أي: أَحْسَنهمْ قِرَاءَة، وَإِنْ كَانَ أَقَلّهمْ حِفْظًا؟!

 وَقِيلَ : أَعْلَمهُمْ بِأَحْكَامِهِ! (كما في عون المعبود).

 وقيل: أَكْثَرهمْ قُرْآنًا وَأَجْوَدهمْ قِرَاءَة، كما في حاشية السندي على ابن ماجة.

      والحديث: فيه تقديم الأقرأ على الأفقه، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض الشافعية، ودليلهم هذا الحديث الصريح، وفي الباب أيضا: حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانوا ثلاثةً فليؤمّهم أحدُهم، وأحقُّهم بالإمامة أقرؤُهم».

وغيرها من الأحاديث.

     وقال مالك والشافعي: يقدم الأفقه، قالوا: لأنّ الذي يُحتاج إليه من القراءة مضبوطة، والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط، وقد يَعرض في الصلاة أمرٌ لا يقدر على مراعاة الصواب فيه، إلا كامل الفقه.

قالوا: ولهذا قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين، مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أنه قرأ منه.

وقالوا: بإنّ الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه.

لكن قوله صلى الله عليه وسلم : «فإن كانوا في القراءة سواء»، دليل على تقديم الأقرأ مطلقا.

     قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ»، فيه أن منزلة السنة النبوية المطهرة في الدين بعد كتاب الله تعالى، كما قال عز وجل: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ . وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عظيماً}(النساء:113).

وقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وحي يوحى } (النجم: 3 -4).

صلى الله عليه وسلم : «ألا إني أُوتيتُ الكتابَ ومثله معه».

  قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً»، قال النووي: قال أصحابنا يدخل فيه طائفتان:

     إحداهما: الذين يهاجرون اليوم من دار الكفر إلى دار الإسلام، فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة، عندنا وعند جمهور العلماء، وقوله: «لا هجرة بعد الفتح»، أي: لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام .

أو : لا هجرة فضلها ، كفضل الهجرة بعد الفتح .

     الطائفة الثانية أولاد المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا استوى اثنان في الفقه والقراءة، وأحدهما من أولاد من تقدّمت هجرته والآخر من أولاد من تأخرت هجرته، قدّم الأول .

      قوله: «فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا « وفي الرواية الأخرى» سنّاً «وفي الرواية الثالثة»، فأكبرهم سنّا، أي: إذا استويا في القراءة والفقه والهجرة، يقدم الأقدم إسلاماً ثم الأكبر سنا؛ لأن تقدم الإسلام فضيلة يرجح بها.

     قوله: «وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ»، أي: أنّ صاحبَ البيت، وصاحب المجلس، وإمام المسجد، أحقّ من غيره بالإمامة، وإنْ كان  ذلك الغير أقرأ وأفقه وأكبر سنا.

     لكنْ إذا قدّم صاحبُ المكان، أو إمام المسجد أحداً فله ذلك، وإن كان الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة له أو إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه ، فله أن يتصرف فيه كيف شاء .

     وقال أبو عيسى الترمذي (1/460):  وحديث أبي مسعود حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله، وأعلمهم بالسنة، وقالوا صاحب المنزل أحق بالإمامة، وقال بعضهم: إذا أَذِن صاحبُ المنزل لغيره فلا بأس أنْ يصلي به، وكرهه بعضهم، وقالوا: السُّنة أنْ يصلي صاحب البيت، قال أحمد بن حنبل: فإذا أذن فأرجو أن الإذن في الكل، ولم يرَ به  بأساً إذا أذن له أن يصلي به انتهى.

     وقال الشوكاني رحمه الله في شرح حديث مالك بن الحويرث : « وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود رضي الله عنه: (إلا بإذنه) «انتهى من «نيل الأوطار» (3/170) .

     ومما يدل أيضا على جواز إمامة الزائر لصاحب المنزل: ما رواه البخاري (424) ومسلم (33) عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ فَقَالَ:  أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ».

      ويدل على جواز إمامة المسافر للمقيمين: ما رواه الترمذي (545) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سُئِلَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ عَنْ صَلاةِ الْمُسَافِرِ، فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَحَجَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُمَرَ فَصلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلافَتِهِ أَوْ ثَمَانِيَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ»، قال الألباني رحمه الله: صحيح لغيره.

 وروى مالك في الموطأ (349) أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ، أَتِمُّوا صَلاتَكُمْ، فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ».

وقد رواه أبو داود (1229) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن بسند ضعيف.

 أما إذا حضر السلطان العام أو نائبه، قدّم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما؛ لأنّ ولايته وسلطته عامة.

ويستحب لصاحب البيت وإمام المسجد أن يأذن لمن هو أفضل منه إذا حضر.

     قوله: «وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ». وفي الرواية الأخرى: «ولا تجلس على تكرمته في بيته ، إلا أن يأذن لك». والتكرمة: الفراش ونحوه مما يُبسط لصاحب المنزل ويخص به .

والله تعالى أعلم

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك