رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 يونيو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 49 ) باب: اتِّباع الإمام والعمل بعده

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

319.عن الْبَرَاءِ رضي الله عنه : أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ.

 الشرح: قال المنذري: باب: اتِّباع الإمام والعمل بعده.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/) وبوب عليه النووي: باب متابعة الإمام والعمل بعده.

وقد أخرجه البخاري في الأذان برقم (690) باب: متى يسجد منْ خلف الإمام؟

وبرقم (747) باب: رفع البصر إلى الإمام في الصلاة، وبرقم (811) باب: السجود على سبعة أعظم.

عن البراء وهو ابن عازب، وفي مسلم: قال عبدالله بن يزيد: حدثني البراء وهو غير كذوب. وهذا من عادتهم في تأكيد العلم بالراوي، والعمل بما روى.

قوله «: أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ [ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا» فيه: متابعة الإمام، وعدم التقدم عليه بالأفعال أو مسابقته، وقد مضى الكلام عليه.

     قوله «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ:» سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ «لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى نَرَاهُ قَدْ وَضَعَ وَجْهَهُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ نَتَّبِعُهُ» وفي الرواية الأخرى «لم أرَ أحداً يحني ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم  جبهته على الأرض، ثم يخرّ من وراءه سُجداً» يحني ويحنو كما في الرواية الأخرى، لغتان صحيحتان، من حنى العود أي عطفه.

     قال النووي: وفي هذا الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أنّ السُّنة ألا ينحني المأمومُ للسجود، حتى يضع الإمام جبهته على الأرض، إلا أن يَعلم منْ حاله أنه لو أخّر إلى هذا الحد، لرفع الإمام من السجود قبل سجوده.

     ثم قال: قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه: أنّ السنّة للمأموم التأخر عن الإمام قليلاً، بل يُشرع في الركن بعد شُروعه، وقبل فراغه منه، والله أعلم اهـ

     وقوله: «حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم  جبهته على الأرض» استدل به على أن الجبهة من أعضاء السجود، وإنما اقتصر على ذكرها لأنها أشرف أعضاء السجود، وأشهرها في تحقيق السجود.

     وفي الحديث: دليل على مراقبة الصحابة رضي الله عنهم لأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة للاقتداء به، ومتابعته في تنقلاته، وإنْ كان الأصل نظر المأموم إلى موضع سجوده، لأنه المطلوب للخشوع في الصلاة، إلا للحاجة.

 120- باب: أمر الأئمة بالتخفيف في تمام

      320.عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا ! فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ، أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ».

 الشرح: قال المنذري: باب أمر الأئمة بالتخفيف في تمام.

والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (466) وبوب عليه ما بوب به المنذري.

ورواه البخاري في الأذان (702) باب: تخفيف الإمام في القيام، وإتمام الركوع والسجود.

     قال النووي: معنى أحاديث الباب ظاهر، وهو الأمر للإمام بتخفيف الصلاة بحيث لا يُخل بسنتها ومقاصدها، وأنه إذا صلّى لنفسه، طوّل ما شاء في الأركان التي تحتمل التطويل، وهي القيام والركوع والسجود والتشهد، دون الاعتدال والجلوس بين السجدتين، والله أعلم.

وفيه نظر ! فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم  أن قيامه وركوعه واعتداله وسجوده وجلوسه بين السجدتين، قريب من السواء.

     وقال الكرماني في تبويب البخاري: الواو بمعنى «مع»، كأنه قال: باب التخفيف بحيث لا يفوته شيء من الواجبات، فهو تفسير لقوله: في الحديث «فليتجوز»؛ لأنه لا يأمر بالتجوز المؤدي إلى فساد الصلاة.

 قوله: «إِنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ، مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا» أي: أتأخّر عن صلاة الجماعة بسبب تطويل الإمام.

     وقد ظن بعضهم أن المقصود بالإمام: هو معاذ بن جبل رضي الله عنه، وهو خطأ ! لأن قصة معاذ كانت في صلاة العشاء، وفي مسجد بني سلمة، وهذه كانت في صلاة الصبح وفي مسجد قباء.

     قال الحافظ ابن حجر: ووهم من فسّر الإمام المبهم هنا: بمعاذ، بل المراد به: أبي ابن كعب، كما أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن: عن جابر قال: كان أبي بن كعب يصلي بأهل قباء، فاستفتح سورة طويلة، فدخل معه غلام من الأنصار في الصلاة، فلما سمعه استفتحها، انفتل من صلاته، فغضب أبي، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم  يشكو الغلام، وأتى الغلام يشكو أبياً، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى عُرف الغضبُ في وجهه، ثم قال: «إنّ منكم مُنفّرين، فإذا صليتم فأوجزوا، فإنّ خلفكم الضعيف والكبير، والمريض، وذا الحاجة».

قال: فأبان هذا الحديث: أن المراد بقوله في حديث الباب «مما يطيل بنا» أي: في القراءة (الفتح 2/ 198).

قوله «فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ، أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ» وسبب غضبه إما لمخالفته ما أرشد إليه أصحابه ووعظهم.

أو للتقصير في تعلم ما ينبغي تعلمه.

أو لزيادة الاهتمام بما يقول، تنبيها له ولأصحابه.

قوله: «إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ» وهو تفسيرٌ للفتنة في قوله لمعاذ: «أفتان أنت يا معاذ».

قال الحافظ: ويحتمل أن تكون قصة أبي هذه بعد قصة معاذ، فلهذا أتى بصيغة الجمع، وفي قصة معاذ واجهه وحده بالخطاب.

     قوله: «فَأَيُّكُمْ أَمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ» قال ابن دقيق العيد: التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفاً بالنسبة إلى عادة قوم، طويلا بالنسبة لعادة آخرين.

     قال: وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات، لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك، لأن رغبة الصحابة في الخير، تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا (الفتح 2/ 199).

    قال الحافظ: وأولى ما أخذ حدّ التخفيف من الحديث: ما أخرجه أبو داود والنسائي: عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت إمام قومك، واقدر القوم بأضعفهم» إسناده حسن، وأصله في مسلم اهـ (الفتح 2/ 199).

وفي صحيح مسلم بالباب نفسه: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أخفّ الناس صلاة في تمام.

وفي زيادة لمسلم: «فإذا صلى وحده، فليصلّ كيف شاء»، وفي لفظ «وإذا قام وحده، فليطلْ صلاته ما شاء».

قوله: «فَإِنَّ مِنْ وَرَائِهِ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الْحَاجَةِ» وفي رواية «فإن في الناس الضعيف والسقيم» فالمراد بالضعيف النحيف والمسنّ، والسقيم هو المريض.

     وفي الحديث: جواز التأخر عن صلاة الجماعة، إذا علم من عادة الإمام التطويل الكثير بالقراءة، لمن عجز عن القيام، وإن كان الأفضل حضور الجماعة والصلاة جالسا.

والله تعالى أعلم،

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك