رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 27 أبريل، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 133 ) باب: الجمع بين الصلاتين في السفر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

441.عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَجِلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ،  يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ،  فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا،  وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ، حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ.

 الشرح:   قال المنذري:  باب:  الجمع بين الصلاتين في السفر.  والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/489) وبوب عليه النووي: باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر.  والحديث رواه البخاري في تقصير الصلاة ( 1111، 1112).

     وورد عندهما بلفظ: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أنْ تزيغ الشمس،  أخّر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما، وإذا زاغت قبل أنْ يرتحل صلى الظهر ثم ركب». متفق عليه.

وفي رواية لمسلم: «إذا أراد أنْ يجمع بين الصلاتين في السفر، أخّر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر، ثم يجمع بينهما».

 قوله: «إِذَا عَجِلَ عليْهِ السَّفَرُ»  هو بمعنى: عجل به السفر.

وفي حديث ابن عمر: «كان إذا جدَّ به السير، جَمَع بين المغرب والعشاء».

قوله: «يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلى أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وهذا جمع تأخير للصلاة».

     وفي رواية لمسلم (4 / 1784) عن معاذ رضي الله عنه: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا،  ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا.

      وقد رواه الترمذي (553) عنه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك، إذا ارتحلَ قبل زيغ الشمس، أخّر الظهر إلى أنْ يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس، عجل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب، أخّر المغربَ حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب، عجّل العشاء فصلاها مع المغرب.

 قال الترمذي: وفي الباب عن علي وابن عمر وأنس وعبد الله بن عمرو وعائشة وابن عباس وأسامة بن زيد وجابر بن عبد الله.

وبهذا الحديث يقول الشافعي، وأحمد وإسحق، يقولان: لا بأس أنْ يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما.

     وقوله: «قبل زيغ الشمس» أي قبل الزوال فإن زيغ الشمس هو ميلها عن وسط السماء إلى جانب المغرب. «عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعا» فيه دلالة على جواز جمع التقديم في السفر، وهو نص صريح فيه لا يحتمل تأويلا.

     وقال في بلوغ المرام بعد أن ذكر حديث أنس هذا:  وفي رواية الحاكم في الأربعين بإسناد الصحيح:  «صلى الظهر والعصر ثم ركب». ولأبي نعيم في مستخرج مسلم: «كان إذا كان في سفرٍ فزالت الشمس، صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل». انتهى.

     وأما حديث عائشة رضي الله عنها الذي أشار له الترمذي: فأخرجه الطحاوي وأحمد والحاكم عنها،  قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر يؤخر الظهر ويقدم العصر، ويؤخر المغرب ويقدم العشاء».

     وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه الذي أشار له الترمذي:  فأخرجه مسلم في حديثه الطويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: «ثم أذّن ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر،  ولم يصل بينهما شيئا».

 وأما حديث عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي أشار له الترمذي، فقال: كان رسول الله يجمع بين الصلاتين في السفر،  المغرب والعشاء، والظهر والعصر. المسند ( 3 / 367 ).

     وقول الترمذي: «وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحق» قال الحافظ في الفتح: قال بإطلاق جواز الجمع، كثيرٌ من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب انتهى.

يعني قالوا بجواز الجمع في السفر مطلقا، سواء كان سائراً أم لا، وسواء كان سيرا مُجدّا أم لا.

قال الحافظ: وقال قوم: لا يجوز الجمع مطلقاً إلا بعرفة ومزدلفة! وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه. انتهى.

وقيل: يختص الجمع بمن يجد في السير. قاله الليث وهو القول المشهورعن مالك. وقيل: يختص بالمسافر دون النازل.  وهو قول ابن حبيب.

وقيل:  يختص بمن له عذر.  حكي عن الأوزاعي. ..انتهى.

     والصحيح: أنه يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر، بجمعي التقديم والتأخير،  إذا دَعت الحاجة إليه،  وأما دون عذر فلا يجمع،  وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم المنقول عنه في الأحاديث.

     وقد استدل العلماء على جواز جمع التقديم بحديث معاذ المذكور في الباب وبحديث أنس وبحديث عائشة وبحديث جابر السابقة،  واستدلوا على جواز جمع التأخير بحديث أنس الذي تقدم لفظه، وبحديث ابن عمر الآتي.

     وأجاب الحنفية عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على الجمع الصوري ؟!، وهذا القول مردود بأن الأحاديث الواردة في الجمع:  بعضها نصوص صريحة في جمع التقديم، وفي جمع التأخير، لا تحتمل تأويلا.

     قال العلامة بالحديث والفقيه الحنفي محمد عبد الحي الأنصاري اللَّكنَويّ الهندي في «التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد»: حمل أصحابنا - يعني الحنفية - الأحاديث الواردة في الجمع على الجمع الصوري.  وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في شرح معاني الآثار،  لكن لا أدري ماذا يفعل بالروايات التي وردت صريحة بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت؟ وهي مروية في صحيح البخاري وسنن أبي داود وصحيح مسلم، وغيرها من الكتب المعتمدة ما لا يخفى على من نظر فيها، فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التميز لهم، فظنوا قرب خروج الوقت، فهذا أمر بعيد عن الصحابة الناهين على ذلك،  وإنْ اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الإسناد، فهو أبعد وأبعد، مع إخراج الأئمة لها، وشهادتهم بتصحيحها، وإنْ عورض بالأحاديث التي صرّحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى آخر الوقت، والتقديم في أول الوقت، فهو أعجب، فإن الجمع بينها بحملها على اختلاف الأحوال ممكن، بل هو الظاهر، انتهى كلامه.

     وقال إمام الحرمين: «ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل، ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة، فإن سببه احتياج الحاج إليه، لاشتغالهم بمناسكهم، وهذا المعنى موجود في كل الأسفار، ولم تتقيد الرخص، كالقصر والفطر بالنسك» إلى أن قال: «ولا يخفى على منصف، أنّ الجمعَ أرفقُ من القصر، فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه، ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر انتهى.  نقله الحافظ في الفتح.

     وقال الحافظ ابن عبد البر: ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة، ومن قال بقوله؛ لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة: «ما بين هذين وقت «فأجاز الصلاة في آخر الوقت، ولو لم يَجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله. الاستذكار (6 / 20).

     وقال ابن قدامة:  «الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه، لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا،  من الإتيان بكل صلاة في وقتها ؛ لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها، أوسع من مراعاة طرفي الوقتين،  بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها،  ومَن تدبّر هذا،  وجده كما وصفنا،  ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح،  ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك. المغني ( 3 / 129).

     وقال ابن حجر:  الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع، ومما يَرُدّ الحمل على الجمع الصوري: جمع التقديم.  فتح الباري (2 / 676) باختصار.

ومن الدليل على أن الجمع بنوعيه رخصة، قول ابن عباس رضي الله عنهما: أراد أنْ لا يحرج أمته.  أخرجه مسلم.

     وأُجيب عن القول بأن الجمع يختص بمن جـدّ به السير،  بما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه السابق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر،  وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر،  وفي المغرب مثل ذلك.

     قال ابن قدامة:  وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال:  لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر، ماكث في خبائه،  يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه. المغني ( 3 / 131 ).

     وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر،  وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا،  ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا،  فإنّ الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل،  وأما السائر فلا يقال: دخل وخرج،  بل نزل وركب». مجموع الفتاوى ( 24 / 64 ).

قال العراقي: وحكَى أَبو العبَّاس الْقرطبيُّ عدَمَ اشْتراط الجـدِّ في السَّفر عن جمهورِ السَّلَفِ،  وعلَماء الْحجاز وفقهاء المُحدِّثين وأَهل الظَّاهر. طرح التثريب ( 3 / 752 ).

-  متى يجوز الجمـع للمسافر؟.

يجوز للمسافر الترخّص بالجمع، تقديما أو تأخيراً، متى تأهّب للسفر، ولو لم يخرج من حَضَرِه،  كما تقدم في الحديث.

- هل يُشترط للجمع نِـيّـة، عند افتتاح الأولى؟.

الصحيح: أنه لا يُشترط للجمع نِيّـة عند افتتاح الأولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا بأصحابه، ولم يُنقل عنه أنه أمرهم أو أرشدهم إلى ذلك.

     قال شيخ الإسلام ابن تيمية:  «اختلفوا في الجمع والقصر: هل يشترط له نية؟ فالجمهور لا يشترطون النية، كمالك وأبي حنيفة، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، وهو مقتضى نصوصه، والثاني تشترط كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره، والأول أظهر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه. مجموع الفتاوى (24 / 16).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك