رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 يوليو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 54 ) باب : في انتظار الصلاة وفضل الجماعة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

326.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ، تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ، كَانَ فِي الصَّلَاةِ، مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ».

 الشرح :  قال المنذري: باب: في انتظار الصلاة وفضل الجماعة .

     والحديث رواه مسلم في المساجد (1/ 459) وبوب عليه النووي (5/165): باب فضل صلاة المكتوبة في جماعة، وفضل انتظار الصلاة ، وكثرة الخُطا إلى المساجد وفضل المشي إليها.

والحديث أخرجه البخاري في الأذان ( 2 / 131) باب: فضل صلاة الجماعة، فهو متفق عليه.

      قوله: «صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ، تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ، بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً»، اختلف العلماء في المقصود بالصلاة في جماعة ، والتي تفضل صلاة الرجل في غير جماعة في بيته وسوقه، فقال بعضهم: هي صلاة المنفرد، أي ‏المراد بالحديث: أن صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وسوقه منفردا، قال النووي: هذا هو الصواب، وقيل فيه غير هذا، وهو قولٌ باطل نبهت عليه لئلا يغتر به انتهى.

      وقال في المجموع: قال الشافعي والأصحاب: ويؤمر الصبي بحضور المساجد وجماعات الصلاة؛ ليعتادها، وتحصل فضيلة الجماعة للشخص، بصلاته في بيته أو نحوه، بزوجة أو ولد أو رقيق أو غير ذلك وأقلها اثنان كما مرّ. المجموع (4/1621).

      ومعنى كلام الإمام النووي : أنّ الصلاة في البيت والسوق جماعة ، يضاعف أجرها، كما تضاعف الصلاة في المسجد؟! وأن المقصود بالحديث فضل صلاة الجماعة مطلقا على المنفرد.

وهذا بناء على قولهم: أنّ الجماعة واجبٌ على الكفاية .

وقال آخرون : الصلاة خارج المسجد، ولو في جماعة ، ليست في الفضل كصلاة جماعة المسجد .

      وهذا هو الراجح، أن الصلاة المفضولة عن صلاة المسجد، هي صلاة الرجل جماعةً في بيته أو سوقه مع أهله أو ضيفه وغيرهم،  فهذا وإنْ كان له أجر الجماعة، لكن هذا الأجر لا يُساوي أجر الجماعة في المسجد، كما أنّ الجماعة خارج المسجد خيرٌ من صلاة المنفرد .

     قال الحافظ ابن حجر: قوله: «في بيته وفي سوقه» مقتضاه أن الصلاة في المسجد جماعة، تزيد على الصلاة في البيت وفي السوق جماعة وفرادى، قاله ابن دقيق العيد.

والذي يظهر أن المراد بمقابل الجماعة في المسجد الصلاة في غيره منفردا، لكنه خرج مخرج الغالب، في أنّ من لم يحضر الجماعة في المسجد صلى منفردا.

     وقال: والصلاة في البيت مطلقا، أولى منها في السوق، لما ورد من كون الأسواق موضع الشيطان، والصلاة جماعة في البيت وفي السوق، أولى من الانفراد. الفتح ( 2 / 135 ).

 وقوله: «بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً» ورد في الأحاديث أنها سبعا وعشرين درجة .

قوله: «وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ».

قوله: «ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ» ينهزه أي: لا ينهضه ويقيمه ، فسره بعده بقوله «لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ».

وهذا تنبيهٌ على الإخلاص، وابتغاء وجه الله تعالى بخروجه من بيته للصلاة .

قوله: «فَلَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِد»، الخُطوة بالضم ما بين القدمين ، وبالفتح : المرة الواحدة .

     قوله « كَانَ فِي الصَّلَاةِ ، مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ « أي : هو في صلاة من خروجه من بيته ، إلى رجوعه إليه ، ما كانت الصلاة هي التي تمنعه من رجوعه إلى بيته .

      قوله: «وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ، مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»، مادام في مجلسه، أي : المكان الذي صلى فيه، قال الحافظ ابن حجر: وكأنه خرج مخرج الغالب، وإلا فلو قام إلى بقعة أخرى من المسجد، مستمرا على نية انتظار الصلاة كان كذلك انتهى. ويدل على ذلك أمور:

- الأول: أن المقصود هو إعمار المساجد، والمرابطة فيها، وحبس النفس في أماكن العبادة وقطعها عن المشاغل الدنيوية، وذلك أمر متحقق فيمن بقي في المسجد، ولوانتقل من موضع صلاته.

-  الثاني: أن الانتقال عن موضع الصلاة داخل المسجد فيه مصلحة لذلك المتعبد، فقد يحتاج إلى مصحف، أو انتقال لمكان درس علم أو ينتقل إلى مكان يخلو فيه مع ربه، ومن المستبعد أن ينقص الأجر بسبب الوقوع في أمر هو من مصلحة العبادة .

-  الثالث: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في مصلاه بعد صلاة الفجر، لكن كان ينصرف عن القبلة كي ينصرف أصحابه من بعده، فكان يغير موضعه ويتوجه إلى أصحابه بوجهه، ويبقى كذلك إلى طلوع الشمس.

وقد نص على ذلك غير واحد من أهل العلم:

     قال ابن رجب رحمه الله: هل المراد بـ (مُصلاه) نفس الموضع الَّذِي صلى فِيهِ، أو المسجد الَّذِي صلى فِيهِ كله مصلى لَهُ؟ هذَا فِيه تردد. وقال الإمام زين الدين العراقي رحمه الله : «ما المراد بمصلاه ؟ هل البقعة التي صلى فيها من المسجد حتى لو انتقل إلى بقعة أخرى في المسجد لم يكن له هذا الثواب المترتب عليه ، أو المراد بمصلاه جميع المسجد الذي صلى فيه ؟ يحتمل كلا الأمرين ، والاحتمال الثاني أظهر وأرجح». طرح التثريب (2/367).

    قوله: «يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْه». أي : يدعون الله له بذلك. وهذا من فضائل صلاة الجماعة بالمساجد. ومن فضائل الصلاة على غيرها من العبادات.

 قوله: «مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ»، المراد بالأذى: أذى اللسان ونحوه من الأذى، وفسر أبو هريرة رضي الله عنه الحدث : بحدث الفرج.

أما الإحداث في المسجد فيقطع الأجر الخاص، ودعاء الملائكة، إلى حين الوضوء ورفع الحدث مرة أخرى، وذلك صريح الحديث الشريف.

فإذا توضأ ثم دخل المسجد مرة أخرى، رجع إلى عبادة انتظار الصلاة، وكان من المرابطين في سبيل الله كما صح في الحديث.

     وأجر الجلوس في المساجد بعد الصلوات أجر عظيم ، يناله العاكفون في المسجد كل حسب جلوسه، فمن جلس ساعة نال أجرا بقدرها، ومنْ جلس نهارا كاملا، نال أجرا بقدره، قال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الجمعة : 4).

     قال ابن رجب رحمه الله: «من مكفرات الذنوب: الجلوس في المساجد بعد الصلوات، والمراد بهذا الجلوس: انتظار صلاة أخرى ، كما في حديث أبي هريرة: «وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط».

     فجعل هذا من الرباط في سبيل الله عز وجل، وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها ، فإنّ الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها، ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى ، فإنّ مدته تطول، فإن كان كلما صلى صلاة، جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل.

     وفي المسند وسنن ابن ماجة : عن عبد الله بن عمرو قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فرجع من رجع، وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  مسرعاً قد حَفَزه النفَس، وقد حسر عن ركبته فقال: «أبشروا، هذا ربكم قد فتح عليكم باباً من أبواب السماء، يباهي بكم الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبادي، قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى» مسند أحمد(11/363).

 فائدة : كلما كثرت الجماعة في المسجد، كان الأجر أكثر.

     ففي مغني المحتاج: (وما كثر جمعه) من المساجد كما قاله الماوردي، (أفضل) مما قلّ جمعه منها، وكذا ما كثر جمعه من البيوت أفضل مما قل جمعه منها، فالصلاة في الجماعة الكثيرة، أفضل من الصلاة في الجماعة القليلة فيما ذكر، قال صلى الله عليه وسلم : «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله تعالى». رواه أبو داود وغيره وصححه ابن حبان وغيره . مغني المحتاج (1/230).

والله تعالى أعلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك