رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 30 يوليو، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 55 ) باب : فضل العِشاء والصّبح في جماعة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

327.عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: دَخَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنه الْمَسْجِدَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ، فَقَعَدَ وَحْدَهُ، فَقَعَدْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ».

 الشرح : قال المنذري باب : فضل العِشاء والصّبح في جماعة .

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 454) وبوب عليه النووي (5 /157): باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة .

عبد الرَّحمَنِ بنِ أَبِي عَمْرَةَ هو الأنصاري النجاري، يقال: ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن أبي حاتم: ليست له صحبة، روى له الستة .

 وهذا الحديث في فضل هاتين الصلاتين – العشاء والفجر – في جماعة .

قوله: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْل»، وهذا في فضل صلاة العشاء في جماعة .

  قوله: «وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ، فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّه»، وهذا في فضل صلاة الفجر في جماعة .

وقد اختلف العلماء: هل المقصود أنه لا ينال أجر قيام الليل كله، إلا من صلاهما جميعا؟ أو منْ صلى الفجر في جماعة ينال أجر قيام الليل كله؟

فقال جماعة من أهل العلم : أنه لا ينال أجر قيام الليل إلا من صلاهما جميعا، وأن من صلى واحدة منهما في جماعة، كان كقيام نصف ليلة .

فالحديث قد رواه الترمذي بلفظ: «من شهد العشاء في جماعة، كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة».

     ورواه أبو داود أيضا بلفظ: «منْ صلى العشاء في جماعة، كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة، كان كقيام ليلة». وكلاهما عن عثمان رضي الله عنه.  وعلى هذا أقوال أكثر شرّاح الحديث:

     قال في (عون المعبود شرح سنن أبي داود): فجعل بعضهم حديث مسلم على ظاهره، وأنّ جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة، وصلاة الصبح في جماعة توازي في فضيلتها قيام ليلة، واللفظ الذي خرّجه أبو داود تفسيره، ويبين أن المراد بقوله: «ومنْ صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»، يعني: ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث مصرحة بذلك، وأن كل واحد منهما يقوم مقام نصف ليلة، وأن اجتماعهما يقوم مقام ليلة « انتهى .

      وقال في (تحفة الأحوذي على شرح سنن الترمذي): قلت المراد بقوله: «ومن صلى الصبح في جماعة» في رواية مسلم: أي منضما لصلاة العشاء جماعة، قاله المناوي .وقال القاري في (المرقاة شرح المشكاة) في شرح قوله: «فكأنما صلى الليل كله»، أي: بانضمام ذلك النصف ، فكأنه أحيا نصف الليل الأخير انتهى .

وهذا هو الأظهر جمعا بين الروايتين .

128- باب : التّشديد في التخلّف عن صلاة العِشاء والصّبح في جماعة

 328.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلَاةُ الْعِشَاءِ ، وَصَلَاةُ الْفَجْرِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا ، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ».

الشرح : قال المنذري : باب : التّشديد في التخلّف عن صلاة العِشاء والصّبح في جماعة.

وأورد في الباب حديثين:

الحديث الأول: أخرجه مسلم في المساجد (1 / 451 – 452) وبوب عليه النووي (5 / 154): باب فضل الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها.

     وقد جاء في المسند وعند أبي داود قصة لهذا الحديث: وذلك من حديث أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الصبح، فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا . قال : أشاهد فلان؟ قالوا: لا . قال: «إنّ هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على الرُّكب».

      وقد جاء في الكتاب العزيز ثِقَل الصلوات جميعا على المنافقين، في قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى}(النساء: ).

وفي هذا الحديث: «إن أثقل صلاة على المنافقين هي العشاء والفجر».

والُجمع بينهما : أن جميع الصلوات ثقيلة على المنافقين ، لكن العشاء والفجر أثقل من سائر الصلوات ، لكونهما في وقت نوم وراحة .

وكانت صلاة الفجر مقياس الإيمان عند السلف.

     قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح، أسأنا به الظن. رواه ابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي. لكن لا يُستعجل في الحُـكم على من تخلّف عنها، فقد يكون تخلّفه عن صلاة الجماعة لعذر كمرض أو تعب أو نوم. ولا يعني أن من حافظ على هاتين الصلاتين، أن يترك بقية الصلوات؟!

     بل أن المحافظة على الصلوات الخمس من أسباب دخول الجنة، وإن كان جاء النصّ على فضل العصر والفجر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «من صلى البَرْدَين دخل الجنة». رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى.

وهذا لا يعني أن من لم يُصلِّ سوى العصر والفجر دخل الجنة، ولكن يعني أن مَن حافظ على البردين، فهو لما سواهما أحفظ.

     قوله: «ولو حبواً» حبا الصبي يحبوا حبوا، أي: زحف. قال ابن دريد: إذا مشى على أسته وأشرف بصدره. وقال الحربي: مشى على يديه. نقله القاضي عياض.

قوله: «ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس» الهمّ دون العَزم.

وقال الجرجاني في التعريفات: الهمّ هو عقد القلب على فعل شيء قبل أن يفعل، من خير أو شر.

     وقال النووي: قال بعضهم: في هذا الحديث دليل على أن العقوبة كانت في أول الأمر بالمال؛ لأن تحريق البيوت عقوبة مالية، وقال غيره: أجمع العلماء على منع العقوبة بالتحريق في غير المتخلف عن الصلاة والغالّ من الغنيمة، واختلف السلف فيهما، والجمهور على منع تحريق متاعهما. اهـ .

     وقال الحافظ العراقي: فِيه جَوازُ الْعُقُوبَة بِالْمَالِ مِنْ قَولِهِ: «نُحَرِّقُ بُيُوتًا» وَإِلَيْهِ ذَهَب أَحمَدُ، وذَهَب الْجمهورُ: إلَى أَنَّ الْعُقُوبَاتِ بِالْمَال مَنْسُوخَةٌ بِنَهْيِهِ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَدْ يُقَالُ: هَذَا مِن بَابِ مَا لا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلا بِهِ؛ لأَنَّهُمْ قَدْ يَخْتَفُونَ فِي مَكَان لا يُعلَمُ فَأَرَادَ التَّوَصُّلَ إلَيْهِمْ بِتَحْرِيقِ الْبُيُوتِ. اهـ .

والتعليل بالمنع من العقوبات المالية بإضاعة المال لا يستقيم؛ لأن الذي نهى عن إضاعة المال هو الذي أمر بالعقوبات المالية.

ودعوى النسخ لا يُسلَّم بها، وقد سبق تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الأمر.

     أما سبب عدول النبي صلى الله عليه وسلم عن إيقاع هذه العقوبة، فقد جاء في رواية لأحمد: «لولا ما في البيوت من النساء والذرية، لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار».

وهي وإن كان في سندها شيء، إلا أن معناها صحيح. وأيضا : أنه لا يجوز التحريق بالنار .

     لما روى البخاري: عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرّق قوما، فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من بدل دينه فاقتلوه».

      وفي الصحيحين : من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأُحرِقت، فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح ؟».

 قوله: «ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ» فيه: جواز الاستنابة في الإمامة للحاجة.

وفيه: جواز التخلّف عن الجماعة للمصلحة، كأن يتخلّف المحتسِب على المتخلِّفين عن صلاة الجماعة.

ومثلهم الحراس والشرطة الذين يحفظون الأمن.

وفيه أيضا: دليل على وجوب صلاة الجماعة على الرجال القادرين.

      قال الإمام النووي: هذا مما استدل به من قال: الجماعة فرض عين، وهو مذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وأبي ثور وابن خزيمة وداود. وقال الجمهور: ليست فرض عين، واختلفوا هل هي سنة أم فرض كفاية؟

     وأجابوا عن هذا الحديث بأن هؤلاء المتخلفين كانوا منافقين؟! وسياق الحديث يقتضيه، فإنه لا يُظن بالمؤمنين من الصحابة أنهم يؤثرون العظم السمين على حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده؛ ولأنه لم يحرق بل همّ به ثم تركه، ولو كانت فرض عين لما تركه. اهـ كذا قال.

     والصحيح كما تقدم: وُجوب صلاة الجماعة على غير أهل الأعذار، لأحاديث كثيرة، منها: قوله عليه الصلاة والسلام: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر». رواه ابن ماجة .

 قال الترمذي: وقال بعض أهل العلم: هذا على التغليظ والتشديد، ولا رخصة لأحد في ترك الجماعة إلا من عذر. اهـ .

     ومن الأدلة الدالة على وجوب حضور الجماعة: ما رواه مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخِّص له فيُصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة ؟ فقال: نعم. قال: فأجب .  والحديث فِيه : تَقْدِيمُ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ عَلَى الْعُقُوبَةِ.  قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: وَسِرُّهُ: أَنَّ الْمَفْسَدَةَ إذَا ارْتَفَعَتْ بِالأَهْوَنِ مِنْ الزَّوَاجِرِ، اُكْتُفِيَ بِهِ عَنْ الأَعْلَى .

     وهذا مما يستفاد منه في التربية، في تربية الأولاد، والطلاّب، فيُقدّم الوعيد على مَن فعل كذا – مثلاً – ولكن تؤخّر العقوبة، فإن حصلت الاستجابة، ُجعل مكانها العفو . 

والله تعالى أعلى وأعلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك