رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 19 أغسطس، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 56 )التّشديد في التخلّف عن صلاة العِشاء والصّبح في جماعة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

329.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقَوْمٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثُمَّ أُحَرِّقَ عَلَى رِجَالٍ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجُمُعَةِ بُيُوتَهُمْ».

الشرح:

الحديث أخرجه مسلم في الموضع السابق (1 / 452). الحديث في الترهيب من ترك صلاة الجمعة، وهي واجبة على كل مسلم عاقل بالغ، حر مقيم.

     والأصل وجوب صلاة الجمعة على الأعيان؛ قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿9﴾} (الجمعة: 9).

وقد ورد في التغليظ في ترك الجمعة أحاديث، منها هذا الحديث، وأيضا منها:

1- حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: «لينتهيّنَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجُمعات، أو ليختمنَّ اللّه على قلوبهم، ثم ليَكونن من الغافلين». رواه مسلم وأحمد والنسائي.

2- وحديث أبي الجعد الضمري وله صحبة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «منْ ترك ثلاث جُمع تهاوناً، طبعَ اللّه على قلبه». رواه الخمسة.

ولأحمد وابن ماجة من حديث جابر نحوه.

وأخرجه أيضاً النسائي وابن خزيمة والحاكم بلفظ: «منْ ترك الجمعة ثلاثاً من غير ضرورةٍ، طبع على قلبه» قال الدارقطني:  إنه أصح من حديث أبي الجعد..

3- وحديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «الجمعة حقٌ واجبٌ على مسلم في جماعة، إلا أربعة: عبدٌ مملوك، أو امرأةٌ، أو صبي، أو مريض» رواه أبو داود (1067).

     ولكن إذا وجد عذر شرعي لدى من تجب عليه الجمعة، كأن يكون مسؤولا مسؤولية مباشرة عن عمل يتصل بأمن البلاد، وحفظ مصالحها، كحال رجال الأمن والمرور والمخابرات اللاسلكية، الذين عليهم النوبة وقت النداء الأخير لصلاة جمعة، أو إقامة الصلاة جماعة،  فإنه وأمثاله يعذر بذلك في ترك الجمعة والجماعة لعموم قول الله سبحانه {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم».

     ولأنه ليس بأقل عذرًا ممن يعذر بخوفٍ على نفسه أو ماله، ونحو ذلك، مما ذكر العلماء أنه يُعذر بترك الجمعة والجماعة، ما دام العذر قائما، غير أنّ ذلك لا يُسقط عنه فرض الظهر، بل عليه أن يصليها في وقتها.

ومتى أمكنه فعلها، وجب ذلك عليه كسائر الفروض الخمسة.

     ويشترط للجمعة الجماعة؛ لأنها سميت جمعة، وفي هذا الاسم ما يدل على اعتبار الجماعة فيها، وقد اتفق الأئمة على أن الجمعة لا تصح إلا بجماعة، فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفرداً.

ولكنهم اختلفوا في عدد الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بهم، كما اختلفوا في شروط هذه الجمعة، وسيأتي تفصيل ذلك في باب الجمعة إن شاء الله تعالى.

 129- باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة للعذر

فيه حديثُ عِتبانَ بنِ مالِكٍِِِ رضي الله عنه . وقد تقدَّمَ في (كتاب الإيمان).

130- باب: الأمر بتحسين الصلاة

330.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟! أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟! فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ! إِنِّي وَاللَّهِ لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي، كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ».

الشرح:

قال المنذري: باب: الأمر بتحسين الصلاة.

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1 / 319) وبوب عليه النووي (4/149): باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها.

     قوله «يَا فُلَانُ أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ؟! أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي؟! فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ». وفي رواية أنس رضي الله عنه : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتموا الركوع والسجود»

قال النووي: فيه الأمر بإحسان الصلاة والخشوع، وإتمام الركوع والسجود.

والآيات والأحاديث الآمرة بإتمام الصلاة، وتحسينها والخشوع فيها كثيرة.

     فمن ذلك: أن الله عز وجل جعلها في أول صفات المؤمنين وآخرها، فقال {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (المؤمنون: 1-2)، ثم في آخر صفاتهم قال: {والذين هم على صلواتهم يحافظون}.

     وإذا نظرت إلى القرآن الكريم رأيت الله تبارك وتعالى يأمر بإقامة الصلاة، فلم ترد آية واحدة بغير لفظ «الإقامة»، والتعبير بهذا اللفظ يقتضي إقامتها على الوجه المطلوب كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والعناية بها.

     وقد جاء في الحديث الصحيح: أنّ رجلا دخل مسجد رسول الله  صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم أتى النبي  صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فرد عليه بقوله: «وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل». فعاد فصلى ثم أتى فسلم عليه، فرد عليه بمثل ما رد عليه، فلما كان في المرة الثالثة قال الرجل: والذي بعثك بالحق، لا أحسن غير هذا فعلمني. فعلمه عليه الصلاة والسلام كيف يصلي، وأرشده إلى الطمأنينة في جميع أركان الصلاة وواجباتها.

     وأسوأ الناس سرقة، -ليس هو سارق المسجد أو سارق مال الفقير أو اليتيم- كلا؛ بل قال عليه الصلاة والسلام: «أسوأ الناس سرقة، الذي يسرق من صلاته». قالوا: وكيف يسرق من صلاته؟. قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها». رواه أحمد.

     قوله «إِنِّي وَاللَّهِ، لَأُبْصِرُ مِنْ وَرَائِي، كَمَا أُبْصِرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» وفي رواية: «هل ترون قِبْلتي هاهنا، فوالله ما يخفى علي ركوعكم ولا سجودكم، إني لأراكم وراءَ ظهري».

وفي رواية «أقيموا الركوع والسجود، فوالله إني لأراكم من بعدي إذا ركعتم وسجدتم».

     قال العلماء: معناه أنّ الله تعالى خَلق له صلى الله عليه وسلم إدراكا في قفاه، يبصر به من ورائه، وقد انْخرقتْ العادة له صلى الله عليه وسلم بأكثر من هذا، وليس يمنع من هذا عقلٌ ولا شرع، بل ورد الشرع بظاهره، فوجب القول به.

قال القاضي: قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى، وجمهور العلماء: هذه الرؤية رؤية بالعين حقيقة.

     والحديث فيه: جواز الحلف بالله تعالى من غير ضرورة، لكن المستحب تركه إلا لحاجة، كتأكيد أمر وتفخيمه، والمبالغة في تحقيقه، وتمكينه من النفوس، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من الحلف، قاله النووي.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك