رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 سبتمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 57 ) باب: في اعتدال الصلاة وإتمامها

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

331.عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ: رَمَقْتُ الصَّلَاةَ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ، فَرَكْعَتَهُ، فَاعْتِدَالَهُ بَعْدَ رُكُوعِهِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَسَجْدَتَهُ، فَجَلْسَتَهُ مَا بَيْنَ التَّسْلِيمِ وَالِانْصِرَافِ، قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.

الشرح:  قال المنذري: باب في اعتدال الصلاة وإتمامها.

والحديث رواه مسلم في الصلاة، وبوب عليه النووي: باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام.

والحديث رواه البخاري أيضا.

وزاد َفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ: مَا خَلا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ، قَرِيباً مِنْ السَّوَاءِ.

     ونحوه هذا الحديث: قول أنس رضي الله عنه في الحديث الآخر: «ما صليت خلف أحدٍ أوجز صلاة من صلاة رسول الله [، في تمام».

     وهذه الأحاديث وصفٌ لتوازن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في أركانها، وأنها مُتقارَبة في الطول، فالقيام والركوع، والسجود والجلوس بين السجدتين، قريب من السواء، أي أن هذه الأفعال قريبة من بعضها في الطُّول، فإذا أطال القراءة والقيام، أطال الركوع والسجود وما بعدها، وإذا خفف القراءة والقيام، خفف الركوع والسجود وما بعدها.

والقُرب في الطول أمرٌ نسبي.

 ورواية البخاري تدل على أن القيام أطول من بقية الأركان، كما تدل على أن القعود كذلك أحياناً.

قال النووي: وهذا يدل على ان بعضها كان فيه طول يسير على  بعض، وذلك في القيام، ولعله أيضا في التشهد.

     قال: هذا الحديث محمول على بعض الأحوال، وإلا فقد ثبتت الأحاديث بتطويل القيام، وأنه كان صلى الله عليه وسلم  يقرأ في الصبح بالستين إلى المائة، وفي الظهر بـ (آلم تنزيل السجدة).

     وأنه كان تقام الصلاة، فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يرجع فيتوضأ، ثم يأتي المسجد، فيدرك الركعة الأولى.

     هذا بحسب الصلاة مِن جهة، ومن جهة أخرى فالصلاة الرباعية تختلف عن غيرها، فالركعتان الأوليان أطول من الأخريين.

     ويدل على ذلك: حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الصحيحين، وفيه: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأرْكد في الأوليين، وأخفّ في الأخريين.

     وفي رواية لهما: أما أنا فأمـدّ في الأوليين، وأحذف في الأخريين، ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

     وكذا في حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يُطوّل في الأولى ويقصر في الثانية، ويُسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يُطول في الأولى، وكان يُطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية. رواه البخاري ومسلم. ونحوه في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، الذي رواه مسلم.

 باب منه

 332.عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي لَا آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ، كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِنَا، قَالَ: فَكَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَصَبَ قَائِمًا، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ، مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ قَدْ نَسِي.

 الشرح:  وهو في الباب السابق من صحيح مسلم. وقد رواه البخاري في صحيحه (821).

 قوله «لا آلـو» أي: لا أُقَصِّر.

     ومعناه: لا أقصِّر ما استطعت من صلاتي بكم، كصلاة رسول الله [، وهذا يدل على أنه كان يجتهد في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وفِعلاً.

     قوله «كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، انْتَصَبَ قَائِمًا، حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ»  فيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع أطال القيام.

      وفي هذا دلالة على جواز طول بعض الأركان على بعض، وأن القُرب من السواء، أمرٌ نسبي، كما تقدّم في الحديث السابق.

     وفيه أيضا: أنّ السُنة عدم الاقتصار على قول «ربنا ولك الحمد » كما تقدّم، وأنه يقول غير ذلك مما وَرَد في الأحاديث الصحيحة. لأن هذا الموضع موضع ثناء وذِكر لله عز وجل.

     وقد تقدّم أن رجلا قال لما رَفَع رأسه من الركوع: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها، أيهم يكتبها أول». والحديث فيه: الرد على من لا يطمئن في صلاته، فلا يَجعل بين الركوع والسجود فاصلاً.

وفيه أيضا: أن مجرد ظنّ المأموم أن الإمام أخطأ، لا يُشْرَع معه تنبيه الإمام، حتى يتيقّنَ ذلك.

     فقول أنس رضي الله عنه : «حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» فيه إشعار بأن المأموم قد يظن أن الإمام نسي، ومع ذلك لم يُشرع له تذكير إمامه، إلا إذا تيقّن نسيانه، أو وقوعه في الخطأ والسهو.

     وفيه أن القائل: « حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» هو أنس رضي الله عنه، كما جاء في رواية للبخاري من طريق ثابت قال: كان أنس يَنْعَت لنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فكان يصلي، وإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نَسِي.

      ويؤيِّد ذلك رواية لمسلم: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده، قام حتى نقول: قد أوْهَم، ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.

وهو بمعنى الرواية الأولى.

     وهذه السُّنة - وهي سُنة إطالة القيام بعد الركوع، وإطالة الجلوس بين السجدتين - من السُنن المهجورة في الصلاة، فقد هجرها أكثر المصلين، مع سهولة فعلها، وصحة الدليل فيها، والله المستعان.

     قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد (1/330): «وهكذا الثّابتُ عنه في جمِيع الْأَحاديثِ، وفي الصّحِيحِ: عَنْ أَنَسٍ رَضي اللّهُ عنه: «كان رسولُ اللّهِ صلّى اللهُ عليه وسلم يَقْعُدُ بيْن السّجْدَتَيْنِ حَتّى نَقُولَ: قَدْ أَوْهَمَ» وهذه السّنّةُ تَرَكها أَكْثَرُ النّاسِ منْ بعد انْقِرَاضِ عَصْرِ الصّحَابَةِ، ولهَذا قَال ثابتٌ: وكان أَنَسٌ يَصْنَعُ شيْئًا لا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ، يَمْكُثُ بَيْنَ السّجْدَتَيْنِ حَتّى نَقُولَ قَدْ نَسِيَ أَوْ قَدْ أَوْهَمَ»، وأَمّا مَنْ حَكّمَ السّنّةَ، ولمْ يَلْتفتْ إلى ما خالفها، فإِنّه لا يَعْبَأُ بما خَالفَ هذا الهَديَ».

فدل هذا أنها كانت في زمن التابعين سنة غير مشهورة، خفيت على كثير من الناس، فسبحان الله العظيم؟!

     قوله «وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ، مَكَثَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِي» وقد تقدّم ماذا يقول بعد القيام من الركوع، وأما ما يقول بين السجدتين، فهو قوله: ربّ اغفر لي، ربّ اغفر لي، يكررها.

     ففي حديث حذيفة رضي الله عنه: وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: «ربّ اغفر لي. رب اغفر لي». رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة.

     وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني». رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة، وفي رواية ابن ماجة: أنه كان يقوله في صلاة الليل.

قال الترمذي: وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، يَرون هذا جائزا في المكتوبة والتطوع.

والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك