رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 16 سبتمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 59 ) باب: الأمر بالسكون في الصلاة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

334.عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ، كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ، اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَرَآنَا حَلَقًا، فَقَالَ: «مَالِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟!» قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

      الشرح:  قال المنذري: باب: الأمر بالسكون في الصلاة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/322) وبوب عليه النووي: باب: الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام، وإتمام الصفوف الأُوَل، والتراص فيها والأمر بالاجتماع.

     قوله صلى الله عليه وسلم : «ما لي أراكم رافعي أيديكم؟ كأنها أذناب خيلٍ شُمس» مالي أراكم، استفهام استنكاري، وشمس: هو بضم الشين وإسكان الميم وضمها، وهي الخيلُ التي لا تستقر، بل تضطرب وتتحرك بأذنابها وأرجلها، والمراد بالرفع المنهي عنه هنا: رفعهم أيديهم عند السلام، مشيرين إلى السلام من الجانبين، كما صرح به في الرواية الثانية، وهي قوله: «كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلامُ عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «علام تُومئون بأيديكم كأنها أذنابُ خيلٍ شمس؟! إنما يكفي أحدكم أن يضعَ يده على فخذه، ثم يُسلم على أخيه من على يمينه وشماله».

وفي الرواية الثالثة قال: «ما شأنكم تشيرون بأيديكم، كأنها أذناب خيلٍ شمس؟ إذا سلّم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يُومئ بيده».

     وهو من النهي عن مشابهة بعض الحيوانات في بعض أفعال الصلاة، فمن ذلك: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الإنسان في صلاته كافتراش السبع، كما في حديث عائشة رضي الله عنها  قالت: «.. وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وينهى أن يفترش الرجل ذراعية افتراش السبع». رواه مسلم.

وعند أحمد والنسائي: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم  عن ثلاث: عن نقرة الغراب، وعن افتراش السبع، وأن يوطن الرجل المقام كما يوطن البعير».

وفيه: الأمر بالسكون في الصلاة، والخشوع فيها والإقبال عليها.

قوله: «فرآنا حلقا» هو بكسر الحاء وفتحها، لغتان، جمع حلقة بإسكان اللام، وحكى الجوهري وغيره فتحها في لغة ضعيفة.

قوله: «ما لي أراكم عزين» أي: متفرقين جماعة جماعة، وهو بتخفيف الزاي الواحدة (عزة)، كما في قوله: {فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ} (المعارج:36-37).

ومعناه: النهي عن التفرق، والأمر بالاجتماع.

     وفي الحديث في مسند الإمام أحمد: عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال: «كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلاً، تفرقنا في الوديان والشعاب، فقال لنا عليه الصلاة والسلام ذات يوم: «إنما تفرّقكم هذا من عمل الشيطان» قال أبو ثعلبة: فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا، حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا.

فالنبي عليه الصلاة والسلام أنكر ذلك عليهم وقال: «إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان».

     قال العلامة الألباني رحمه الله: «وأين هذا؟ في الصحراء، فما بالكم في مجالس العلم؟! ولذلك فخلاف السنة تكبير الحلقة، وإنما تصغيرها ما أمكن ذلك، ولذلك فجلوسهم هكذا صفين فقط  ، ويبقى هناك فراغ يمكن سده، فهذا خلاف السنة.

     فنحن نذكر في مثل هذه المناسبة دائماً وأبداً: أن مثل هذا التوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم ، ومثل هذا الاهتمام بتجميع المسلمين في أبدانهم وفي أشخاصهم، لم يكن ذلك من باب الاهتمام بالظاهر فقط دون إصلاح الباطن! ذلك لأنه من المقرر -شرعاً- أن إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن، وهذا صريح في قوله عليه الصلاة والسلام المعروف: «ألا وإنّ في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».

     فصلاح الجسم من الناحية المادية والصحية البدنية، يتعلق بصلاح القلب وصحته، فإذا كان القلب في جسد صاحبه سليماً، فلا يمكن أن يكون الجسد إلا سليماً، والعكس بالعكس؛ إذا فسد القلب مرض الجسد، هكذا يقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه، مذكراً لنا بوجوب الاهتمام في إصلاح الظاهر؛ لأن هذا الإصلاح يكون أولاً: دليلاً على صلاح الباطن، ثم يكون هناك تعاون بين الظاهر والباطن.

     قال: وأكثر من ذلك: قوله عليه السلام حينما كانت تقام الصلاة، فلا يكبر حتى يأمر بتسوية الصفوف، ويقول لهم: «لتُسوُّن صفوفكم، أو ليُخالفنّ الله بين قلوبكم» إذاَ الاختلاف في الصفوف يؤدي إلى الاختلاف في القلوب، والاستواء في الصفوف يؤدي إلى استواء القلوب وتحببها وتجمعها، ونحو ذلك، لهذا كان عليه السلام يهتم بإصلاح الظاهر وإصلاح البدن، وقديماً قالوا: صلاح الأبدان كصلاح الأديان، فكل منهما مرتبط مع الآخر. انتهى من سلسلة الهدى والنور (524)

قوله «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» ألا للتحضيض والحث.

قوله «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

     فيه الأمر بإتمام الصفوف الأُول، والتراص في الصلاة، ومعنى إتمام الصفوف الأُول: أنْ يتم الأول، ولا يشرع في الثاني حتى يتم الأول، ولا في الثالث حتى يتم الثاني، ولا في الرابع حتى يتم الثالث، وهكذا إلى آخرها.

وإذا كان هذا هو الإرشاد النبوي لإتمام الصفوف، فمن باب أولى ألا تكون في المسجد الواحد أكثر من جماعة في وقلت واحد!

     كما كانت هذه البدعة في المسجد الحرام، في عصر بعض ملوك الجراكسة في أوائل المائة التاسعة من الهجرة، واستمرت زمنا طويلا، كما ذكره الشوكاني في «إرشاد السائل إلى دليل المسائل» (انظر السراج الوهاج لصديق حسن 2/73).

وكذا كانت في المسجد الأموي وغيرهما، فيصلي أهل كل مذهب مع إمامهم في أربعة محاريب؟!

والحديث فيه: أن الملائكة يصلون، وأن صفوفهم على هذه الصفة.

     قال النووي: وفيه: أن السُنّة في السلام من الصلاة أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، والسلام عليكم ورحمة الله عن شماله، قال: ولا يسن زيادة (وبركاته) وإن كان قد جاء فيها حديث ضعيف، وأشار إليها بعض العلماء، ولكنها بدعة إذ لم يصح فيها حديث؟! بل صح هذا الحديث وغيره في تركها، والواجب منه السلام عليكم مرة واحدة، ولو قال: السلام عليك بغير ميم لم تصح صلاته. كذا قال؟ وقد مضى التعليق عليه فيما مضى.

قال: وفيه دليل على استحباب تسليمتين، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور.

قوله: «ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله» المراد بالأخ الجنس، أي: إخوانه الحاضرين عن اليمين والشمال.

 والله أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك