رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 سبتمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 60 ) باب: الإشارة برد السّلام في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

335.عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ - قَالَ قُتَيْبَةُ -: يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَلَمَّا فَرَغَ دَعَانِي، فَقَالَ: «إِنَّكَ سَلَّمْتَ آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي»، وَهُوَ مُوَجِّهٌ حِينَئِذٍ قِبَلَ الْمَشْرِقِ.

الشرح: قال المنذري: باب: الإشارة برد السّلام في الصلاة.

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 383) وبوب عليه النووي (5/28): باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة.

     قوله «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنِي لِحَاجَةٍ، ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يَسِيرُ - قَالَ قُتَيْبَةُ -: يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إِلَيَّ» أي: أنه لم يرد عليه، إنما أشار برد السلام بدلا من الكلام.

وفيه: منع رد السلام في الصلاة باللفظ، وقد وردت فيه أحاديث، منها هذا الحديث، ومنها أيضا:

1- حديث حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه، حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة: 238}. فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام».أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

2- حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «كنَّا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلّمنا عليه فلم يرد علينا»، وقال: «إنّ في الصلاة شغلاً». رواه البخاري (1141) ومسلم (538).

3- حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ، فانه تكلم في الصلاة، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهو الحديث الآتي بعد هذا الباب.

     فحديث زيد وابن مسعود رضي الله عنهما دليل على أنهم كانوا أول ما فُرضت الصلاة، يتكلمون في الصلاة، كأنهم احتاجوا أن يتسامح معهم ؛ لكونهم حديثي عهد بالإسلام، فرخص لهم في أن يكلم أحدهم صاحبه في حاجته، أو يرد عليه السلام ونحو ذلك، ثم بعدما عقلوا وفهموا، نُهوا عن الكلام في الصلاة، لأن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ؛ فإن الصلاة عبادة ومناجاة، وقيام بين يدي الله تعالى.

والأحاديث السابقة تدل على تحريم رد السلام والكلام في الصلاة.

     قال النووي: هذه الأحاديث فيها فوائد، منها: تحريم الكلام في الصلاة، سواء كان لمصلحتها أم لا، وتحريم رد السلام فيها باللفظ، وأنه لا تضر الإشارة، بل يستحب رد السلام بالإشارة، وبهذه الجملة قال الشافعي والأكثرون. انتهى

     وقوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (البقرة:238)، فالقيام لله معناه: الوقوف في الصلاة، والقنوت أيضا: هو دوام الطاعة، ولكن هنا يفهم من القنوت: الخشوع والسكوت والسكون، والخشوع يستلزم الإقبال على الصلاة، وأن التكلم في نفس الصلاة فيه شيء من المنافاة للقنوت ؛ فلأجل ذلك أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام.

     والكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي يكون خارجاً عن الصلاة وقراءتها وأذكارها، ولا يتعلق بمصلحتها، ومعلوم أن الصلاة ليس فيها سكوت مطلق، بل المصلي لا يسكت إلا إذا كان خلف الإمام في الجهرية، فإنه يسكت ويستمع لقراءته إلا الفاتحة، وكذلك المأموم في السرية يقرأ، وكذلك في الركوع كل منهم يسبح، يقول: «سبحان ربي العظيم»، وفي الرفع بعد الركوع يأتي بالحمد والثناء على الله تعالى، وفي السجود يسبح ويثني على الله، وفي جلسته بين السجدتين يستغفر، وفي التشهد يتشهد، فليس في الصلاة سكوت بل فيها كلام، ولكنه مناجاة بين العبد وربه.

     فالكلام الذي نُهوا عنه هو الكلام الذي كان بين بعضهم البعض، فيأمر أحدهم صاحبه بحاجته، ويكلم خادمه، ويردون السلام بالكلام ونحو ذلك، ثم نهوا عن ذلك وأمروا أن يتركوا الكلام الذي لا صلة له بالصلاة.

     أما الكلام لمصلحة الصلاة، كما إذا سها إمامهم ولم يجدوا بداً من أن يفتحوا عليه، ففي هذه الحال لهم أن يكلموه بقدر الحاجة لا أكثر، وذلك إذا لم يفهم فيتكلمون معه بقدر الحاجة، كما جاء في حديث ذي اليدين رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين وانصرف، واعتقد أن الصلاة قد تمت، فتكلم معه ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: «لم أنس ولم تقصر!»، فقال: بلى قد نسيت، فقال: «أكما يقول ذو اليدين؟» فقالوا: نعم،... الحديث.

     فكل هذا كان كلاما ليس من جنس الصلاة، ولكنه من مصلحتها، فقال الفقهاء: للمأمومين أن يكلموا إمامهم إذا سها ولم يفهم إلا بإيضاح ذلك، وإنْ كان بجزء آية فهو أحوط.

ولا خلاف بين الفقهاء: في استقرار تحريم الكلام في الصلاة، وأنّ من تكلم عامداً عالما، فسدت صلاته (كما في الإجماع لابن المنذر).

     واختلفوا في كلام الساهي والجاهل؟ فحكى الترمذي عن أكثر أهل العلم: أنهم سووا بين كلام الناسي والعامد والجاهل؟! واليه ذهب الثوري وابن المبارك، وبه قال النخعي وأبو حنيفة.

     وذهب قومٌ إلى الفرق بين كلام الناسي والجاهل، وبين العامد، وحكى ذلك ابن المنذر عن ابن مسعود وابن عباس وعبدالله بن الزبير، ومن التابعين: عروة وعطاء والحسن البصري، وممن قال به مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وابن المنذر، وهو الصحيح الراجح.

واحتجوا بأحاديث منها:

1- عدم فساد صلاة المتكلم الناسي، ودليله: أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم في حال السهو، وبنى عليه، كما في حديث ذي اليدين، في البخاري وغيره.

2- عدم فساد صلاة المتكلم الجاهل، ودليله: حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ، فانه تكلم في الصلاة، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالإعادة.

4- حديث: «وضع عن أمتي الخطأ والنسيان».

واختلفوا في حكم رد السلام بالإشارة إلى قولين:

القول الأول: يكره للمصلي رد السـلام بالإشارة وهو في الصلاة، وبه قال الحنفية؟!

القول الثاني: يشرع للمصلي رد السلام بالإشارة بيده أو برأسـه، وإن شاء رد عليه باللفظ بعد فراغه من الصلاة. وبه قال جمهور الفقهـاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

وقد استدل الحنفية بما يأتي:

1 - حديث ابن مسعود رضي الله عنه السابق، وفيـه قوله صلى الله عليه وسلم : «إن في الصلاة شغلا».

ووجه الدلالة:

أن الحديث دل بعمومه على منـع رد السلام في الصـلاة مطلقا، سـواء كان باللفظ أو بالإشارة، وإلا لاستثنيت.

2 - أن الإشارة كلام معنى.

3 - أنها تفضي إلى ترك سنة وضع اليد في الصلاة على الأخرى!

أما أدلة الجمهور: فقد استدلوا بما يأتي:

1 - بحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة، ثم أدركته وهو يصلي فسلمت عليه، فأشـار إلي، فلما فرغ دعاني فقال: إنك سلمت آنفا وأنا أصلي». وهو حديث الباب.

2 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم  مسجد قباء ليصلي فيه، فدخل عليه رجالٌ يسلّمون عليه، فسألت صهيبا وكان معه: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم  يصنع إذا سُلم عليه؟ قـال: كان يشير بيده».

3 - حديث صهيب رضي الله عنه قال: «مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فرد إشارة».

أما دليل من قال بتأخير رد السلام إلى ما بعد الانتهـاء من الصلاة: فحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : حين سلم على رسـول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فلم يرد السلام، فلما فـرغ صلى الله عليه وسلم من صلاتـه قال: إنّ الله يُحدث من أمره ما يشاء، وإنّ الله قد أحدث من أمره أن لا تكلموا في الصلاة، فرد عليه السلام.

وهذا مما يدل على جواز الأمرين، والله أعلم 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك