رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 11 مايو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 135 ) باب: الصلاةُ في الرِّحال في المَطر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

443.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فقال في آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ، ثُمَّ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : «كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِي السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ».

الشرح:  قال المنذري: باب: الصلاةُ في الرحال في المطر.

والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/484) وبوب عليه النووي: باب الصلاة في الرحال في المطر.

وقد رواه البخاري في الأذان (666) باب: الرخصة في المطر والعلة أن يُصلى في رحله.

قال الأزهري وغيره: الرِّحال: المنازل، سواء كانت من مَدَر أم شعر ووبر أم غير ذلك، والوحَل، بفتح الحاء على اللغة المشهورة. قال الجوهري: ويقال بإسكانها في لغة رديئة.

قوله «أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ» نادى بالصلاة، أي: أذّن لها.

قوله: «فقال في آخِرِ نِدَائِهِ» وفي رواية البخاري: «ثم يقول على أثره» وهو صريح أن قوله «أَلَا صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ» كان بعد فراغ الأذان، قاله الحافظ (الفتح 2/113).

وقال القرطبي: يحتمل أن يكون المراد في آخره، قبيل الفراغ منه، جمعاً بينه وبين حديث ابن عباس. انتهى

وقد اتفق الفقهاء -رحمهم الله- على مشروعية قول المؤذن عند المطر أو الريح أو البَرد: ألا صلُوا في رحالكم، أو: الصلاة في الرِّحال، حكاه النووي وابن عبد البر في التمهيد (3 /56-57).

 واستدلوا على ذلك بحديث الباب، وبأدلة أخرى منها:

1- ومنها حديث أسامة الهذلي رضي الله عنه : أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي  صلى الله عليه وسلم مناديه: أن الصلاة في الرحال. رواه أحمد برقم (20976) وأبو داود برقم (1057) وصححه الألباني.

2- ومنها: ما جاء عنه أيضاً أنه قال: لقد رأيتنا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، وأصابتنا سماء لم تبل أسافل نعالنا، فنَادى مُنادي رسول الله  صلى الله عليه وسلم : «صَلُوا في رِحالكم». رواه ابن ماجة برقم (936)، وصححه الألباني.

- أين موضعها من الأذان:

اختلف الفقهاء -رحمهم الله- في موضعها، بعد اتفاقهم على مشروعيتها: هل تقال أثناء الأذان، أم بعد الفراغ منه؟ على أربعة أقوال:

القول الأول: أنها تقال أثناء الأذان بدلاً من الحَيعلة، وهو وجه للشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة.

ودليله: حديث عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: «خطبنا ابن عباس في يوم ردغ، فلما بلغ المؤذن «حيَّ على الصلاة» فأمره أنْ ينادي: «الصلاة في الرِّحال»، فنظر القوم بعضُهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عَزمة». رواه البخاري برقم (616).

والردغ: طين ووحل كثير. وعزمة: أي حقٌ وواجب. النهاية

القول الثاني: أنها تقال في أثناء الأذان، ولكن بعد الحيعلة، فيجمع بينها وبين الحيعلة، وهو وجه للشافعية. المجموع (3 /136).

ودليله: حديث نعيم بن النحام رضي الله عنه قال: سمعت مؤذن النبي  صلى الله عليه وسلم  في ليلة باردة وأنا في لحاف، فتمنيت أنْ يقول: صلوا في رحالكم، فلما بلغ حي على الفلاح، قال: صلوا في رحالكم، ثم سألت عنها فإذا النبي  صلى الله عليه وسلم  كان أمر بذلك. رواه عبد الرزاق في مصنفه برقم (1926) وأحمد في مسنده برقم (17933)، وهو حسن بطرقه.

القول الثالث: أنها تقال بعد الفراغ من الأذان، وهو مذهب الحنفية والمالكية، ووجه للشافعية.

ودليله: ما روى البخاري ومسلم: عن نافع قال: أذَّن- ابن عمر رضي الله عنهما- في ليلةٍ باردة بضَجْنان، ثم قال: «صلوا في رحالكم»، فأخبرنا أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  كان يأمر مُؤذناً يؤذن، ثم يقول على إثره: ألا صلوا في الرحال، في الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر. رواه البخاري (632) ومسلم (697).

وضَجْنان: جبل بناحية مكة.

القول الرابع: أنَّ الأمر في هذا واسع، وهو الراجح والله أعلم، سواءً قالها في أثناء الأذان، أم بعد الفراغ منه فكله جائز، والأولى بعد الفراغ منه، وهو رأي لبعض الحنفية، ومذهب الشافعية. الأم (1 /88).

ودليل هذا القول: هو جمع ما تقدم من الأحاديث، ولكن قولها بعد الأذان أفضل ليبقى نظم الأذان على وضعه. شرح مسلم للنووي (2 /207) وغيره.

- الأصل وجوب الجماعة:

والحديث دليل على وجوب الجماعة على الرجل القادر، ولو في السفر، إذا لم يكن له عذرٌ يمنعه منها، وهو من الأدلة الكثيرة في هذا الباب.

ومنها: قوله  صلى الله عليه وسلم : «مَنْ سَمِع النِّداء فلم يأتِ، فلا صلاةَ له إلا منْ عُذر». رواه ابن ماجة وغيره، وصححه الشيخ الألباني.

وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنّ رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد، فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي  صلى الله عليه وسلم : «هل تسمع النداء للصلاة؟» قال: نعم، قال: «فأجب».

     وفي صحيح مسلم أيضا: عن عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه أنه قال: «مَنْ سرّه أنْ يلقى اللهَ غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإنَّ الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سُنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يُصلي هذا المتخلّف في بيته، لتَركتم سُنة نبيكم، ولو تركتم سُنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلّف عنها إلا منافقٌ أو مريض، ولقد كان الرجل يُؤتى به يُهادى بين الرجلين، حتى يُقام في الصف». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

فعلى المسلم المبادرة بالحضور إلى صلاة الجماعة في جميع الصلوات المفروضة في المسجد، فمن سمع النداء لا يسعه التخلف عنه إلا لعذر، كما قال   صلى الله عليه وسلم .

     قال النووي: «قال أصحابنا: تسقط الجماعة بالأعذار، سواء قلنا: إنها سُنة أم فرض كفاية، أم فرض عين؛ لأنا، وإنْ قلنا: إنها سُنة فهي سنة متأكدة، ويكره تركها كما سبق بيانه، فإذا تركها لعذر زالت الكراهة، وليس معناه أنه إذا ترك الجماعة لعذر تحصل له فضيلتها، بل لا تحصل له فضيلتها بلا شك، وإنما معناه سقط الإثم والكراهة.

قال: واتفق أصحابنا على أنَّ المطر وحده عذر، سواء كان ليلا أم نهارا.

وفي الوحل وجهان: الصحيح الذي قطع به المصنف والجمهور: أنه عذرٌ وحده، سواء كان بالليل أم النهار. والثاني: ليس بعذر، حكاه جماعة من الخراسانيين.

قال (فرع): البردُ الشديد عذرٌ في الليل والنهار، وشدة الحر عذرٌ في الظهر، والثلج عذر إنْ بلّ الثوب، والريح الباردة عذرٌ في الليل دون النهار.

قال الرافعي: ويقول بعض الأصحاب: الريح الباردة في الليلة المظلمة.

قال: وليس ذلك على سبيل اشتراط الظلمة». انتهى من المجموع (3 /136).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك