رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 7 أكتوبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 62 ) باب: التَّسْبِيحُ للحاجة في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

338-عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ». وفي رواية: « في الصلاة».

 الشرح: قال المنذري : باب: التَّسْبِيحُ للحاجة في الصلاة.  والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/ 318) وبوب عليه النووي : باب تسبيح الرجل، وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة.

 قوله: «التسبيح للرجال» أي: قول سبحان الله إذا ناب المصلي شيء في الصلاة، أو أراد تنبيه الإمام لسهوه أو خطئه.

     قوله: «والتصفيق للنساء» قال الإمام النووي : السُّنة لمن نابه شيءٌ في صلاته؛ كإعلام من يستأذن عليه، وتنبيه الإمام وغير ذلك، أن يسبح إنْ كان رجلاً؛ فيقول: سبحان الله، وأن تُصفِّق وهو التصْفيح إن كانتْ امرأةً؛ فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كفٍّ على بطن كفٍّ على وجه اللعب واللهو، فإن فعلت هكذا على جهة اللعب، بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة.  (شرح مسلم : 4 / 146).

      وقد وقع في بعض الروايات: «التّصفيح للنساء» قال الحافظ زين الدين العراقي: المشهور أن معناهما واحد، قال عقبة: والتصفيح التصفيق، وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري. وقال ابن حزم: لا خلاف في أنّ التصفيح والتصفيق بمعنى واحد، وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى. 

     فتعقبه العراقي بقوله: وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد! بل فيه قولان آخران أنهما مختلفا المعنى، أحدهما : أن التصفيح: الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى، والتصفيق: الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى. حكاه صاحب الإكمال وصاحب المفهم ، والقول الثاني: أن التصفيح الضرب بأصبعين للإنذار والتنبيه، وبالقاف بالجميع للهو واللعب.

      وروى أبو داود في سننه ( 942 )عن عيسى بن أيوب قال: قوله: «التصفيح للنساء» تضرب بأصبعين من يمينها على باطن الكف اليسرى.  والحديث دليل: على جواز التسبيح للرجال في الصلاة، والتصفيق للنساء إذا ناب أمرٌ من الأمور.  وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود: من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعا: «منْ نابه شيءٌ في صلاته فليسبّح، فإنما التصفيقُ للنساء» وحديثه طويل في إمامة أبي بكر رضي الله عنه، وهذا طرف منه.

 وقال الترمذي - بعد روايته لحديث الباب - ( 369 ) : قال علي : كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح.

     وهذا الأثر أخرجه أحمد وابن ماجة والنسائي وصححه ابن السكن. وقال البيهقي: هذا مختلفٌ في إسناده ومتنه، وقيل: سبح، وقيل: تنحنح، ومداره على عبد الله بن نجي، قال الحافظ: واختلف عليه فيه، فقيل: عن علي، وقيل: عن أبيه عن علي، قال البخاري: فيه نظر، وضعفه غيره ووثقه النسائي وابن حبان، وقال يحيى بن معين: لم يسمعه عبد الله عن علي بينه وبين علي أبوه.  

وقد استدل به على جواز التنحنح في الصلاة للحاجة.

     وهل يجوز للمرأة  أن تعدل عن التصفيق إلى التسبيح ؟ فيقال: الأولى بها أن تقتصر على ما ورد في الحديث، وهذا يدل على أن الإسلام حرص على ستر المرأة، فإنّ التسبيح وإنْ كان من جنس الصلاة، إلا أنه عدل عنه إلى التصفيق من باب المبالغة في التستر.

 ولو عدل الرجل عن التسبيح إلى التصفيق؟

     فيقال: هذا لا يجوز في حقه في الصلاة؛ لأنه نوعٌ من العبث، بل إن التصفيق خارج الصلاة في الزمن المعتاد مختلف فيه بين أهل العلم، فمنهم من يرى جوازه؛ لأن النهي الوارد فيه إنما هو نهي عن تصفيق الكفار عندما يأتون بالعبادة، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً}(الأنفال: 35). هو الصفير (وَتَصْدِيَةً) وهو التصفيق.

 ولم يرد الشرع بالتصفيق في شيء من العبادات، إلا للمرأة في الصلاة، إذا حدث ما يقتضي التنبيه عليه، للأحاديث الواردة. 

     وقال الحافظ شمس الدين بن القيم قوله في الحديث: «وليصفق النساء» دليل على أن قوله في حديث سهل بن سعد المتفق عليه: «التصفيق للنساء»  أنه إذنٌ وإباحة لهن في التصفيق في الصلاة ، عند نائبة تنوب، لا أنه عيبٌ وذم. 

     قال الشافعي: حكم النساء التصفيق، وكذا قاله أحمد.  وذهب مالك: إلى أن المرأة لا تصفق، وأنها تسبح! واحتج له الباجي وغيره بقوله «من نابه شيء في صلاته فليسبح».

قالوا: وهذا عام في الرجال.

قالوا: وقوله: «التصفيق للنساء» هو على طريق الذم والعيب لهن، كما يقال «كفران العشير» من فعل النساء! وهذا باطل من ثلاثة أوجه:

     أحدها: أن في نفس الحديث تقسيم التنبيه بين الرجال والنساء، وإنما ساقه في معرض التقسيم، وبيان اختصاص كل نوعٍ بما يصلح له، فالمرأة لمّا كان صوتها عورة، مُنعتْ من التسبيح، وجُعل لها التصفيق، والرجل لما خالفها في ذلك شرع له التسبيح. 

     الثاني: أن في الصحيحين: من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله  التسبيح للرجال والتصفيق للنساء فهذا التقسيم والتنويع صريح في أن حكم كل نوع ما خصه به، وخرجه مسلم بهذا اللفظ، وقال في آخره: «في الصلاة».

الثالث: أنه أمر به في قوله: «وليصفق النساء» ولو كان قوله التصفيق للنساء على جهة الذم والعيب ، لم يأذن فيه، والله أعلم» تهذيب السنن (6/155).

      وقال في إغاثة اللهفان: «والمقصود أن المصفّقين والصفّارين، في يَراعٍ أو مزمارٍ ونحوه، فيهم شبهٌ منْ هؤلاء، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر، فلهم قِسطٌ من الذم بحسب تشبّههم بهم، وإنْ لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم. 

     والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال، وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمرٌ، بل أُمروا بالعدول عنه إلى التسبيح، لئلا يتشبهوا بالنساء فكيف إذا فعلوه لا لحاجة! وقرنوا به أنواعاً من المعاصي قولاً وفعلا؟ إغاثة اللهفان (1/245).

      قلت: فما يفعله بعض الصوفية في حلقاتهم وموالدهم، من التصفيق عند الأذكار والأوراد، لا شك أنه بدعة وضلالة، وهو مشابه لفعل المشركين عند الكعبة، كما قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35).  والمكاء: هو الصفير. والتصدية: هو التصفيق

     وقال الشيخ بكر أبو زيد:  لا يُشرع التصفيق في شيء من أمور الدين، إلا في موضع واحد للحاجة: وهو للمرأة داخل الصلاة، إذا عرض عارض كسهو الإمام في صلاته، فإنه يستحب لمن اقتدى به تنبيهه: فالرجل ينبه الإمام بالتسبيح، والمرأة تنبه الإمام بالتصفيق؛ وهذا لثبوت السنة به عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «التسبيح للرجال والتصفيق للنساء».

     ثم حدث في الأمة التعبد بالتصفيق لدى بعض المبتدعة عند قراءة الأذكار، والأوراد، والأحزاب، وفي الموالد، والمدائح في البيوت، والمساجد، وغيرها، ويظهر أنه منذ القرن الرابع، فإن الحافظ عبيد الله بن بطة المتوفي سنة 387هـ أنكر عليهم ذلك، وقد تتابع إنكار العلماء عليهم، وتهجينهم، وتبديعهم، فمن الذين لهم مقام صدق في ذلك الحافظ ابن الجوزي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وغيرهم، قديماً، وحديثاً، مقررين بالإجماع: أنّ التعبّد بالتصفيق بدعة ضلالة، وخروج على الشرع المطهر، فيجب اجتناب التعبد به ويجب منعه.

ثم في أثناء القرن الرابع عشر تسلل إلى المسلمين في اجتماعاتهم واحتفالاتهم، التصفيق عند التعجب؛ تشبهاً بما لدى المشركين من التصفيق للتشجيع، والتعجب.

     وإذا كان التصفيق في حالة التعبد: بدعة ضلالة، كما تقدم ، فإن اتخاذه عادة في المحافل، الاجتماعات؛ للتشجيع، والتعجب، تشبه منكر، ومعصية يجب أن تُنكر؛ وذلك لما يلي:

     معلوم أن هدى النبي صلى الله عليه وسلم عند التعجب، هو الثناء على الله - تعالى - وذكره بالتكبير، والتسبيح، والتهليل، ونحوها، والأحاديث في هذا كثيرة شهيرة في كتب السنة، ترجم لبعضها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه فقال: «باب التكبير والتسبيح عند التعجب»، وأدخلها العلماء في كتب الأذكار منهم النووي رحمه الله تعالى في: (كتاب الأذكار) فقال: «باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوها»، وعلى هذا الهدي المبارك درج سَلَفُ هذه الأمة ، من الصحابة رضي الله عنهم فمن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا والحمد لله، وفي هذا استمرار حال المسلم بتعظيم الله، وتمرين لسانه على ذكر الله تعالى.

     إذا عُلِمَ ذلك، فإنه لا نعلم من المرويات عن المقتدى بهم من أئمة الهدى، التَّصْفِيْقَ في مثل هذه الحال، فضلاً عن ورود شيء من ذلك في السنة، وعليه، فإن التصفيق في احتفالات المدارس، وغيرها: إن وقع على وجه التعبد فهو بدعة محرمة شرعاً؛ لأن التصفيق لم يتعبدنا الله به، وهو نظير ما ابتدعه بعض المتصوفة من التصفيق حال الذكر والدعاء، كما تقدم. 

وإن وقع التصفيق المذكور على وجه العادة ، فهو منكر محرم ؛ لأنه تشبه (بالكفار).

ولا نعرف دخول هذه العادة في تاريخ المسلمين إلا في أثناء القرن الرابع عشر، حين تَفَشَّى في المسلمين كثير من عادات الكافرين والتشبه بهم.

     قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: والتصفيق منكر، يطرب ، ويُخرج عن الاعتدال، وتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من: «التصدية» وهي التي ذمهم الله عز وجل بها فقال: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35)، فالمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق، ثم قال: وفيه أيضاً تشبه بالنساء، والعاقل يأنف من أن يخرج من الوقار، إلى أفعال الكفار والنسوة» انتهى. وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: ما حكم التصفيق للرجال في المناسبات والاحتفالات؟.

     فأجاب : التصفيق في الحفلات من أعمال الجاهلية ، وأقل ما يقال فيه الكراهة، والأظهر في الدليل تحريمه؛ لأن المسلمين منهيون عن التشبه بالكفرة، وقد قال الله سبحانه في وصف الكفار من أهل مكة: {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (الأنفال: 35).

     قال العلماء : المكاء الصفير ، والتصدية التصفيق. والسنة للمؤمن إذا رأى أو سمع ما يُعجبه أو ما ينكره، أن يقول: سبحان الله، أو يقول: الله أكبر، كما صحّ ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، ويشرع التصفيق للنساء خاصة، إذا نابهن شيء في الصلاة، أو كنّ مع الرجال فسهى الإمام في الصلاة، فإنه يشرع لهن التنبيه بالتصفيق، أما الرجال فينبهونه بالتسبيح، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وبهذا يعلم أن التصفيق من الرجال فيه تشبه بالكفرة وبالنساء، وكل ذلك منهيٌ عنه. والله ولي التوفيق» انتهى.

«مجموع فتاوى الشيخ ابن باز» (4/151

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك