رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 29 أكتوبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 63 ) باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

339.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ، عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ، إِلَى السَّمَاءِ، أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».

الشرح:

قال المنذري: باب: النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.

والحديث رواه مسلم في الصلاة (1 /321) وبوب عليه النووي بمثل تبويب المنذري.

     ورواه مسلم أيضا: عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لينتهين أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لا ترجع إليهم».

قوله: «لينتهين أقوام»، أي: ليمتنعن.

و«أقوام»: جمع قوم، وهو خاص بجماعة الرجال في الوضع اللغوي، لكن يدخل فيه النسوة تبعاً، ويستشهدون لذلك بقول الشاعر:

أقومٌ آل حصن أم نساء

                       فجعل النساء قسيمات للقوم

      وقوله: «لينتهين أقوام» يشمل الأفراد كذلك، فإذا كان النهي للجماعة، فهو يشمل أفراد الجماعة واحداً واحداً، كما تقول: لينتهين بنو فلان عن أذية فلان، فـ(بنو فلان) تشمل جماعتهم، وأفرادهم ضمناً.

     وقوله: «لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء»، جاء هنا بلفظ: «عند الدعاء في الصلاة»، والحديث جاء تارة مطلقاً، بلفظ: «عن رفعهم أبصارهم إلى السماء في الصلاة».

     والنظر بالبصر إلى السماء يكون فيه - غالباً - الانصراف عن معنى الصلاة وخشوعها؛ لأنه لا يخرج عن أحد أمرين: فإما أن يكون عبثاً فهو عين المقصود في النهي عنه؛ لأنه ينافي الخشوع في الصلاة.

     وإما أن يكون للتأمل في شيء، كمن كان في الليل يتأمل زينة السماء، وينظر في النجوم والكواكب، ويفكر في قدرة الله وفي مصنوعاته، فهذا باب والصلاة باب آخر، فيكون قد خرج عن مناجاة ربه إلى موضوع آخر وهو العظة والاعتبار بقدرة ربه، وفرق بين المناجي - وهو مستحضر لمن يناجيه رغبةً ورهبة - وبين من يفكر في مصنوعات الله، وفي قدرته سبحانه وتعالى.

     كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (آل عمران:191)، فهذا ذاكرٌ، وهذا متفكرٌ، فجعل التفكر قسيماً للذكر.

فرفع البصر إلى السماء يتنافى مع الخشوع في الصلاة، ولو كان للتدبر في الآيات الكونية، والاعتبار بهذا الخلق العظيم.

     بل  من الأدب في الصلاة ألا يتعدى بصر المصلي موضع سجوده، أو سترته التي بين يديه؛ لأن ذلك أدعى لاجتماع حواسه وقلبه، لتتجاوب مع لسانه فيما يتلو، وفيما يناجي به ربه سبحانه وتعالى.

وقد جاءت الأحاديث الصحيحة في النظر إلى موضع السجود حال الصلاة، وهي – في عمومها – تشمل جميع أجزاء الصلاة، ومنها:

     ما رواه ابن حبان (4 / 332) والحاكم (1 / 652) عن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، ما خلَّف بصره موضع سجوده حتى خرج منها» صححه الألباني في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ».

     وفي الباب آثار عن بعض السلف في ذلك، وهذا هو قول الجمهور: أبي حنيفة والشافعي وأحمد، قال أبو محمد ابن قدامة: يستحب للمصلي أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، قال أحمد - في رواية حنبل -: الخشوع في الصلاة: أن يجعل نظره إلى موضع سجوده، وروي ذلك عن مسلم بن يسار , وقتادة. «المغني» (1 / 370).

     واستثنى بعضهم موضع التشهد، فقالوا: ينظر المصلي فيه إلى السبابة، وهو استثناء صحيح له ما يؤيده من صحيح السنَّة، فعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا قعد في التشهد، وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة لا يجاوز بصره إشارته».

     رواه أبو داود (990) والنسائي (1275) – واللفظ له - وصححه النووي في «شرح مسلم» (5 / 81) فقال: والسنَّة أن لا يجاوزه بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في «سنن أبي داود».

     وقد استدل الإمام مالك رحمه الله ومن وافقه في أن المصلي ينظر أمامه بقوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (البقرة:144)، على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده! وهو قول مرجوح، بعد هذا الزجر الشديد عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة.

     ففي رفع البصر إلى السماء، جاء هذا الوعيد الشديد في هذا الحديث: «أو لا ترجع إليهم»، يعني: تخطف أبصارهم، وهذا وعيدٌ شديد بعقوبة عظيمة على الإنسان، فلا يجوز له أن يفعل ذلك.

     وبعض العلماء حمل ذلك على العموم في الصلاة وفي غير الصلاة، وقالوا: فعله في الصلاة يتنافى مع الخشوع، وفي غير الصلاة، لا يفعله حياءً من الله تعالى، كما أن المصلي لا يبصق أمامه حياء من الله تعالى، ولا تجاه القبلة، كما صح في الحديث، فكذلك ها هنا.

     وقال شريك القاضي: ينظر في القيام إلى موضع السجود؛ لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع، وقد ورد به الحديث، وأما في حال في حال ركوعه فإلى موضع قدميه، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه، وفي حال قعوده إلى حجره (تفسير ابن كثير).

     وما مضي من تحديد موضع نظر المصلى إذا كان منفردا، فإذا كان المصلى في جماعة كان نظره إلى الإمام للإئتمام به، وترجم له البخاري في «صحيحه»: «باب رفع البصر إلى الإمام في الصلاة»، وساق فيه عدة أحاديث في أن الصحابة كانوا ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم في الصلاة في أحوال مختلفة.

قال الزين بن المنير: نظر المأموم إلى الإمام من مقاصد الائتمام، فإذا تمكن من مراقبته بغير التفات، كان ذلك من إصلاح صلاته.

     وقدأورد الحافظ ابن حجر هذا القول لابن المنير ثم قال: «يمكن أن يفرق بين الإمام والمأموم، فيستحب للإمام النظر إلى موضع السجود، وكذا للمأموم، إلا حيث يحتاج إلى مراقبة إمامه. وأما المنفرد فحكمه حكم الإمام».

وبهذا يُجمع بين الأحاديث التي ساقها البخاري، وبين أحاديث النظر إلى موضع السجود، وهو جمعٌ حسن.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك