رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 10 نوفمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 65 ) باب : منــــع المــــــارّ بين يـــدي المصـــلي

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

341. عن أَبُي صَالِحٍ السَّمَّانِ : أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَأَيْتُ مِنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ، فَعَادَ فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنْ الدَّفْعَةِ الْأُولَى، فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثُمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَجَ، فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ، قَالَ: وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى مَرْوَانَ ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : مَا لَكَ وَلِابْنِ أَخِيكَ ؟! جَاءَ يَشْكُوكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَلْيَدْفَعْ فِي نَحْرِهِ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ». 

الشرح: قال المنذري: باب: منع المارّ بين يدي المصلي. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة في الموضع والباب السابق.  والحديث رواه البخاري في الصلاة (509)  باب: يردُ المصلي من مرّ بين يديه.

أبو صَالِحٍ السَّمَّانِ هو ذكوان المدني، ثقةٌ ثبت، مات سنة (71 ) هـ، روى  له الستة.

وأبو سعيد هو الخدْري الصحابي المشهور، واسمه سعد بن مالك بن سنان الأنصاري ، له ولأبيه صحبة.

      قوله: «أَنَا أُحَدِّثُكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَأَيْتُ مِنْهُ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ أَبِي سَعِيدٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ»، أي: كان أبوسعيد يصلي إلى سترة، وهو عادة الصحابة في صلاتهم، كما روى البخاري وغيره: عن أنس رضي الله عنه أنه قال : لقد رأيتُ كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري عند المغرب. ورواه مسلم أيضا ، ولفظه عنده : كنا بالمدينة فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فيركعون ركعتين ركعتين، حتى إنّ الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسبُ أنّ الصلاة قد صُلِّيَتْ، من كثرة من يصليهما.

      وهذا يدلّ على حرصهم رضي الله عنهم على هذه السُنة ، والصلاة إلى سُترة ما أمكن. قوله: «إِذْ جَاء رجُلٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ» أي: أراد أن يمر بينه وبين سترته ، وورد في بعض الروايات أنه: الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، ولا يثبت.  قوله: «فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ» أي : دفعه بيده في صدره.

     قوله: «فَنَظَرَ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلَّا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي سَعِيدٍ ، فَعَادَ، فَدَفَعَ فِي نَحْرِهِ أَشَدَّ مِنْ الدَّفْعَةِ الْأُولَى» أي: لم يجد ممراً وطريقا، إلا من بين يدي أبي سعيد، فأراد المرور مرة أخرى، فدفعه أبو سعيد بأقوى من المرة الأولى. وفيه: أنه يُشرع دفعُ المارّ، ولو لم يكن هناك مسلكٌ غَيْرُ الذي يريد المرور منه، خلافا لإمام الحرمين. 

     قوله: «فَمَثَلَ قَائِمًا فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، ثمَّ زَاحَمَ النَّاسَ فَخَرَج» مثل: أي ظل منتصباً قائما، ثم نال أي: شتم أبا سعيد؟! ثم خرج من موضعٍ آخر بين الناس.

     قوله: «فَدَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إِلَيْهِ مَا لَقِيَ» أي: اشتكاه إلى مروان بن الحكم، وكان أمير المدينة يومئذ في خلافة معاوية رضي الله عنه. قَالَ: ودَخلَ أَبو سَعِيدٍ عَلَى مرْوانَ، فقال لَه مَرْوانُ: ما لَكَ وَلِابْنِ أَخيكَ؟! جاء يَشْكُوك ؟ أي : لم صنعتَ به ما صنعت آنفا؟ وسماه بابن الأخ باعتبار الإيمان والإسلام.

      فَقَالَ لهم أَبو سعيدٍ: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحدُكُم إِلَى شيءٍ يَسْتُرُهُ مِن النَّاس» أي : إذا صلى إلى سترة تستره من مرور الناس أمامه.

      قوله: «فَأَراد أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْن يَدَيه، فَلْيَدْفَعْ في نَحْرِهِ» أي : يدفعه في صدره ويمنعه من المرور.  قوله: «فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ» أي: يزيد في دفعه له. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تُصل إلا إلى سُترة، ولا تدَع أحداً يمرّ بين يديك، فإنْ أبى فلتقاتله؛ فإنّ معه القَرين»، صحيح ابن خزيمة، وقال الألباني: سنده جيد، صفة صلاة النبي (ص82).

     وقال: «إذا صلّى أحدُكم إلى سُترة فليدْن منها، لا يقطعُ الشيطانُ عليه صلاته» رواه أبو داود ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (643). فعلى الداخل إلى المسجد إذا أراد الصلاة منفرداً أو إماماً، أن يبادر إلى جدار أو عمود من أعمدة المسجد، أو يضع شيئاً فيصلي إليه.  قوله: «فإِنَّما هو شَيْطَانٌ» أي: فعله فعل الشيطان؛ لأنه أبى إلا أن يشوش على المصلي، وإطلاق اسم الشيطان على الإنسان كثير في القرآن والسنة، كما في قوله تعالى: { شَيَاطِيْنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوْحِيْ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوْرًا}(الأنعام: 112).

     أو يحتمل أن يكون المعنى : فإنما الحامل له على ذلك الشيطان (الفتح).  وحكم المار بين يدي المصلي كحكم العدو الصائل، يدفع بما يرده، فقوْله: «فَلْيُقَاتِلْهُ» أَيْ: يَزِيدُ فِي دَفْعه الثَّاني، أَشَدّ منْ الْأَوَّل، قال القرطبي: وأَجْمعوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقاتلَه بِالسِّلاحِ، لمُخالَفة ذلك لقَاعدَة الْإِقْبَال عَلَى الصَّلَاةِ، والِاشْتغال بها وَالْخُشُوعِ فيها. اهـ.  قال الحافظ: أَطْلَق جَمَاعَةٌ من الشَّافعيَّة أَنَّ لَه أَنْ يُقَاتلَه حَقيقَة؟!

واسْتَبْعد ابن الْعربيِّ ذلك في «الْقَبَس» وقَال: الْمُرادُ بالْمُقَاتَلَة الْمُدَافَعَة. وَأَغْرَبَ الْبَاجيُّ فَقَال: يحتَمل أَنْ يَكُون الْمُراد بالْمُقَاتَلَة: اللَّعْن أَو التَّعْنِيف؟!

      وَتُعُقِّبَ بأَنَّه يستَلْزمُ التَّكَلُّمَ في الصَّلَاة! وَهُوَ مُبْطِل، بخلاف الْفعل الْيسِيرِ. ويُمكنُ أَنْ يَكُونَ أَراد أَنَّهُ يَلْعنُهُ داعيًا لَا مُخاطبًا، لَكنَّ فعْلَ الصَّحابيِّ يُخَالِفُهُ، وهو أَدرى بالْمُرَاد.

      وقال: وصَرَّح أَصْحَابُنَا فَقَالُوا: يرُدُّهُ بِأَسْهَل الْوُجوه، فَإِنْ أَبى فبأَشَدَّ، ولَو أَدَّى إِلَى قَتْلِهِ. فَلَوْ قَتَلَ فَلَا شَيءَ علَيه؛ لأَنَّ الشَّارعَ أَبَاح لَه مُقاتَلَتَه، وَالْمُقاتَلَةَ الْمُباحةَ لَا ضمانَ فيها. وَنَقَل عياض وغيره أَنَّ عندهم خلَافًا في وُجُوبِ الدِّية في هذه الْحالَةِ.  ولا يجوز للمصلي المشي من مكانه ليدفعه ، ونقل في ذلك الاتفاق، قال في الفتح: ونقَل ابن بطَّال وغيره: الاتِّفاق عَلَى أَنَّه لا يجوزُ لَه الْمشيُ من مَكَانه لِيَدْفَعَهُ، وَلا الْعَمَل الْكَثِير فِي مُدَافَعَتِهِ؛ لأَنَّ ذَلِكَ أَشَدّ فِي الصَّلاةِ مِنْ الْمُرُورِ. وذهب الْجُمهورُ إلَى أَنَّه إذَا مرَّ وَلَم يَدْفعْه، فلَا يَنبغِي لَه أَنْ يَرُدَّه؛ لِأَنَّ فِيهِ إعادةً للْمُرُور.

     ثم هل المنع والْمُقَاتَلَةُ لخَلَلٍ يَقعُ في صَلاة الْمُصَلِّي من الْمرور، أَو لدفْعِ الإِثْم عَنْ الْمَارِّ؟ الظَّاهرُ الثَّاني. وقيل: بل الأَوَّل أَظْهَرُ؛ لأَنَّ إقْبَال الْمُصَلِّي عَلَى صَلاته أَوْلَى لَه من اشْتغَاله بِدَفْع الإِثْم عن غَيْره.

     والمرور بين يدي المصلي ينقص أجر الصلاة ولا يبطلها، وَقَدْ روى اِبْن أَبي شَيبة عَنْ ابْن مسعود «أَنَّ الْمُرُور بينَ يَدَيْ الْمُصَلِّي يَقْطَعُ نِصْفَ صَلَاتِه»، وَرَوَى أَبُو نُعَيْم عَنْ عُمَرَ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمُصَلِّي مَا يَنْقُصُ مِنْ صلَاتِهِ بِالْمُرُور بين يديه، مَا صلّى إِلَّا إِلَى شَيءٍ يَسْتُرُهُ منْ النَّاس».

     قال الحافظ: فهذان الْأَثَران مُقْتَضاهما أَنَّ الدَّفْعَ لِخَلَلٍ يتَعلَّقُ بصلاة الْمُصلِّي، ولا يخْتَصُّ بِالْمارِّ، وهما وإنْ كَانا موقُوفين لَفظا فحكْمُهما حُكْم الرَّفْعِ؛ لأَنَّ مثْلَهُما لَا يُقالُ بالرَّأْي.  وفي الحديث: أن السترة مشروعةٌ للمُصلِّي، فينبغي للمسلم أن يصل إليها، ويدن منها، ولا يدع أحداً يمر بين يديه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقف قريباً من السترة، فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع . رواه البخاري.  وبين موضع سجوده والجدار ممر شاة . متفق عليه

     وكان أحياناً يتحرى الصلاة عند الاسطوانة التي في مسجده . وفي صحيح مسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا وضع أحدُكم بين يديه مثل مُؤْخِرة الرَّحْل؛ فليصلّ، ولا يُبال منْ مرّ وراء ذلك».

      فليس على المصلي وزر إذا كان قد احتاط، فاتخذ سترة أمامه.  ويحق له عند ذلك أن يدفع المار بين يديه ، كما في حديث الباب.  وقد مرّ تحذَّير الرسول صلى الله عليه وسلم من المرور بين يدي المصلي، فقال: «لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ؛ لكان يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه».

      ومما سبق: أن السترة تكون في المسجد، وتكون في الفضاء للإمام والمنفرد، وأن سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة فصلى إلى جدار فاتخذه قبلة، ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمرّ بين يديه، فما زال يُدارئها حتى لصقَ بطنَه بالجدار، ومرّت من ورائه . رواه أبو داود وأحمد.

      وأحاديث السترة لا تختص بمسجدٍ دون مسجد، ولا بمكان دون مكان، بل تشمل المسجد الحرام، والمسجد النبوي من باب أولى؛ لأن هذه الأحاديث ؛ إنما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، فهو المراد بها أصالة، والمساجد الأخرى تبعاً له. وعليه فلا يُتساهل في أمر السترة في هذين المسجدين، إنْ أمكنه أن يصلي إليها، وكذلك لا يتساهل المار بين يدي المصلي فيهما، وهو يجد مندوحة عن المرور بين يديه. وسترة الإمام سترة لمن خلفه، فعن ابن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزتُ الاحتلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى فمررتُ بين يدي الصف فنزلت، فأرسلتُ الأتان ترتع، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك عليَّ أحد . متفق عليه.  وهل يستحب  دفع المار بين يدي المصلي أم يجب؟ قيل: يستحب، وقيل يجب. قَالَ النَّوويّ: لَا أَعلَمُ أَحَدًا من الْفُقَهاء قَالَ بوجُوب هذا الدَّفْع، بل صرَّحَ أَصحابنَا بأَنَّه مَنْدُوب . انتَهى.

     قال الحافظ: وقَد صَرَّح بوجوبه أَهَّلُ الظَّاهر، فَكَأَنَّ الشيخَ لَم يُراجع كَلامَهُمْ فِيه، أَوْ لَمْ يَعْتَدَّ بِخِلافِهِمْ . وهو مروي كذلك عن الإمام أحمد رحمه الله.  قال ابن رشد في كتابه: «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» (1/82):  واتفق العلماء بأجمعهم : على استحباب السترة بين المصلي والقبلة ، إذا صلى منفرداً كان أو إماماً ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل». واختلفوا في الخط إذا لم يجد سترة, فقال الجمهور: ليس عليه أنْ يخط، وقال أحمد بن حنبل: يخط خطاً بين يديه. انتهى

     وقد سبق بيان أنّ حديث الخط حديث ضعيف. وقال بوجوب السترة أحمد في إحدى الروايتين عنه، والبخاري، ومن المعاصرين العلامة الألباني، رحمة الله عليهم، انظر صفة صلاة النبي (ص 82).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك