رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 نوفمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 66 ) بـــاب : ما يــســــــتر المــصــــلي

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

342.عَنْ طَلْحَةَ بن عبيد الله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي وَالدَّوَابُّ تَمُرُّ بَيْنَ أَيْدِينَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: «مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدِكُمْ ، ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ»، وقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: «فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ».

 الشرح:  قال المنذري : باب ما يستر المصلي . والحديث أخرجه مسلم في كتاب الصلاة (1/358)  وبوب عليه النووي: باب سترة المصلي.

     طَلْحَةَ بن عبيد الله هو ابن عثمان التيمي، أبو محمد المدني، المسمى طلحة الفياض، أحد العشرة رضي الله عنهم، استشهد يوم الجمل سنة ثلاثين، وهو ابن ثلاث وستين.

     قوله: «مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ» مُؤَخِّرَةِ: لغة قليلة في آخرة ، وآخرة الرحل هي: الخشبة التي يستند إليها الراكب على البعير.

     قال الحافظ: عد الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة، واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك. فقيل: ذراع، وقيل: ثلثا ذراع، وهو أشهر، لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع: أنَّ مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع. (الفتح: 1/764).

     قوله: «تكونُ بين يديْ أَحدِكُم « ذكرنا فيما مضى: أنها تكون بينه وبين موضع سجوده بقدر ممر شاة، كما في الصحيحين.

أو بينه وبينها ثلاثة أذرع، كما في البخاري وغيره، وسبق في باب: الدّنو من السترة، حديث (259 ) .

     قوله: «ثُمَّ لا يضُرُّهُ مَا مرَّ بين يَدَيْه. أي: لا يضره ما يمر من وراء السترة، وقد ورد في حديث أبي جحيفة: «يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الحِمَارُ وَالكَلْبُ لاَ يَمْنَعُ». أي: من وراء السترة، كما قال الإمام النووي: «معناه: يمر الحمار والكلب وراء السترة وقُدَّامها إلى القبلة، كما قال في الحديث الآخر: «ورأيتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بينَ يَدَيْ العَنَـزَة …»، وفي الحديث الآخر: «فَيَمُرُّ من ورائِها المرأةُ والحمَارُ»، وفي الحديث السابق: «ولاَ يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ وَراءَ ذلِكَ». اهـ (شرح مسلم 4/220).

     وقَال الإمام أَبُو بكر ابن خزيمة في صحيحه (ح 816): «ففي قوله صلى الله عليه وسلم : «مِثْلُ مُؤَخِّرة الرَّحْل يكونُ بين يديْ أَحدِكُم، ثُمَّ لا يضُرُّهُ مَا مرَّ بين يَدَيْهِ» دلالَةٌ واضحةٌ إذا لَم يكنْ بين يديه مثْلُ مُؤَخِّرَة الرَّحْل، ضرَّهُ مُرُورُ الدَّوَابِّ بين يديه، والدَّوابُّ الَّتي تَضُرُّ مُرُورُها بين يديه ، هي الدَّوابُّ الَّتي أَعْلَمَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّها تقْطَعُ الصَّلاةَ، وهو الحمارُ، والْكَلْبُ الأَسْودُ، عَلَى ما أَعْلَمَ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم ، لا غيْرَهُما من الدَّوابِّ الَّتي لا تَقْطعُ الصَّلاة». 

     وقال الإمام ابن القيم: فإنْ لم يكن سترةٌ، فإنَّه صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه: يقطع صلاته المرأة والحمار والكلب الأسود، وثبت ذلك عنه مِن رواية أبي ذر وأبي هريرة وابن عباس وعبد الله بن المغفل ، ومعارض هذه الأحاديث قسمان: صحيحٌ غيرُ صريحٍ، وصريحٌ غيرُ صحيحٍ، فلا يترك لمعارضٍ هذا شأنه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي وعائشةُ رضي الله عنها نائمةٌ في قبلته، وكان ذلك ليس كالمارِّ، فإنَّ الرجلَ محرَّمٌ عليه المرور بين يدي المصلي ، ولا يكره له أنْ يكون لابثاً بين يديه، وهكذا المرأة يقطع مرورها الصلاة دون لبثها، والله أعلم. اهـ (زاد المعاد 1/306).

    أي: قد استشكل بعضهم حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وفيه: «وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ صلى الله عليه وسلم وبين القِبْلَةِ».

     وقد ردَّ عليه ابن خزيمة فقال: «باب: ذكر الدليل على أنَّ هذا الخبر–أي: حديث أبي ذر- في ذِكر المرأة ليس مضاد خبر عائشة، إذْ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما أراد أنَّ مرور الكلب والمرأة والحمار يقطع صلاة المصلي لا ثوى الكلب ولا ربضه، ولا ربض الحمار، ولا اضطجاع المرأة يقطع صلاة المصلي، وعائشة إنما أخبرت أنها كانت تضطجع بين يدي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، لا أنها مرَّت بين يديه. اهـ (صحيح ابن خزيمة 2/21).

ثم من مرّ بعد موضع السجود ، فليس ماراً بين يديه، ولا يقطع عليه صلاته، ويقدر ذلك بمترين من المصلي.

     والمأموم لا تجب عليه سترة، إنما السترة في صلاة الجماعة من مسؤولية الإمام، وقد ثبت أنَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى «عنـزة»، وهي عصا في رأسها حديدة، يغرزها في الأرض ويصلي إليها في سفره وغيره، فعن ابن عمر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَان إِذَا خَرَج يومَ العيد، أمَرَ بِالحَرْبَة فَتُوضَعُ بين يديه فيُصلِّي إلَيها، وَالنَّاسُ وراءَهُ، وَكَان يَفْعلُ ذلِك في السّفر ، فمن ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأمَرَاءُ . رواه البخاري (1/753).

     أما ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي بمنى إلى غير جدار، فمررّت بين يدي بعض الصف، وأرسلتُ الأتان تَرتع ، فدخلت في الصف، فلم ينكر ذلك أحد».

      فالجواب: أن حديث ابن عمر رضي الله عنه مثبتٌ ، وابن عباس رضي الله عنه نَفي، والمثبَت مقدَّمٌ على النفي، ولاسيما في مثل هذه الحـال، إذْ قد توضع ولا يراها ابن عباس.

ثُم هو لم يَنْفِها إنما نفى الجدار.

  وقد ورد في الباب حديث ضعيف، وهو: «لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ».

      قلت: وهو مرويٌّ من حديث أبي سعيد، وأنس، وأبي هريرة، وابن عمر، وجابر، لكنَّه ضعيفٌ لا يحتج به، ولا يفرح بكثرةِ طرقه.

      وقد ضعفه العلماء: ابن حزم (المحلى 2/326)، وابن الجوزي (التحقيق 1/427)، والنَّووي (شرح مسلم 4/227)، وابن قدامة (المغني 2/82)، وابن تيمية (مجموع الفتاوى 21/16)، والحافظ ابن حجر (فتح الباري 1/774)، والشوكاني (نيل الأوطار 3/16)، والألباني (تمام المنَّة ص307).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك