رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 25 نوفمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 67 ) بـــاب : الصـــــلاة إلى حَـــربـــــة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

343.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ، أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الْأُمَرَاءُ .

 الشرح: قال المنذري : باب : الصلاة إلى حَربة. والحديث أخرجه مسلم في الصلاة (1/359) في الباب السابق .

وقد رواه البخاري في كتاب الصلاة (494) باب: سُترة الإمام سترةُ من خَلْفه.

قوله: «أمر بالحربة» أي : أَمر خادمة بحمل الحربة ، ليضعها بين يديه .

     وفي رواية للبخاري (500) أنه أنس رضي الله عنه : فعنه قال : «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعتُه أنا وغُلامٌ ومعنا عكازةٌ أو عَصا أو عنزةٌ ومعنا إداوة...».

قوله: «وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ» أي: ينصب الحربة؛ حيث لا يكون أمامه جدار.

     وقد سبق فيما مضى أن النبيصلى الله عليه وسلم كان يصلى في مسجده إلى الجدار عند المنبر. رواه البخاري في صحيحه (496). وكذا عند الاسطوانة (502) .

وروى معلقاً في الباب : أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً يُصلي بين أسطوانتين، فأدناه إلى سارية، فقال: صلِّ إليها. وصله ابن أبي شيبة.

قال ابن حجر : أراد عمرُ بذلك أن تكون صلاته إلى سترة .

قال ابن بطال‏:‏ لما تقدّم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى الحربة ، كانت الصلاة إلى الأسطوانة أولى؛ لأنها أشد سترة ‏.‏

 وروى ابن أبي شيبة: من حديث نافع قال: كان ابن عمر إذا لم يجدْ سبيلاً إلى سارية من سواري المسجد ، قال لي: ولّني ظهرك.

 وروى ابن أبي شيبة: من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: أنه كان ينصب أحجاراً في البريّة، فإذا أراد أنْ يصلي صلى إليها.

 ورى ابن أبي شيبة في مصنفه: عن أنس أنه نصب العصا في المسجد الحرام، وصلى إليها.

     فهذه الأحاديث والآثار تدل بصورةٍ صريحةٍ، على مشروعية اتخاذ السترة داخل المسجد، كما هو مشروع في الصحارى والفلوات. قال عياض: ولا خلاف أن السترة مشروعة؛ إذا كان في موضع لا يأمن المرور بين يديه. واختلفوا إذا كان في موضع يأمن المرور بين يديه، وهما قولان في مذهب مالك. ومذهب الشافعية: أنها مشروعة مطلقا لعموم الحاديث .

ولأنها تصون بصره، وتمنع الشيطان المرور، والتعرض لإفساد صلاته، كما جاءت الأحاديث . انتهى .

     وقد نص كثيرٌ من الفقهاء على استحبابها في المسجد وغيره ، قال ابن قدامة في « المغنى»: «يُستحب للمصلي أنْ يُصلي إلى سترة, فإنْ كان في مسجدٍ أو بيتٍ صلى إلى الحائط أو سارية, وإنْ كان في فضاء، صلّى إلى شيءٍ شاخصٍ بين يديه, أو نَصبَ بين يديه حربة أو عصا، أو عَرَض البعير فصلى إليه، أو جعل رحله بين يديه .

وسُئل أحمد: يُصلي الرجل إلى سترة في الحضر والسفر؟ قال: نعم، مثل آخرة الرحل.

ولا نعلم في استحباب ذلك خلافاً.

والأصل فيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان تُركز له الحَربة فيُصلي إليها، ويَعرض البعير فيصلي إليه.

وروى أبو جحيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركزت له العَنَزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين، يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمنع. متفق عليه.

     وعن طلحة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا وَضع أحدكم بين يديه مثل مُؤْخرة الرّحل، فليُصلّ، ولا يُبال من مرّ وراء ذلك». أخرجه مسلم . انتهى

 142- باب : الصلاة إلى الراحلة

344.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ، وَهُوَ يُصَلِّي إِلَيْهَا .

الشرح: قال المنذري : باب : الصلاة إلى الراحلة. والحديث رواه مسلم، وهو في الباب السابق .

ورواه البخاري في الصلاة (507) باب: الصلاة إلى الراحلة والبعير والشجر والرحل .

     قوله: «أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ» يعرض بفتح الياء وكسر الراء، وروي: يعرّض، بضم الياء وتشديد الراء، ومعناه يجعلها معترضة بينه وبين القبلة . قال الجوهري: الراحلة الناقة التي تصلح؛ لأنْ يُوضع الرّحل عليها.

وفيه جواز الصلاة إلى الحيوان، وجواز الصلاة بقرب البعير، بخلاف الصلاة في أعطان الإبل فإنها ممنوعة، للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك .

  143- باب : المرور بين يدي المصلي من وراء الستر

 345.عن عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ : أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا، فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا، فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَنَزَةِ».

 الشرح : قال المنذري : باب : المرور بين يدي المصلي من وراء الستر . والحديث أخرجه مسلم (1/360) في الموضع السابق .

وأخرجه البخاري في الصلاة (501) باب السترة بمكة وغيرها . عون بن أبي جُحيفة السُوائي، تابعيٌ ثقة، مات سنة (16هـ ) روى له الستة.

أبو جُحيفة اسمه: وهب بن عبدالله السوائي، مشهور بكنيته، ويقال له: وهب الخير، صحابيٌ معروف، صحب علياً، مات سنة (74 هـ ) .

 قوله: «أَنَّ أَبَاهُ رَأَى رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ منْ أَدَمٍ». القبة هي الخيمة الصغيرة المستديرة.

والأدم : هو الجلد المدبوغ ، وكأنه صُبغ بحمرة قبل أنْ يُجعل قبة. قاله ابن حجر .

 قوله: «وَرَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ وَضُوءًا». الوَضوء بفتح الواو ، هو ماء الوضوء، أي: ببقية ماءٍ توضأ منه النبي صلى الله عليه وسلم .

     قوله: «فَرَأَيْتُ النَّاسَ يَبْتَدِرُونَ ذَلِكَ الْوَضُوءَ». يبتدرون أي : يتسابقون إليه. «فَمَنْ أَصَابَ مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِه»، وفي الرواية الأخرى له: «فمن نائل وناضح «معناه: فمنهم من ينال منه شيئا، ومنهم من ينضح عليه غيره شيئا مما ناله، ويرش عليه بللاً مما حصل له، وهو معنى قوله: «فمن لم يُصب أخذ من يد صاحبه». قاله النووي. ففيه : التبرك بآثاره صلى الله عليه وسلم وفضل طهوره، وشربه ولباسه وغير ذلك، كما صح في الأحاديث. وهو من خصوصياته صلى الله عليه وسلم ، فلم يتبرّك الصحابة بمن بعده من الخلفاء الراشدين، ولا ببقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، كما هو معلوم من سيرهم وأحوالهم.

    قوله: «ثُمَّ رَأَيْتُ بِلَالًا أَخْرَجَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا». العَنزة: عصا في أسفلها حديدة . ففيه الحرص على الصلاة إلى سترة . وهو موضع الشاهد من الحديث هاهنا . قوله: «وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ» الحلة : ثوبان ، وهما إزار ورداء. وقد جاء النهي عن لبس الأحمر ، وفي هذا الحديث وصف الحلّة بأنها حمراء ، فكيف يُجمع بينهما؟ قال الحافظ ابن حجر في ذكر الأقوال في لبس الأحمر:

     تخصيص المنع بالثوب الذي يُصبغ كله، وأما ما فيه لونٌ آخر غير الأحمر، من بياض وسواد وغيرهما فلا، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء، فإنّ الحلل اليمانية غالباً تكون ذات خطوط حُمر وغيرها. قال ابن القيم: كان بعض العلماء يلبس ثوباً مُشْبعا بالحمرة، يزعم أنه يتبع السنة، وهو غلط، فإنّ الحلة الحمراء من بُرود اليمن، والبرد لا يُصبغ أحمر صرفا ، كذا قال .

     وقال الطبري - بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال-: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعا بالحُمرة، ولا لبس الأحمر مطلقاً ظاهراً فوق الثياب، لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا، فإنّ مراعاة زيّ الزمان من المروءة، ما لم يكن إثماً، وفي مخالفة الزّي ضربٌ من الشهرة . اهـ .

      قوله: «مُشَمِّرًا»، وفي الرواية الأخرى: «كأني أنظر إلى بياض ساقيه» فيه: جواز إظهار السّاق للرجل، برفع الإزار فوق الكعبين، وأنه لا يجب ستره، وأنّ كشفه ليس مما يُنكر .

     وأنت ترى كثيراً الناس في زماننا يُنكرون على الشاب الذي رفع ثوبه إلى أنصاف ساقيه، ولا يُنكرون على المرأة التي كشفت عن ساقيها أو عن بعضهما! فالله المستعان!

      قوله: «فَصَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَنَزَة». وفي الرواية الأخرى: «ثم رُكِزَت له عنـزة» أي: رُكِزت للنبي صلى الله عليه وسلم ليُصلي إليها، أي ليجعلها سترةً له .

     ولما صلى عليه الصلاة والسلام إلى العَنَزة، كان يمرّ بين يديه الحمار والكلب لا يُمنَع. أي : من وراء العَنَزة، وليس من بين يديه مباشرة. وفيه: أنّ سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه، كما سبق .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك