رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 3 ديسمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 68 ) باب: النهي عن الاخْتِصار في الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 وبعد:
 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.
346.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  أَنَّهُ: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا».
الشرح: قال المنذري : باب : النهي عن الاخْتِصار في الصلاة .
 
     والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/387) وبوب عليه النووي: باب كراهة الاختصار في الصلاة. ورواه البخاري في باب الخصر في الصلاة: عن أبي هريرة بلفظ: «نُهي أن يصلي الرجل مختصرا».
 
     وفي الرواية الأخرى لمسلم: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم » وهي صريحة في رفع الحديث. قوله: «نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا»، والخصر هو وسط الإنسان، ومشد الإزار عند الورك .
 وأما تفسير الاختصار في الصلاة: فقد اختلف أهل العلم فيه، وجمهور أهل العلم: أنه وضع اليد أو اليدين على الخصر.
 قال الامام الترمذي في جامعه: كره بعض أهل العلم الاختصار في الصلاة، وهو أنْ يضع يده أو يديه على خاصرته. وكذا الإمام البيهقي قال: نهى عن التخصر في الصلاة، وهو أن يضع يده على خصره وهو يصلي.
وعليه جماهير المحدثين والشراح. وهو مروي عن جمع من الصحابة، كابن عمر وأبي هريرة، وكلهم فسروا الاختصار في الصلاة: بأن يضع يده على خاصرته .
وقد روى النسائي في سننه (858): عن زياد بن صُبيح قال: صليتُ إلى جنب ابن عمر، فوضعتُ يدي على خصري ، فقال لي: هكذا - ضربة بيده - فلما صليت قلت لرجل: منْ هذا ؟ قال: عبد الله بن عمر، قلت : يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ قال: إنّ هذا الصّلب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم  نهانا عنه .
 وقيل: إن معنى الاختصار في الصلاة: أنْ يُمسك الرجل مِخصَرة في صلاته، والمخصرة: هي العصا، حكاه الخطابي، وتعقبه ابن العربي فقال: ومن قال إنه الصلاة على المخصرة، لا معنى له.
 وقيل: أنْ يختصر الصلاة فلا يتمها، ولا يكملها فلا يمد قيامها وركوعها وسجودها!
 وقيل: أنْ يختصر قراءة السورة فلا يتمها، فيقرأ الضحى مثلاً، ويركع قبل إتمامها، ذكره ابن الأثير في النهاية .
وقال بعض العلماء: إن الاختصار المنهي عنه هو: أن يمر بآية السجدة فلا يقرأها، وإنما يتعداها حتى لا يسجد سجود التلاوة في الصلاة .
 وهذه المعاني التي ذكرت -وإن كانت تدخل ضمن معنى الاختصار في الصلاة- إلا أن ما فسَّر به الراوي عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو ابن سيرين -رحمه الله- ويؤيده قول ابن عمر -رضي الله عنهما- كما عند أبي داود يلغي هذه المعاني.
قال الحافظ العراقي: والقول الأول هو الصحيح الذي عليه المحققون، والأكثرون من أهل اللغة والحديث والفقه.
وعليه جماهير المحدثين كما سبق، ويشهد له ما في البخاري : من حديث عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تكره أنْ يضع الرجل يده في خاصرته ، وتقول: هو من فعل اليهود. ورواه سعيد بن منصور فزاد «في الصلاة»، وهذا صريح في الحديث .
 وقد روى الإمام أحمد: من طريق يزيد بن هارون أنا هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: نهى عن الاختصار في الصلاة: قال: قلنا لهشام: ما الاختصار؟ قال: يضع يده على خصره وهو يصلي، قال يزيد: قلنا لهشام: ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: برأسه، أي نعم .
ثم إن هذا الاختصار يشمل لو اختصر بيد واحدة أو بيدين، وهذا من باب أولى، فإذا نُهي أن يضع يده على خاصرة واحدة، فمن باب أولى أنه ينهى عن وضع كلتا اليدين على خاصرتيه.
 واختلف أهل العلم في الحكمة من النهي عن ذلك على أقوال:
1- فقيل: إنه من فعل المتكبرين ، قاله المهلب بن أبي صفرة، وقال الترمذي (383): وقد كره بعض أهل العلم الاختصار في الصلاة، وكره بعضهم أنْ يمشي الرجل مختصراً.
2- وقيل: إنه من فعل اليهود، وهذا صريحٌ عن عائشة رضي الله عنها .
 وروى ابن حبان (2286) وهو في صحيح ابن خزيمة (909): من طريق أبي صالح الحراني، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «الاختصار في الصلاة راحة أهل النار». قال أبو حاتم: يعني فعل اليهود والنصارى، وهم أهل النار.
 وهذا الحديث ضعيف ضعفه العقيلي، وقال الذهبي في الميزان (2/391): عبدالله بن الأزور عن هشام بن حسان بخبر منكر .
قال الأزدي: ضعيف جدا، له عن هشام عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا: «الاختصار في الصلاة راحة أهل النار».
 3- وقيل: إنه فعل الشيطان، ويروى: أن إبليس إذا مشى مشى مختصرا، حكاه الترمذي معلقا في جامعه. وروى ابن أبي شيبة: عن حميد بن هلال: أنه إنما كره التخصّر في الصلاة، أنْ إبليس أهبط متخصرا.
 وكل الحِكم السابقة ليس عليها دليلٌ مرفوع صحيح، إلا ما جاء من أنه من فعل اليهود كما في حديث عائشة رضي الله عنها.
 مسألة: هل النهي عن الاختصار في الصلاة للكراهة أم للتحريم؟ اختلف أهل العلم: فذهب أكثر أهل العلم على أن النهي للكراهة، وهو قول الأئمة الأربعة.
 والقول الثاني: أن النهي للتحريم ، وهو مذهب أهل الظاهر، واختاره الشوكاني؛ لأن فيها تشبهاً بأهل الكتاب، وهو الراجح والصواب، فالأصل في النهي المنع والتحريم.
 وهل يكره الاختصار في غير الصلاة؟
هو خلاف بين أهل العلم ، والصواب: أنه لا يكره لعدم ورود الدليل على ذلك، والنهي خاص بالصلاة، إلا إذا كان الفعل بسبب كبرٍ أوغطرسة ، فهذا منزع آخر للتحريم.
 فالخلاصة: أنّ على المسلم إذا دخل في الصلاة أن يكون على أحسن حال؛ لأنه سيكون بين يدي رب العالمين سبحانه وتعالى، ولا شك ولا ريب أن من وضع يده على خاصرته في الصلاة، لم يكن متأدّباً بالأدب المطلوب، ولو أنّ إنساناً قابل ملكا من مُلوك الدنيا، ووقف بين يديه ، ووضع يده على خاصرته، لربما أدبه على فعله هذا؛ لأنّ هذا لا يليق بمقام هذا الملك، فكيف يليق بملك الملوك عزّ وجل؟!
ولذا أتت السنة النبوية في أن تكون اليدان على الصدر في الصلاة، مما يؤكد النهي عن الاختصار في الصلاة، ووردت السنة أيضا من فعله صلى الله عليه وسلم  أن اليدين لها حالٌ وشأن في كل موطن من مواطن الصلاة، فتجد أنه صلى الله عليه وسلم  إذا كان قائماً يضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر كما سبق، وإذا ركع تكون اليدان على الركبتين، إذا سجد تكون على الأرض، إذا جلس بين السجدتين، أو في التشهد وضع اليد اليمنى على فخذه الأيمن، واليد اليسرى على فخذه الأيسر، وهكذا، مما يدل على أن الاختصار ليس له محلٌ في الصلاة .
والله تعالى أعلم

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك