رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 ديسمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 70 ) باب: في التثاؤب في الصلاة وكظمه

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

348.عَنْ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَثَاوَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ».

وفي رواية: «فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ».

 الشرح: قال المنذري: باب: في التثاؤب في الصلاة وكظمه . والحديث رواه مسلم في الزهد والرقائق (4/2293) وبوب عليه النووي: باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب.

     وقد رواه البخاري في الأدب من صحيحه (6223): عن  أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ الله يُحب العُطاس، ويكرهُ التّثاؤب، فإذا عطسَ أحدُكم فحمِد الله، فحقٌ على كلّ مسلمٍ سمعه، أنْ يُشمّتَه، وأما التثاؤب فإنما هو منَ الشيطان، فليرُدَّه ما اسْتطاع، فإذا قال: هَاء، ضحِكَ منه الشيطان».

وفي الأدب (6226) باب: إذا تثاءب فليضعْ يده على فيه.

     قوله: «إذا تثاءب»، كذا للأكثر، وجاء في رواية البخاري وأبي داود: «تثاءب» بهمزة بدل الواو.

     وقد أنكر الجوهري كونه بالواو، وقال: تقول: تثاءبت على وزن تفاعلت، ولا تقل تثاوبت، قال: والتثاؤب أيضا مهموز، وقد يقلبون الهمزة المضمومة واواً.

     وقال غير واحد: إنهما لغتان، وبالهمز والمد أشهر. قوله: «في الصلاة» ورد في الرواية الأخرى عنه دون ذكر الصلاة، فدلّت على العموم .

     وقال الحافظ في الفتح (10/612): قال شيخنا في (شرح الترمذي): أكثر روايات الصحيحين فيها إطلاق التثاؤب، ووقع في الرواية الأخرى تقييده بحالة الصلاة، فيحتمل أنْ يُحمل المُطلق على المقيد، وللشيطان غرضٌ قوي في التشويش على المصلي في صلاته، ويحتمل أن تكون كراهته في الصلاة أشدّ، ولا يلزم من ذلك أنْ لا يكره في غير حالة الصلاة .

     قال: ويؤيد كراهته مطلقا: كونه من الشيطان، وبذلك صرّح النووي، قال  ابن العربي: ينبغي كظم التثاؤب في كل حالة، وإنما خصّ الصلاة؛ لأنها أولى الأحوالِ بدفعه، لما فيه من الخروج عن اعتدال الهيئة، واعوجاج الخِلقة.

 

     قوله: «فليضع يده على فيه»، وفي الرواية الأخرى: «فليمسك بيده على فمه»، وفي حديث أبي هريرة: «فليرده ما استطاع»، أي: يأخذ في أسباب رده. وليس المراد به: أنه يملك دفعه؛ لأن الذي وقع لا يرد حقيقة، وقيل: معنى إذا تثاءب، إذا أراد أن يتثاءب، وجوز الكرماني أن يكون الماضي فيه بمعنى المضارع . قاله الحافظ.

قال الكرماني: عموم الأمر بالرد، يتناول وضع اليد على الفم، فيطابق الترجمة من هذه الحيثية.

     قوله: «فإن الشيطان يدخل» ظاهر الحديث أن الدخول للفم حقيقي، كما في رواية أحمد ( 3/37 ): « فإنّ الشيطانَ يدخل مع التثاؤب» وهو صريح .

     قال الحافظ: فيحتمل أن يُراد به الدخول حقيقة، وهو وإنْ كان يجري من الإنسان مجرى الدم، لكنه لا يتمكن منه ما دام ذاكراً لله تعالى، والمتثائب في تلك الحالة غير ذاكر، فيتمكن الشيطان من الدخول فيه حقيقة.

     قال: ويحتمل أن يكون أطلق الدخول وأراد التمكّن منه; لأنّ من شأن من دخل في شيء أن يكون متمكنا منه.

     قال: وأما الأمر بوضع اليد على الفم، فيتناول ما إذا انفتح بالتثاؤب، فيغطى بالكف ونحوه، وما إذا كان منطبقا، حفظاً له عن الانفتاح بسبب ذلك.

     وفي معنى وضع اليد على الفم: وضع الثوب ونحوه مما يحصل ذلك المقصود، وإنما تتعيّن اليد إذا لم يرتد التثاؤب بدونها، ولا فرق في هذا الأمر بين المصلي وغيره، بل يتأكد في حال الصلاة كما تقدم، ويُستثنى ذلك من النهي عن وضع المصلي يده على فمه. قال: ومما يؤمر به المتثائب إذا كان في الصلاة: أنْ يُمسك عن القراءة حتى يذهب عنه، لئلا يتغير نَظْمُ قراءته، وأسند ابن أبي شيبة نحو ذلك عن مجاهد وعكرمة والتابعين المشهورين انتهى.

     وورد في الرواية الأخرى: «التثاؤب من الشيطان، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان»، قال ابن بطال: إضافة التثاؤب إلى الشيطان، بمعنى إضافة الرضا والإرادة، أي: إنّ الشيطان يُحب أنْ يَرى الإنسان متثائبا؛ لأنها حالة تتغير فيها صورته فيضحك منه، لا إنّ المراد أنّ الشيطان فَعَل التثاؤب.

     وقال ابن العربي: قد بيّنا أنّ كلّ فعلٍ مكروه نَسَبه الشرع إلى الشيطان؛ لأنه واسطته ، وأنّ كل فعلِ حسنِ نسبه الشرع إلى المَلَك؛ لأنه واسطته، قال: والتثاؤب من الامتلاء، وينشأ عنه التكاسل، وذلك بواسطة الشيطان، والعطاس من تقليل الغذاء، وينشأ عنه النشاط، وذلك بواسطة الملك .

     وقال النووي: أضيف التثاؤب إلى الشيطان؛ لأنه يدعو إلى الشهوات، إذْ يكون عن ثقل البدن واسترخائه وامتلائه، والمراد: التحذير من السبب الذي يتولّد منه ذلك، وهو التوسع في المأكل (الفتح).

وقد ورد في الحديث: «إن الله يحب العطاس».

     قال الشيخ ابن عثيمين: قال العلماء: إذا أردت أنْ تكظمه: فَعُضَّ على شفتك السفلى، وليس عضاً شديداً فتنقطع، ولكن لأجل أن تضمها حتى لا تنفتح، فالمهم أنْ تكظم، سواء بهذه الطريقة أو غيرها، فإنْ عجزت عن الكظم فتضع يدك على فمك. انتهى .

     وقوله: «فإنّ أحدَكم إذا تثاءب ضحِك منه الشيطان»، وفي رواية الترمذي والنسائي: «فإذا قال: آه، ضحك منه الشيطان».

      وقد رواه ابن ماجة (966) عن  أبي هريرة مرفوعا بلفظ: «إذا تثاءب أحدُكم فليضعْ يده على فيه، ولا يَعْويَ، فإن الشيطان يضحك منه». وفيه: عبدالله بن سعيد المقبري، متهم بالكذب ، وضعفه الألباني في الضعيفة ( 2420 ) .

     وقوله: «ولا يعوي» بالعين المهملة، شبّه التثاؤب الذي يسترسل معه بعواء الكلب، تنفيراً عنه، واستقباحا له، فإنّ الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي، والمتثائب إذا أفرط في التثاؤب شابهه.

ومن هنا تظهر النكتة في كونه يضحك منه؛ لأنه صيره ملعبةً له بتشويه خلقه في تلك الحالة .

     وفي الحديث: كمال الشريعة الإسلامية وشمولها، وأنها فصَّلت للمسلمين كل ما يحتاجونه من الآداب الحسنة المحبوبة لله تعالى، ونهت عن العادات السيئة المذمومة، والتثاؤب بصوت وبفتح الفم، من جملة العادات المذمومة ، كما سبق في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث .

      ومن الخصائص النبوية: ما أخرجه ابن أبي شيبة والبخاري في (التاريخ) من مرسل يزيد بن الأصم قال: ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط. وأخرج  الخطابي من طريق  مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال: ما تثاءب نبيٌ قط. ومسلمة أدرك بعض الصحابة وهو صدوق.

ويؤيد ذلك ما ثبت أن التثاؤب من الشيطان.

     ووقع في «الشفاء لابن سبع» أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتمطى؛ لأنه من الشيطان، والله أعلم (الفتح).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك