رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 مايو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 136 )باب: تركُ التَّنفُل في السَّفر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

444.عن حَفْصِ بنِ عاصمِ قال: صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ في طَرِيقِ مَكَّةَ، قَال: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وأَقْبَلْنَا معهُ، حتَّى جاءَ رَحْلَهُ وجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نحو حيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقَال: ما يَصْنَعُ هؤلَاءِ؟ قُلْتُ: يُسَبِّحُونَ، قال: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا، لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي! يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وصَحِبْتُ عُمَرَ فلمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وقد قال اللَّهُ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).

الشرح:  قال المنذري: باب: تركُ التَّنفُل في السَّفر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/479-480) وبوب عليه النووي: باب صلاة المسافرين وقصرها. قوله «صَحِبْتُ ابنَ عُمَرَ في طَرِيقِ مَكَّةَ، قَال: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وأَقْبَلْنَا معهُ، حتَّى جاءَ رَحْلَهُ» رحله، أي: منزله.

قوله «فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ» أي: حصلت منه.

قوله «يسبحون» أي: يصلون النافلة، والسبحة هي النافلة، والمُسبّح: المتنفل. قوله «لو كنت مسبحاً لأتممتُ» معناهُ: لَو اخْتَرْت التَّنَفُّل، لكانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعا أَحبّ إِلَيَّ، ولَكنِّي لَا أَرى واحدًا منهُما، بل السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السُّنة الراتبة.

أو: لو كنتُ صليتُ النافلة على خلاف ما جاءت به السُنة، لأتممت الفرض على خلافها! فلو تركت العمل بالسُنة، لكان تركها لإتمام الفرض، أحب وأولى من تركها لإتيان النفل.

قال ابن حجر: إنما أراد به راتبة المكتوبة، لا النافلة المقصودة كالوتر. اهـ.

والذي يتركه المسافر من التطوعات إنما هو: السُنن الرواتب، وهي: راتبة الظهر القبلية والبعدية، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء فقط، أما ما عدا ذلك من الرواتب، وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم.

ومنها راتبة الفجر، فلا يتركها المسافر.

قوله «يا ابن أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ على رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ» فلم نزد على ركعتين، أي: في هذه الصلاة التي صلاها لهم في ذلك الوقت، أو في غير المغرب؛ إذْ لا يصح ذلك في المغرب قطعاً.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفرا، وكان إذا غلبه نومٌ أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة». زاد المعاد (1/311).

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء:

- ما رأيكم في المسافرين: هل الأفضل لهم أنْ يصلوا التراويح في رمضان أم لا وهم يقصرون الصلاة؟

- فأجابوا: «قيام رمضان سنةٌ، سنَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا أخذها عنه الصحابة -رضوان الله عليهم- وعملوا بها، واستمرت إلى يومنا هذا، وقد ثبت في الصحيحين: من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر، وقال: «إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها». وفي البخاري: أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح. وثبت في الصحيحين: من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: «ما كان يزيدُ في رمضان ولا غيره، على إحدى عشرة ركعة».

     وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: «ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة» وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر، فقد أصابوا السُّنة» انتهى. فتاوى اللجنة الدائمة (7/206).

     فالحاصل: أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر. نسأل الله -تعالى- أنْ يوفقنا لطاعته ومرضاته. قوله: «وصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وصَحِبْتُ عُمَرَ...» أي هذا كان هدي الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.

238- باب: التَّنفُّل بالصلاةِ على الراحلة في السَّفر

 445.عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ على الرَّاحِلَةِ، قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، ويُوتِرُ عليها، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ.

الشرح:  قال المنذري: باب: التنفل بالصلاة على الراحلة في السفر. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/487). قوله «كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ على الرَّاحِلَةِ» معنى يُسبِّح: أي: يتنفّل، والسُّبحَة: النافلة. كما قال في الحديث السابق: لو كنت مُسبِّحا لأتممت صلاتي. أي: لو كنت متنفلاً. قال ابن حجر: إنما أراد به راتبه المكتوبة، لا النافلة المقصودة كالوتر. اهـ.

     وحديث الباب يدل على ذلك ؛ لأن ابن عمر نقل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، ونُقِل عن ابن عمر أنه كان يفعله. قوله «على ظهر راحلته» أي: في السفر، فإنه لم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على راحلته في المدينة. وهذا يدلّ على أن الصلاة على الراحلة أو السيارة خاص بالسفر.

وقد روى البخاري: عن عبد الله بن عامر بن ربيعة: أن أباه أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم  صلى السُبحة بالليل في السفر، على ظهر راحلته حيث توجَّهت به.

والراحلة من الإبل، لكن يجوز الصلاة على الدواب عموما، سواء كانت من الإبل، كما يُفهم من لفظ «راحلة» أم غيرها، فتجوز على الحمار، فقد روى مسلم: عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو موجِّه إلى خيبر.

ومثله السيارات في عصرنا والطائرات والقطارات. قوله: «حيث كان وجهه» يدلّ على عدم اشتراط استقبال القبلة في النافلة حال السفر، وهو من التسهيل على المسافر، والترغيب له بصلاة النافلة.

وعند مسلم: عن ابن عمر قال: كان رسول اللهصلى الله عليه وسلم يُصلي وهو مُقبل من مكة إلى المدينة على راحلته؛ حيث كان وجهه. قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (البقرة: 115).

ومعلوم قطعا أنه في هذه الحالة لا يُمكن أن يستقبل الكعبة ؛ لأن المدينة تقع في جهة الشمال من مكة.

قوله: «يومئ برأسه» أي: يُشير به في الركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع.

قوله «وكان ابن عمر يفعله» فيه اقتداء الصحابة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنْ هذا الفعل ليس خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه لم يُنسخ.

قوله «وفي رواية: كان يُوتر على بعيره» هذا من ذِكر الخاص بعد العام، فالوتر من جنس النافلة، وذلك لئلا يُفهم أنْ الوتر لا يصلح على الدابة.

ولقول ابن عمر هذا قصة:

     فقد أخرج مسلم: من طريق سعيد بن يسار أنه قال: كنت أسير مع ابن عمر بطريق مكة. قال سعيد: فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت، ثم أدركته، فقال لي ابن عمر: أين كنت؟ فقلت له: خشيت الفجر فنـزلت فأوترت، فقال عبد الله: أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم  أسوة؟ فقلت: بلى والله. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير.  وفي لفظ لمسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. رواه مسلم.

قوله «غير أنه لا يُصلي عليها المكتوبة» أي: لا يُصلي الفريضة على راحلته. وفي رواية البخاري: «إلا الفرائض» والمعنى واحد.

وهذا من الأحكام التي اختلفت فيها الفريضة عن النافلة. فالفريضة يُشترط لها استقبال القبلة، والنافلة لا يُشترط لها ذلك. والقيام في الفريضة رُكن، وليس هو كذلك في النافلة.

وهذا يدلّ على أن النافلة مبنية على التخفيف.

مسألة (1): متى يجوز للمصلي أن يُصلي صلاة الفريضة على الراحلة؟

الجواب: إذا كان في حال خوفٍ في قتال، أو كان لا يستطيع النـزول، أو كانت الأرض طينا لا يُمكنه الصلاة عليها.

قال ابن الملقِّن: وأجمعت الأمة على أنّ المكتوبة لا تجوز إلى غير القبلة ولا على الدابة، إلا في شدة الخوف.

قال: ولو كان في رَكبٍ وخاف لو نـزل للفريضة انقطع عنهم، ولحقه الضرر، صلى عليها - أي على الدابة -. اهـ.

مسألة (2): هل يترخّص المسافر سَفَرَ معصية برخص السفر؟

الجواب: قال جماعة من الفقهاء: لا تُباح هذه الرخص في سفر المعصية، كالإباق، وقطع الطريق، والتجارة في الخمر، والمحرمات نص عليه أحمد، وهذا قول الشافعي.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وقد تنازع المتأخرون فيمن سافر لزيارة قبر نبي، أو نحو ذلك من المشاهد، والمحققون منهم قالوا: إنَّ هذا سفر معصية ولا يقصر الصلاة فيه، كما لا يقصر في سفر المعصية، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره.

وقالوا مثل ذلك في الأكل من الميتة عند الاضطرار ؛ لأنَّ الله لما ذكر تحريم الميتة قال: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ  فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة:173)، قالوا: والعاصي باغ أو عادٍ ولا يُباح له ذلك.

بل قالوا مثل ذلك في عموم رُخص السفر، حتى في النافلة في السفر على الراحلة.

قال النووي: «شرط جواز التنفل في السفر ماشيا وراكبا: ألا يكون سفر معصية، وكذا جميع رخص السفر شرطها ألا يكون سفر معصية».

وقال في موضع آخر: «مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية، سواء الواجب والطاعة والمباح كسفر التجارة ونحوها، ولا يجوز في سفر معصية، وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وقال أيضا: ولا يجوز الجمع في سفر معصية».

وقال ابن عبد البر: «قال مالك: ومن سافر في معصية لم يَجُـز له أن يقصر».

وقال الشافعي: إن سافر في معصية لم يقصر، ولم يمسح مسح المسافر. وهو قول الطبري.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك