رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 23 ديسمبر، 2013 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 71 ) باب: حمل الصّبيان في الصلاة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

349.عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ[ يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ - وَهِيَ ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا».

 الشرح :

قال المنذري: باب: حمل الصّبيان في الصلاة .

والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/385-386)  وبوب عليه النووي: باب جواز حمل الصبيان في الصلاة.

      أبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي -بكسر الراء المهملة وسكون الباء الموحدة وكسر العين المهملة وتشديد الياء- مات بالمدينة  سنة أربع وخمسين، وقيل: مات في خلافة علي  بالكوفة، وهو ابن سبعين سنة، ويقال: سنة أربعين، وقيل: إنه كان بدريا، ولا خلاف أنه شهد أُحدا وما بعدها .

     قوله: «رَأَيْتُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّ النَّاسَ»، أي: في الفريضة، وفي رواية لأبي داود: «بينا نحن نتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر»، وفيه ردٌ على من قال: إن ذلك كان في النافلة.

    قوله: «وَأُمَامَةُ بِنْتُ أَبِي الْعَاصِ - وهي ابْنَةُ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم - عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِذَا رَكَعَ وَضَعَهَا ، وَإِذَا رَفَعَ مِنْ السُّجُودِ أَعَادَهَا»، قال النووي: فيه دليلٌ لصحة صلاة من حمل آدميا، أو حيوانا طاهراً، من طير وشاة وغيرهما انتهى.

 وفي حملها في الصلاة، ثم إنزالها على الأرض عند الركوع، ثم حملها عند القيام من السجود أفعالٌ في الصلاة، دعت إليها الحاجة فجازت .

     وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم نحوه، فقد ورد في الصحيحين وغيرهما: «أنه صلى الله عليه وسلم صلّى على المنبر، وكان إذا أراد السجود نزل عنه إلى الأرض فسجد ثم يعود ، وفعل ذلك حتى فرغ من صلاته».

فالصحيح أنّ هذه الأحاديث كانت لبيان الجواز، وهي شرعٌ مستمر للأمة من بعده.

     وقال بعض الفقهاء: إنْ كان في النافلة جاز، وهو مرويٌ عن مالك، وكأنه لما رأى المسامحة في النافلة قد تقع في بعض الأركان والشرائط، كان ذلك تأنيساً بالمسامحة في مثل هذا.

      وقال بعضهم: إنّ هذا الفعل كان للضرورة! وهو مروي أيضا عن مالك، وفرّقَ بعض أتباعه بين أن تكون الحاجة شديدة؛ بحيث لا يجد مَنْ يكفيه أمر الصبي، ويُخشى عليه؛ فهذا يجوز في النافلة والفريضة.

     وقال بعضهم: إنْ كان حمل الصبي في الصلاة على معنى الكفاية لأمه، لشغلها بغير ذلك ، لم يصلح إلا في النافلة، وهذا أيضا فيه إشكال: فإن الأصل استواء الفرض والنفل، في الشرائط والأركان والواجبات، إلا ما خصّه الدليل .

 وقال بعضهم: إن هذا منسوخ! وهو مروي أيضا عن مالك .

     قال الحافظ أبو عمر: ولعل هذا نسخ بتحريم العمل والاشتغال في الصلاة بغيرها، وقد ردّ هذا بأن قوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ في الصلاة لشُغلا»، كان قبل بدر عند قدوم عبد الله بن مسعود من الحبشة، فإنّ قدوم زينب  وابنتها إلى المدينة كان بعد ذلك، ولو لم يكن الأمر كذلك، لكان فيه إثبات النسخ بمجرد الاحتمال.

 وقيل: إن ذلك مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ذكره القاضي عياض !

والأصل عدم الخصوصية كما هو معلوم إلا بدليل واضح .

 وقيل: هذا مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم إذْ لا يؤمن من الطفل البول وغير ذلك على حامله، وقد يعصم منه النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم سلامته من ذلك مدة حمله!

وقيل: إنما كان هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم لأمامة، لتعلّقها بالرسول صلى الله عليه وسلم وتأنسها به؛ فلذا كان يحملها في صلاته.

      وحكى النووي ما سبق، ثم قال:  وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة، فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيحٌ صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يُخالِف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه من النجاسة مَعفوّ عنه لكونه في معدته، وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا، والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قَلَّتْ أو تَفَرَّقَتْ . اهـ .

 وقال صديق حسن خان أيضا نحوه ثم قال: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بياناً للجواز انتهى.

     فعليه: لو حَمَلتْ المرأة صبيّاً يلبس حفاظاً، وهي لا تَعلم عن هذا الحفّاظ، فصلاتها صحيحة، ولا حرج عليها في ذلك، فالنجاسة المظنونة لا يُلتَفتْ إليها؛ لأن الطهارة يقين فلا يُنتَقل عن هذا اليقين إلا بيقين، للقاعدة: اليقين لا يَزول بالشكّ.

ولو كان بالحفّاظ نجاسة، إلا أنه غير ظاهرة، ولا تتعدى لملابس المصلي، فلا تُمنع منه على الأظهر.

أما إذا تعدّى البلل الحفّاظ، فلا يجوز لها حَمله في الصلاة.

وفي الحديث ردٌ على من قال من الفقهاء: أن ثلاث حركات متوالية في الصلاة تفسدها! 

     وقال بعض مصنفي أصحاب الشافعي: إن العمل الكثير إنما يفسد الصلاة إذا وقع متواليا، وهذه الأفعال قد لا تكون متوالية، فلا تكون مفسدة، والطمأنينة في الأركان -لاسيما في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم - تكون فاصلة، ولا شك أن مدة القيام طويلة فاصلة.

     قال حسن خان: ومن لطائف هذا المقام: أن الشوكاني رحمه الله قد سئل عن حمل العمامة الساقطة في الصلاة، أهو جائز أم لا؟ فأجاب: إن حمل العمامة ليس بأثقل من حمل أمامة انتهى.

     وفي حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة في الصلاة؛ فَإِذَا سجد وَضَعَها, وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا، يدل على رحمته صلى الله عليه وسلم بالصِّبيان، فأمامة هذه بنت بنته صلى الله عليه وسلم .

     ومما ينبه عليه: أن الحديث ليس دليلا على إحضار الصبيان للمساجد باستمرار، ولا أنّ حَملَهم في الصلاة سُنّـة، وإنما يؤخذ منه جواز ذلك إذا احتاج الإنسان إليه، أو إذا لحِقَ الصبي أباه دون أن يتعمّد هو فِعل ذلك.

والله أعلم.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك