رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 13 يناير، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 74 ) باب : السهو في الصلاة والأمر بالسجود فيه

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

354.عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى؟ ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَاماً لِأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ».

 الشرح: قال المنذري: باب: السهو في الصلاة والأمر بالسجود فيه . والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 400) وبوب النووي: باب السهو في الصلاة والسجود له .

     قوله: «فَلَمْ يَدْرِ» مجزوم بحذف الياء، كقوله تعالى: {ﮚ  ﮛ  ﮜ}  (يوسف: 90). قوله: «إِذا شكَّ أَحدُكُم فِي صَلَاته» الشك في اللغة: التردد بين وجود الشيء وعدمه.

     قوله: «فليطرح الشك وليبن على ما استيقن» وفي رواية: «فليصلِّ» وفي هذا الحديث دلالة صريحة: على أنّ من شكّ في صلاته، فلم يدر كم صلى، فإنه يبني على اليقين، وهو الأقل ، وهو موافق لقواعد الشرع في الشك.

     ويؤيده حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سَها أحدُكم في صلاته، فلم يدر واحدةً صلى أو اثنتين، فليبنِ على واحدةٍ، فإنْ لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا، فليبنِ على ثنتين، فإنْ لم يدر ثلاثاً صلى أو أربعا، فليبنِ على ثلاثٍ، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم».

ونوقش هذا الحديث : بأنه معلول .

     ويجاب عنه بأنه قد صححه الترمذي والحاكـم والذهبي، وقال الشيخ أحمد شاكر بعدما ذكر شواهد لهذا الحديث:  «ومجموع هذه الروايات تؤيد تصحيح الترمذي والحاكم والذهبي للحديث».اهـ .

وعلى افتراض عدم صحة الحديث ، فإنّ مدار الحكم لا يعتمد على هذا الحديث وحده ، فالعمدة حديث أبي سعيد الخدري المتقدم ، وهو صحيح .

 قال ابن عبد البر : وفي الحديث دلالةٌ قوية، لقول مالك والشافعي والثوري  وغيرهم : أنّ الشاك يبني على اليقين ، ولا يجزيه التحري

 وورد في بعض الأحاديث الأمر بالتحرّي عند حصول الشك .

     وقد استدل من قال بالتحري: بحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صلى النبيُ صلى الله عليه وسلم- قال إبراهيم: لا أدري زاد أو نقص - فلما سلّم، قيل له: يا رسول الله، أَحَدثَ في الصلاة شيءٌ؟ قال: «وما ذاك؟»، قالوا: صليتَ كذا وكذا، فثنى رجله واستقبل القبلة، وسجد سجدتين ثم سلم ، فلما أقبل علينا بوجهه، قال: « إنه لو حَدثَ في الصلاة شيءٌ، لنبّأتكم به، ولكنْ إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكروني، وإذا شكّ أحدُكم في صلاته، فليتحرّ الصوابَ فليتمّ عليه، ثم يُسلم ثم يسجد سجدتين» . متفق عليه.

     وجه الاستدلال من الحديث: قالوا: أفاد الحديث بأن من شك في صلاته، فلم يدر كم صلى، فإنه يتحرّى بأنْ يبني على غالب ظنه.  واختلف الفقهاء في كيفية الجمع بينه، وبين الحديث الأول، على مسلكين:

- المسلك الأول: ذهب بعـض الفقهاء - ومنهم الإمام مالك - إلى أن المقصود بالتحري في حديث ابن مسعود هذا، هو: الرجوع إلى اليقين؛ جمعاً بين هذا الحديث، وأحاديث البناء على اليقين المتقدمة .

- المسلك الثاني: أنه يحمل حديث ابن مسعود هذا على من عنده ظنٌ غالب فيتحرى؛ بأن يبني على غالب ظنه، وتحمل أحاديث البناء على اليقين، على من لم يكن عنده ظن غالب يعمل عليه، فيبني على اليقين وهو الأقل؛ جمعا بين الأحاديث .

      ويظهر - والله أعلم - أنّ المسلك الثاني أرجح وأصوب؛ لأن فيه إعمالاً لجميع الأحاديث، بينما المسلك الأول يجعل التحرّي هو البناء على اليقين، وهذا غير صحيح، فإنّ معنى التحري يختلف عن معنى البناء على اليقين، كما هو معلوم.

     وقيل: بالتفريق بين الإمام والمنفرد، بأنّ الإمام يبني على غالب ظنه؛ لأن له منْ يُنبهه، ويذكره بالصواب إذا أخطأ، فيتحرى ويعمل بالأظهر عنده؛ لأنه إنْ أصاب أقرّه من خلفه من المأمومين، فيتأكّد له صواب نفسه، وإنْ أخطأ سبّحوا له ، فيعلم أنه أخطأ، فيرجع إليهم، فيحصل له الصواب على كلتا الحالتين.

     وليس كذلك المنفرد؛ إذْ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل له إتمام صلاته . وعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد وعبد الرحمن بن عوف على المنفرد ، وحديث ابن مسعود على الإمام؛ جمعا بين الأحاديث وعملا بها جميعا.

     ونُوقش هذا الدليل : بأن الخطاب في أحاديث هذه المسألة لجميع المصلين، الإمام والمنفرد، وليس في لفظ واحدٍ منها ما يدل على ذلك، فإخراج الأئمة من حديث أبي سعيد وغيره غير صحيح ولا يجوز ، وكذلك إخراج المنفردين من حديث ابن مسعود غير صحيح أيضا.

 قوله: «وليسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم» فيه: أنّ سجود السهو قبل التسليم.

وفي حديث ابن مسعود، وفيه القيام إلى خامسة، سجد بعد السلام.

وفي حديث ذي اليدين الآتي، سجد بعد السلام.

فاختلف الفقهاء في الأخذ بها، فقال أبوحنيفة: الأصل هو السجود بعد السلام .

وقال الشافعي: الأصل السجود قبل السلام . وقال مالك: إن كان السهو زيادة، سجد بعد السلام، وإنْ كان نقصاً فقبله.

وقوله أحسن الأقوال، والله تعالى أعلم.

     وقال عياض: لا خلاف بين هؤلاء وغيرهم من العلماء، أنه لو سجد قبل السلام أو بعده، للزيادة أو النقص، أنه يُجزئه، ولا تفسد صلاته، وإنما اختلافهم في الأفضل، والله أعلم.

ومن المسائل:

1- أنه لو سها سهوين فأكثر، كفاه سجدتان للجميع ، وبه قال الجمهور.

قال صديق حسن خان: أحسن ما يستدل به لهذا : أنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ من الصحابة، أنهم كرّروا السجود لتكرر السهو، مع أن تكرر السهو ممكن لكل مصل انتهى .

2- أن أحاديث سجود السهو، شاملةٌ لجميع من سها في صلاته، فرضا كانت أم نفلاً.

3- أن الإمام إذا سها، وسجد للسهو، وجب على المأموم أن يسجد معه، ولو لم يسه هو، لحديث: «إنما جعل الإمام ليؤتم به».

4- أن المأموم إذا سها، فترك واجباً من واجبات الصلاة، فإنه لا يلزمه أن يسجد للسهو بعد صلاته، إذْ لم يعرف عن أحدٍ من الصحابة ، أنه سجد للسهو خلف النبي صلى الله عليه وسلمفي صلاة الجماعة.

ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامنٌ..»، رواه أبوداود والترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي هريرة .

     قوله: «فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا ، شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ»، وفي رواية: «فإنْ كانت الركعة التي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين»، أي: ردّها إلى الشفع، قال الباجي: يحتمل أن الصلاة مبنية على الشفع، فإنْ دخل عليه ما يوترها من زيادة، وجب إصلاح ذلك بما يشفعها.

     قوله: «وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَاماً لِأَرْبَعٍ، كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ»، تَرْغيما لِلشَّيطان، أي إغاظة له وإذلالا، قال النووي: المعنى : أن الشيطان لبّس عليه صلاته، وتدارك ما لبسه عليه فأرغم الشيطان، وردّ خاسئاً مُبعدا عن مراده، وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله تعالى، الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك