رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 27 يناير، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 75 ) الـــسـهــــو فـــي الصــــلاة


السُنة بيّنت ما يفعله من نابه شيء في صلاته، وهو التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ولا ينبغـي العدول عن هذا إلى الكلام الذي ليس من جنس الصلاة

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

355.عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ، إِمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَهَابَا أَنْ يَتَكَلَّمَا، وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ، قُصِرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُصِرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَنَظَرَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَمِينًا وَشِمَالًا، فَقَالَ: «مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ.

قَالَ: وَأُخْبِرْتُ عَنْ عِمْرَانَ بْن حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَال: وسَلَّمَ.

 الشرح: هذا الحديث الثاني في هذا الباب: باب السهو في الصلاة والأمر بالسجود فيه. والحديث أخرجه مسلم في المساجد (1/ 403) في الباب السابق .

     ورواه البخاري في الصلاة (482) باب: تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. وباب (714): هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس.  قوله: «إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر» العشي: هو بفتح العين وكسر الشين وتشديد الياء. قال الأزهري: العشيّ عند العرب ما بين زوال الشمس وغروبها .

قوله: «ثم أتى جذعا في قبلة المسجد فاستند إليها»، هكذا هو في كل الأصول «فاستند إليها»، والجذع مذكر، ولكن أنّثه على إرادة الخشبة، وكذا جاء في رواية البخاري وغيره: «فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها».

قوله: «فاستند إليها مغضبا» هو بفتح الضاد، يوضح أنّ غضبه لم يكن لكلام ذي اليدين، فإن هذا الغضب كان قبل أن يسأله ذو اليدين كما هو ظاهر الحديث. وقال مسلم في حديث عمران بن حصين: فذكر له صنيعه وخرج غضبان.

قال صاحب المفهم: يحتمل أن يكون غضبه إنكاراً على المتكلم؛ إذْ قد نسبه إلى ما كان يعتقد خلافه، ويدل عليه قوله في الرواية الأخرى فقال: «قصرت الصلاة يا رسول الله» فخرج مغضبا. ويحتمل أن يكون غضبه لأمر آخر لم يذكره الراوي.

قوله: «وخرج سَرعان الناس» والسَرعان بفتح السين والراء، هذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أهل الحديث واللغة، وهكذا ضبطه المتقنون. والسرعان: المسرعون إلى الخروج .

     ونقل القاضي عياض عن بعضهم إسكان الراء قال : وضبطه الأصيلي في البخاري: بضم السين وإسكان الراء ، ويكون جمع سريع ، كقفيز وقفزان ، وكثيب وكثبان . قال الحافظ : والْمُرادُ بهم أَوائِلُ النَّاسِ خُرُوجا مِن الْمَسْجِدِ وهم أَصْحَابُ الْحَاجَاتِ غَالِبًا .

 قوله: «قصرت الصلاة» يعني يقولون: قصرت الصلاة. 

     قوله: «فقام ذو اليدين»، وفي رواية: «رجل من بني سليم»، وفي رواية: «رجل يقال له: الخرباق، وكان في يده طول»، وفي رواية: «رجل بسيط اليدين». هذا كله رجلٌ واحد اسمه الخرباق بن عمرو، بكسر الخاء المعجمة والباء الموحدة وآخره قاف، ولقبه ذو اليدين، لطولٍ كان في يديه، وهو معنى قوله: بسيط اليدين. وهو محمولٌ عَلَى الْحقيقَة. وفي رواية البخاري ما يؤكده ففيها: «وَفي الْقوْم رجلٌ فِي يده طُولٌ ، يُقالُ لَه ذُو الْيَدَيْنِ».

فما قالَه الْقُرطبِيّ: «ويحتملُ أَنْ يكون كِنايةً عن طُولِهَا بالْعمل، أَو بالبذل». فيه نظر!

وجزم ابن قُتَيْبَةَ بأَنَّه: كَانَ يَعملُ بيديه جميعا.

قوله: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين» وفي رواية: «صلاة الظهر».

قوله: «ثُمَّ أَتَى جِذْعا فِي قبْلَةِ الْمَسجِدِ فاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا»، وفي رواية: «ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ - أَيْ فِي جهة الْقِبْلَةِ -» قولُه: «فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا»، وفي رواية: «إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ»، أَيْ: موضوعةٍ بِالْعَرْضِ.

ولمسلم: «ثُمَّ أَتَى جِذْعًا في قِبْلَةِ الْمسجِدِ فَاسْتَنَدَ إِلَيْهَا مُغْضَبًا».

قال الحافظ: وَلَا تَنَافيَ بين هذه الرِّواياتِ؛ لِأَنَّهَا تُحمَلُ عَلَى أَنَّ الْجذْعَ قبل اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ كَانَ مُمْتَدًّا بِالْعَرْضِ، وَكَأَنَّه الْجذْعُ الَّذي كَانَ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنِدُ إِلَيْه قبْل اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ، وبذلك جزم بعْضُ الشرَّاحِ.

 وفيه: حجةٌ لعامة العلماء: أنّ استدبار القبلة في حق من خرج من الصلاة ساهياً قبل تمامها، لا يمنع البناء عليها، خلافاً لمن شذ فقال: إنّ استدبارها يمنع البناء، ويوجب الاستئناف.

 قوله: «فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ»، فِي رواية البخاري: «فَهَابَاهُ»، بزيادة الضَّمير، والمعنى أَنَّهُما غَلَبَ علَيهما احترامُه وَتَعْظيمُه عن الاعْتراضِ علَيه، وأَمَّا ذو الْيدين فَغَلَبَ علَيه حرْصُه عَلَى تعلُّم الْعلْم، قاله الحافظ.

     قوله: «قصرت الصلاة»، يعني يقولون: قصرت الصلاة. وفي رواية البخاري: «فقالُوا أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ»، بهمزة الِاسْتفْهام، فَتُحْملُ تلْك علَى هَذه، وفيه دليلٌ: علَى ورعهم؛ إِذْ لَم يَجْزمُوا بوقُوعِ شيءٍ بغيْر علْمٍ ، وهابُوا النَّبيّ[ أَنْ يسْأَلُوهُ، وإِنَّمَا اسْتَفْهَمُوهُ؛ لِأَنَّ الزَّمانَ زَمانُ النَّسْخِ.

و«قُصِرَتْ» بضمِّ الْقاف وكَسر الْمُهملَة علَى الْبِناء للْمفعول، أَي: إنَّ اللَّهَ قَصرَها، وبفتْحٍ ثُمَّ ضَمٍّ علَى الْبناء للْفَاعل، أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً. قَال النَّوَويُّ: هَذَا أَكْثَرُ وأَرجحُ .

قوله: «فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَمِينًا وشمالًا، فَقَالَ: مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟»، قَالُوا: صَدَقَ، لَمْ تُصَلِّ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ. فيه: أن للإمام أن يتأكد من المصلين إذا أخبره بعضهم بالسهو.

قال ابن التين: يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم شكّ بإخبار ذي اليدين، فسألهم إرادة تيقن أحد الأمرين، فلما صدّقوا ذا اليدين علم صحة قوله، قال: وهذا الذي أراد البخاري بتبويبه. (الفتح 2/205).

 وفي الحديث: دليل على أن الكلام المتعمد لإصلاح الصلاة لا يبطلها.

واعترض عليه:

1- أن هذا خطاب وجواب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك غير مبطل للصلاة.

2 - أنهم تكلموا لعدم كونهم على يقين مـن البقاء في صلاة؛ لأنهـم كانوا مجوزين لنسخ الصلاة من أربع إلى ركعتين.

3 - أنه كلام أتي به قصدا للتنبيه وإصلاح الصلاة، فلم تبطل به الصلاة قياسا على التسبيح .

4 - ولأنه كلام لم يقصد به التعمد الممنوع، فلا تبطل به صلاته، كالسهو.

- والراجح: أن من تكلم في صلاته عمداً لإصلاحها، تبطل صلاته وعليه الإعادة، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء؛ وذلك لعموم الأحاديث الصحيحة الثابتة في النهي عن الكلام في الصلاة، من غير تفريقٍ بين أن يكون لمصلحتها أو لغير مصلحتها.

- والثاني: أنّ السُنة بيّنت ما يفعله من نابه شيء في صلاته، وهو التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، ولا ينبغـي العدول عن هذا إلى الكلام الذي ليس من جنس الصلاة.

 - الثالث: أن ما استدل به المخالف، وإنْ كان صحيحاً فإنه لا حجة فيه على صحة الكلام المتعمد لمصلحة الصلاة؛ لأنه يمكن حمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على اعتقاده إتمام صلاته، بدليل عدم تصديقه ذي اليدين في قوله أولا.

قوله: «وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: « وسلّم» القائل «وأخبرت» هو: محمد بن سيرين .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك