رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 17 فبراير، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 77 ) باب: فـــي ركعـــــتي الفجــــــر

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

361.عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها قالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لَا يُصَلِّي إلَّا ركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.

 الشرح: قال المنذري: باب: في ركعتي الفجر. وأخرجه مسلم في الصلاة (1/500) وبوب عليه النووي: باب استحباب ركعتي سنة الفجر، والحث عليهما، وتخفيفهما والمحافظة عليهما، وبيان ما يستحب له أن يقرأ فيهما.

قولها «كَان رسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، لَا يُصَلِّي إلَّا ركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْن» في الحديث دليل: على استحباب تخفيف صلاة سنة الفجر، وسيأتي بيان ما كان يقرأ فيهما.

وعن عائشةَ رضي الله عنها قالَت: «كان النَّبيُّ  صلى الله عليه وسلم يُخَفَّفُ الرَّكعتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلَ صلاةِ الصُّبْحِ، حتَّى إنِّي أَقُولُ: أَقَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ؟» مُتَّفقٌ علَيه.

وقولها «إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ» دليلٌ على أنها لا تصلى من الليل.

وفي الباب: عن عائشة رضي الله عنها قالَت: «كان رسول صلى الله عليه وسلم يُصلي ركعتي الفجر، إذا سمع الأذان، ويخففهما».

وفي رواية لها: «أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلي ركعتين بين النداء والإقامة، منْ صلاة الصبح». رواهما مسلم.

     قولها «لَا يُصَلِّي إلَّا ركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْن» استدل به على منع التنفل بعد طلوع الفجر الثاني، إلا سنة الفجر. وقد اختلف العلماء في جواز التنفل بالصلاة بعد طلوع الفجر الثاني؟ وسبب الخلاف هو: هل وقت النهي عن الصلاة بعد الفجر، متعلقٌ بطلوع الفجر، أم بأداء صلاة الفجر؟

وعلى هذا ينبني القول بجواز التنفل بعد ركعتي الفجر، فمن علق النهي بطلوع الفجر، منع من الصلاة إلا سنة ركعتي الفجر، ومن علق النهي بأداء الصلاة، جاز على أصله التنفل بعد أداء ركعتي الفجر.

والمشهور من مذهب أحمد، وهو قول أهل الرأي والليث والأوزاعي، هو القول الأول.

وعند أحمد في رواية أخرى وهو مذهب الشافعية والظاهرية، أن النهي متعلقٌ بفعل الصلاة.

وقد استدل للقول الأول:

بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بعد طلوع الفجر، إلا سجدتين». رواه الترمذي.

     وعن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابنُ عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر، فقال: يا يسار، إنّ رسول الله خرج علينا، ونحن نصلي هذه الصلاة، فقال: «ليبلّغ شاهدُكم غائبكم، لا تُصلوا بعد الفجر إلا سجدتين». رواه أحمد (2/104) وأبو داود (1278) والترمذي (2/279) وغيرهم.

وحديث: «إذا طلعَ الفجرُ، فلا صلاة إلا ركعتي الفجر». رواه الطبراني في الأوسط، وله شواهد (الإرواء 478).

وروى البيهقي وغيره بسند صحيح: عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر، أكثر من ركعتين، يُكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد يعذّبني الله على الصلاة؟! قال: «لا، ولكن يُعذّبك على خلاف السنة»؟!.

 واستدل من علّق النهي بفعل صلاة الفجر:

بحديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاةَ بعد العصر حتى تغربَ الشمس، ولا صلاةَ بعد صلاةِ الفجر حتى تطلع الشمس». متفق عليه.

وبحديث عمرو بن عبسة: وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : «صلّ صلاة الصُبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس».

ووجه الدلالة من الحديثين: أنه رتّب النهي على فعل الصلاة.

والراجح - والله أعلم - أنّ النهي الأول متعلقٌ بطلوع الفجر، والثاني متعلق بما بعد الصلاة.

والمنع من صلاة بعد الفجر إلا سجدتين، هو قول الأكثر، بل حكاه الترمذي إجماعا، فقال بعد روايته لحديث ابن عمر: «وهو ما أجمعَ عليه أهلُ العلم، كرهوا أنْ يُصلي الرجلُ بعد طلوع الفجر، إلا ركعتي الفجر».

وقد تَعقب الترمذي غير واحدٍ من أهل العلم، منهم القاضي عياض، والقرطبي في «المفهم لما أشكل من صحيح مسلم» وابن حجر في التلخيص وغيرهم.

قال القرطبي: هذا الإجماع الذي حكاه الترمذي، إنما هو على كراهة التنفل المبتدأ، وأما ما كان بحسب سببٍ، فقد ذكرنا الخلاف فيه في باب تحية المسجد.

وقد ذكر هناك الاختلاف عن مالك: فيمن ركع ركعتي الفجر في بيته، هل يُحيي المسجد أو لا يحييه؟ قولان عنه.

وقال ابن حجر: «دعوى الترمذي الإجماع على الكراهة لذلك عجيب، فإن الخلاف فيه مشهور، حكاه ابن المنذر وغيره، وقال الحسن البصري: لا بأس به، وكان مالك يرى أنْ يفعله من فاتته صلاة بالليل؟!».

وروي عن مالك أنه قال: من غلبته عينه ففاته بعض حزبه، أو ركوع كان يركعه بالليل، فأرجو أن يكون خفيفاً أنْ يصليه بعد طلوع الفجر؟! أما غير ذلك فلا يُعجبني أنْ يصلي بعد انفجار الصبح إلا ركعتين.

والجواز مروي عن عائشة ومجاهد والحسن وعروة وعطاء. ولا شك في مخالفة هذا القول للأحاديث المتقدمة !

وعلى القول بالمنع، فهل هو خاص بالتطوع المطلق، من غير ذوات السبب فتجوز صلاة ما له سببٌ، كصلاة فائتة الليل، أو تحية المسجد لمن صلى ركعتي الفجر في بيته، ثم جاء إلى المسجد؟

     وقد قوّى ابن عبد البر القول بجواز تحية المسجد خاصة، لمن صلى ركعتي الفجر في بيته ثم أتى المسجد، وحمل حديث ابن عمر في النهي على فرض صحته، على التطوع في البيت، مما لم يندب إلى فعله رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه قد أمر الداخل إلى المسجد أنْ يركع ركعتين قبل أن يجلس، وهو أثبت سنداً من حديث النهي، كما قوّى هذا من جهة النظر، وهو أن ركعتي تحية المسجد من فعل الخير، فلا ينهى عنه ما لم ترد سنة بالنهي عنه، من وجه لا معارض له.

ولكن الأولى كما ذكرنا ألا يصلي بعد ركعتي الفجر إلا الفريضة، اتباعا للسنة كما في حديث حفصة المتقدم وغيره، ومن صلاهما في البيت فإنه يتحرى بقدومه إلى المسجد إقامة الصلاة، والله تعالى أعلم.

 

 158- باب: فضل ركعتي الفجر

 362.عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ، خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».

الشرح: قال المنذري: باب: فضل ركعتي الفجر. وأخرجه مسلم في الصلاة، وهو في الباب السابق. قوله «ركعتا الفجر» أي: سنّة الفجر الراتبة. قوله «خيرٌ من الدنيا» أي: خيرٌ من متاع الدنيا كله.

وقيل: خيرٌ من إنفاق مال الدنيا في سبيل الله، والأول أظهر.

وفي الحديث: عظم الثواب الذي رتّبه ربنا تبارك وتعالى على صلاة ركعتي الفجر، مع أنهما عملُ قليل، فهذا من فضل الله تعالى، وواسع كرمه.

وإذا علم المؤمن فضل ركعتي الفجر، فينبغي أنْ يحافظ عليهما، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحافظ عليها غاية المحافظة، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: «ولم يكنْ يَدعهما أبداً».

وقالت: «لم يكنْ النبي صلى الله عليه وسلم على شيءٍ من النوافل، أشدّ منه تعاهداً على ركعتي الفجر» متفق عليهما.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيءٍ منْ النوافل أشدّ منه تعاهداً، على ركعتي الفجر» رواه البخاري في التهجد (1110).

وفيه: فضل الآخرة على الدنيا، لأنّ متاع الدنيا مهما كان، فإنه يزول ويفنى وينفد، وأما الآخرة فنعيمها باقٍ لا ينفد، قال تعالى {َلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 96).

والعاقل مَنْ لم تشغلة الدنيا الفانية، عن الآخرة الباقية، بل يُقبل على ما فيه صلاح آخرته، وتكثير حسناته، مع قيامه بما يحتاج إليه من أمر معاشه ودنياه، كما قال تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ  وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} (القصص: 77).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك