رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 24 فبراير، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 78 ) بــاب: القـــــراءة فـــي ركعتي الفجـــر

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

363.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْر: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}.

 الشرح : قال المنذري : باب: القراءة في ركعتي الفجر .

وأخرجه مسلم في الموضع السابق (1/502 ) .

قوله : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُون} و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد}  فيه: أنه يستحب قراءة سورة بعد الفاتحة فيهما .

 وفيه: استحباب قراءة سورتي (الكافرون) و (الإخلاص) فيهما.

أي : يقرأ في الركعة الأولى منهما:(قل يا أيها الكافرون)، وفي الثانية (قل هو الله أحد).

وأيضا : فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم  أنه كان يقرأ بهما في سنة المغرب:

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: رَمَقتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم  عِشرِينَ مَرَّةً يَقرَأُ فَي الرَّكعَتَينِ بَعدَ المَغرِبِ ، وَفِي الرَّكعَتَينِ قَبلَ الفَجرِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ)  و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).

رواه أحمد في المسند (2/ 99) والنسائي (992) وقال النووي في (المجموع) (3/385): إسناده جيد. وصححه الألباني في (السلسلة) (3328) والشيخ أحمد شاكر .

 ولذا نص العلماء على استحباب قراءة هاتين السورتين في سنتي الفجر والمغرب، عملاً بهذه الأحاديث.

انظر: (المغني)(1/435)، (مغني المحتاج) (1/464) وغيرهما .

وثبت أيضا: أنه كان صلى الله عليه وسلم  يقرأ بهما في ركعتي الطواف .

     وأما الحكمة من قراءة هاتين السورتين ، فلأنهما قد اشتملتا على أنواع التوحيد الثلاثة ، وعلى التوحيد العِلمي والعَملي، فسورة (قلْ هُو اللهُ أحد) اشتملت على توحيد الألوهية والأسماء والصفات، فأثبتت أنّ الله تعالى إلهٌ واحد، ونفت عنه الولد والوالد، والكُفؤ والنّظير، وهو مع هذا (الصّمد) الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها . وهذا هو التوحيد العلمي.

أما سورة (قل يا أيها الكافرون) فاشتملت على التوحيد العَملي، وهي آمرةٌ بالإخلاص فيه لله تعالى، وهي سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، فقوله: (قلْ يا أيها الكافرون) شمل كل كافرٍ على وجه الأرض ، وإنْ كان المواجهون بهذا الخطاب أصلا هم كفار قريش .

وروي : أنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  إلى عبادة أوثانهم سَنةً ، ويعبدون معبوده سَنة ، فأنزل الله هذه السورة ، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم  فيها أنْ يتبرأ منْ دينهم بالكلية .

     قال الإمام ابن القيم : وسورة (قل يا أيها الكافرون) تضمنت توحيد العبادة، وأن العبدَ لا يعبد إلا الله، ولا يُشرك به في عبادته أحداً؛ فلذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم  يفتتح بهما النهار في سُنّة الفجر، ويُختم بهما في سنة المغرب، وفي السنن أنه كان يوتر بهما، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار. انتهى. من «بدائع الفوائد» (1/145-146).

 وقد روى الإمام أحمد في فضلها : عن الحارث بن جبلة قال: قلت: يا رسول الله، علّمني شيئا أقوله عند منامي. قال: «إذا أخذتَ مضجعك من الليل فاقرأ: {قلْ يا أيُّها الكافرون} فإنها براءةٌ منَ الشّرك».  وهناك قراءةٌ له أحياناً بغير هاتين السورتين في سُنة الفجر :

فكان أحيانا يقرأ بعد الفاتحة في الأولى منهما آية: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (البقرة : 136) إلى آخر الآية، وفي الأخرى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} (آل عمران: 64) إلى آخرها. كما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو عند مسلم ( 1/502 ).

     أو يقرأ ما رواه أبو داود : من حديث أبي هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم  يقرأ في ركعتي الفجر: {قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا} (آل عمران: 84). في الركعة الأولى، وفي الركعة الأخرى بهذه الآية: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران: 53).

أو : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (البقرة: 119). قال الشيخ الألباني : حسن.

 فهذه أيضا سنة أخرى في القراءة في سنة الفجر، والأمر في ذلك واسع، لثبوت ذلك كله عنه صلى الله عليه وسلم  وبأيهما حصلت القراءة به، فقد أصاب السُنة ، والحمد لله تعالى .

 160- باب: الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

 364.عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم  إِذَا صلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ.

الشرح: قال المنذري: باب: الاضطجاع بعد ركعتي الفجر . وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/511) وبوب عليه النووي: باب صلاة الليل، وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم  في الليل.

     والحديث أخرجه البخاري في التهجد ( 1161) باب: من تحدّث بعد الركعتين ولم يضطجع. قولها: «كَانَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم  إِذَا صلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي، وَإِلَّا اضْطَجَعَ» وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم  لم يكن يداوم على الاضطجاع بعد سنة الفجر. وهذا الاضطجاع، قد ورد فيه جملة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :

فمنها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا صلّى أحدُكم الركعتين قبلَ صلاةِ الصُبح، فليَضطجعْ على جَنبه الأيمن» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه .

 ومنها: عن عبد الله بن عمرو بن العاص  رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان إذا ركع ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن .

رواه أحمد والطبراني، وفي إسناده: حيي بن عبد الله المعافري ، وهو مختلف فيه، وفي إسناد أحمد أيضاً ابن لهيعة، وفيه مقال مشهور، لكن الحديث يتقوّى بما قبله.

 وقد اختلف العلماء والفقهاء رحمهم الله، في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال:

- الأول: أنه مشروع على سبيل الاستحباب. وممن كان يفعل ذلك، أو يفتي به من الصحابة: أبو موسى الأشعري، ورافع بن خديج، وأنس بن مالك ، وأبو هريرة. واختلف فيه على ابن عمر؛ فرُوي عنه فعل ذلك، وروي عنه إنكاره كما سيأتي. وممن قال به من التابعين: ابن سيرين، وعروة ، وبقية الفقهاء السبعة.

     وممن قال باستحباب ذلك من الأئمة: الشافعي وأصحابه. وهو مذهب الحنابلة قال في (الإقناع)، وشرحه (كشاف القناع): ويسن الاضطجاع بعدهما على جنبه الأيمن، قبل فرضه، نص عليه، بقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم  إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع. وفي رواية: فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع.

وبه قال الموفق في (المغني).

قال الحافظ: وذهب بعض السلف، إلى استحبابها في البيت دون المسجد، وهو محكيٌ عن ابن عمر، وقوّاه بعض شيوخنا: بأنه لم ينقل عن النبي أنه فعله في المسجد، وصحّ عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة (الفتح 3/44).

- القول الثاني: أن الاضطجاع بعدهما واجبٌ مفترض؟! لا بد من الإتيان به، وهو قول أبي محمد بن حزم، واستدل بحديث أبي هريرة المذكور، انظر (المحلى) (3/ 196) وما بعدها .

بل لقد قال ببطلان الفريضة لمن صلاها بعد ركعتين لم يضطجع بعدهما، ذاكراً أو ناسياً!

 - القول الثالث: أنّ ذلك مكروه وبدعة! وممن قال به من الصحابة: ابن مسعود، وابن عمر، على اختلاف عنه. فروى ابن أبي شيبة: عن إبراهيم: قال ابن مسعود: ما بال الرجل إذا صلى الركعتين يتمعك، كما تتمعك الدابة، أو الحمار؟!

وعن سعيد بن المسيب قال: رأى عمر رجلا يضطجع بعد الركعتين، فقال: احصبوه.

وممن كره ذلك من التابعين: الأسود بن يزيد وإبراهيم النخعي، وقال: هي ضجعة الشيطان. وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، ومن الأئمة: مالك، وحكاه القاضي عياض عن جمهور العلماء؟!

 - القول الرابع: أنه خلاف الأولى، روى ابن أبي شيبة: عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.

 - القول الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل، فيستحب له ذلك للاستراحة، وبين غيره ، فلا يشرع له.

واختاره ابن العربي، وقال: لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة، إلا أن يكون قام الليل فيضطجع؛ استجماماً لصلاة الصبح، فلا بأس.اهـ (عارضة الأحوذي) (2/ 216) .

وهذا مجرد ظن وتخمين، وليس بحجة، وقد روت عائشة أنه كان يفعله ، والحجة في فعله، وقد ثبت أمره به، فتأكدت بذلك مشروعيته.

 - القول السادس: أن الاضطجاع ليس مقصودًا لذاته، وإنما المقصود الفصل بين ركعتي الفجر والفريضة . روى ذلك البيهقي عن الشافعي  السنن (3/ 46). وفيه: أن الفصل يحصل بالقعود، والتحول، والتحدث، وليس بمختص بالاضطجاع.

قال النووي: والمختار: الاضطجاع؛ لظاهر حديث أبي هريرة. اهـ

انظر (الفتح) (3/43-44 )(نيل الأوطار) (3/ 24، 25) .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك