رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 26 مايو، 2015 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 137 ) باب: إذا قَدِم من السَّفر صلّى في المسجدِ ركعتين

 


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

446-عن جَابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال: خَرَجْتُ مع رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلِي، وقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْتُ الْمَسْجِدَ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَال: «الْآنَ حِينَ قَدِمْتَ؟!»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَال: «فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، قَال: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ.

الشرح: قال المنذري: باب: إذا قدم من السفر صلى في المسجد ركعتين. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/496).

     والحديث رواه البخاري مطولا في كتاب البيوع (2097): باب شراء الدواب والحمير: عن جَابِرِ بن عبْدِ اللَّهِ  -رضي اللَّهُ عنه- قَال: «كُنْتُ مع النَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم في غَزَاةٍ، فأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وأَعْيَا، فأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، فقال: جابِرٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَال: ما شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ علَيَّ جَمَلِي، وأَعْيَا، فَتَخَلَّفْتُ ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَال: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عنِ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قال: تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَم، قال: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا، قُلْتُ: بل ثَيِّبًا، قال: أَفَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ، قُلْتُ: إِنَّ لي أَخَوَاتٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ، وتَقُومُ علَيهِنَّ، قال: أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فإِذَا قَدِمْتَ فالْكَيْسَ الْكَيْسَ ، ثُمَّ قَال: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قلْتُ: نَعم، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلِي، وقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بابِ الْمَسْجِدِ، قال: آلْآنَ قَدِمْتَ، قُلْتُ: نَعَم، قَال: فَدَعْ جَمَلَكَ فَادْخُلْ فَصَلِّ ركْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لي بِلَالٌ، فَأَرْجَحَ لي في الْمِيزَانِ، فانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ ، فقال: ادْعُ لي جابِرًا، قلتُ: الْآنَ يَرُدُّ عليَّ الْجملَ، ولم يَكُنْ شيءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ منه، قال: خُذْ جَمَلَكَ، ولَك ثَمَنُهُ».

قوله: «فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وأَعْيَا» أعيا من الإعياء، وهو التعب.

ق     وله: «فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، قَال: فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ» فيه: أنّ صلاة القدوم من سفر الغزو أو الحج ونحوهما في المسجد، من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يفعلها، وهي سُنة غفل عنها كثير من المسلمين في وقتنا هذا، وينبغي إحياؤها قدر الإمكان إذا كان الوقت مناسبا، فيسنّ للقادم من السفر أنْ يُصلي ركعتين في المسجد، قبل الذهاب إلى بيته وأهله، ليكون أولَ منزلٍ ينزله بالبلد، ثم يذهب بعد ذلك إلى أهله، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر هاهنا.

قال النووي: «وهذه الصلاة مقصودة للقدوم، لا أنها تحية المسجد».

أي: أن هذه السنة متميزة ومستقلة عن صلاة تحية المسجد، وبفعلها تسقط تحية المسجد.

     وقد بوّب النووي في شرحه لمسلم لذلك فقال: باب استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر أول قدومه.. ثم ساق حديث كعب بن مالك في الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم جلس فيه.

وكذلك أبو داود -رحمه الله- في سننه قال: باب في الصلاة عند القدوم من السفر. ثم ذكر حديث كعب المذكور في صحيح مسلم.

قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود بعد أن ذكر هذا الحديث وحديثاً آخر في معناه: وفي الحديثين دلالة على أن المسافر إذا قدم من السفر، فالمسنون له أنْ يبتدئ بالمسجد ويصلي ركعتين. انتهى.

      وقد ذكر الفقهاء أيضاً أنه يستحب صلاة ركعتين عند الخروج للسفر وعند القدوم منه، قال في (الشرح الكبيرعلى مختصر خليل) في الفقه المالكي: قال عياض: ذوات السبب الصلاة عند الخروج للسفر، وعند القدوم منه، وعند دخول المسجد، وعند الخروج منه، والاستخارة والحاجة، وبين الأذان والإقامة، وعند التوبة من الذنب: ركعتان.  انتهى.

ولا فرق بين الركعتين المذكورتين وبين غيرهما من النوافل، لا في القراءة ولا في الصفة، فيكفي أن يقرأ فيهما بالفاتحة وما تيسر من القرآن.

ومن الأحاديث في هذه السنة أيضاً:

حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ ضُحًى، دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ».

وفي رواية لمسلم: «ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ».

 فوائد وأحكام من الحديث:

1- قصة جابر -رضي الله عنه- وبيع جمله كانت في السنة الخامسة من الهجرة، في غزوة ذات الرقاع.

2- في الحديث دلالة على مكارم أخلاق النبوة؛ لأنَّ مَن باع شيئاً فهو في الغالب محتاج إلى ثمنه ، فإذا تعوض من الثمن بقي في قلبه من المَبيع أسف على فراقه، فإذا رُدّ عليه المبيع مع ثمنه ذهب الهَم، وثبتَ فرحه، فكيف مع ما انضم إلى ذلك من الزيادة في الثمن.

3- جواز البيع مع الشرط؛ فإنّ جابراً اشترط ظهر الجمل لحين الوصول إلى المدينة، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم  على ذلك.

وجوّز أحمد اشتراط ركوب الدابة في بيعها مطلقا.

وقال مالك بالجواز إذا كانت مسافة الركوب قريبة، وقد حددت بثلاثة أيام وحمل هذا الحديث على ذلك.

وقال أبو حنيفة والشافعي وآخرون بعدم الجواز؛ لأنه يُنافي مقتضى العقد،  سواء قلّت المسافة أم كثرت. والأول أصح.

4- أما من قال بجواز البيع مع الشرط من العلماء، فقد أجابوا المانعين: بأن الشرط الذي يُنافي مقصود البيع هو الممنوع شرعاً، مثل أنْ يشترط في بيع الجارية ألا يطأها، وفي الدار ألا يسكنها، وفي العبد ألا يستخدمه، وفي الدّابة ألا يركبها.

أما إذا اشترط شرطا صحيحا، كتأجيل الثمن أو بعضه فهو جائز، قال تعالى {‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.. } (البقرة  282).

     أو اشترط رهناً، أو صفةً في المَبيع، مثل أنْ تكون الشاة حاملا، أو الدابة سريعة، أو منفعة ما باعه مدةً معلومة، أو لمكان معلوم، فلا بأس به، ولو كان أكثر من شرط، كأن يشترط تكسير الحطب وحمله للدار، أو تفصيل الثوب وخياطته، وهو قول الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وأبو ثور وغيرهم.

5- في الحديث: جواز أنْ يهب المشتري الشيء المُشتَرى قبل أنْ يقبضه، وجواز أنْ يهبه لغير البائع.

وجواز الهبة وإنْ لم تُقبض، هو مذهب مالك، وعند الشافعي: لا تجوز حتى تقبض.

6- قوله: «فَوزنَ لي بلال فأرجح»، فيه: جواز الزيادة في المبيع من البائع والمشترى، والحطّ من الثمن يجوز ، سواء قبض الثمن أم لا، وإلى هذا ذهب مالك والكوفيون والشافعي، وهى عندهم هبة مستأنفة.

7- جواز الزيادة في الوفاء بعد البيع بثمن معلوم.

8- جواز المساومة لمن يعرض سلعته للبيع، والمماكسة في البيع قبل استقرار العقد، وابتداء المشتري بذكر الثمن.

9- القبض ليس شرطاً في صحة البيع.

10- استحباب تفقد الإمام والكبير لأصحابه، وسؤالهم عما ينزل بهم، وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء، وإرشادهم إلى مصالحهم، وتنبيههم على وجه المصلحة فيها.

11- جواز ضرب الدّابة للسير وإن كانت غير مكلفة، دون إلحاق الضرر بها، أو العنت والمشقة بها.

12- وجوب توقير التابع لرئيسه.

13- جواز ردّ العطية قبل القبض لقول جابر: هو لك، قال: لا بعنيه.

14- جواز إدخال الدّواب والأمتعة إلى رحاب المسجد وحواليه.

15- استحباب الزيادة في الثمن عند الأداء، والرجحان في الوزن لكن برضا المالك، وهي هبة مستأنفة حتى لو ردت السلعة بعيب مثلا لم يجب ردها.

16- جواز ترك الإنسان حظّ نفسه امتثالاً لأمر الّنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك بيع جابر جمله للنبي صلى الله عليه وسلم مع احتياجه إليه.

17- مشروعية إيثار الإنسان مصلحة إخوانه على حظّ نفسه.

18- استحباب نكاح البكر.

وغير ذلك من الفوائد، والله تعالى أعلم.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك