رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 18 مارس، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 80 ) بـــــاب : فـــــي صـــــــلاة الضـــــحى

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

366.عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ! وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا، وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ ، وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ، خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ، فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ.

 الشرح: قال المنذري : باب : في صلاة الضُحى. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/496) وبوب عليه النووي (5/228): باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان، وأكملها ثمان ركعات، وأوسطها أربع ركعات أو ست، والمحافظة عليها .

 قولها: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ». أي: أنها ما رأته صلى الله عليه وسلم يُصلي صلاة الضحى، وسُبحة أي: نافلة.

وورد عنها عند مسلم أيضا: أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصلى الضُحى أربعَ ركعاتٍ، ويَزيد ما شاءَ اللهُ .

فيجمع بينهما : أنه كان صلى الله عليه وسلم يُصليها بعض الأوقات لفضلها، ويتركها خشيةَ أنْ تُفرض على أمته ، كما صرّحت به.

     قال النووي رحمه الله: قال العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يداوم على صلاة الضحى، مخافة أن تفرض على الأمة فيعجزوا عنها، كما ثبت هذا في الحديث (حديث زيد بن أرقم)، وكان يفعلها في بعض الأوقات كما صرحت به عائشة في الأحاديث السابقة، وكما ذكرته أم هانئ، وأوصى بها أبا الدرداء وأبا هريرة.

     وقول عائشة: «ما رأيته صلاها»، لا يخالف قولها : «كان يصليها»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يكون عندها في وقت الضحى، إلا في نادر من الأوقات؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في وقت يكون مسافراً وفي وقت يكون حاضراً، وقد يكون في الحضر في المسجد وغيره، وإذا كان في بيته فله تسع نسوة ، وكان يقسم لهن، فلو اعتبرت ما ذكرناه لما صادف وقت الضحى عند عائشة إلا في نادرٍ من الأوقات، وما رأته صلاها في تلك الأوقات النادرة، فقالت: «ما رأيته»، وعلمت بغير رؤية أنه كان يصليها، بإخباره صلى الله عليه وسلم أو بإخبار غيره، فروت ذلك، فلا منافاة بينهما.(المجموع 4 / 38) .

     وقال الشوكاني: وقد جمع هذه الروايات بأن قولها: كان يصلى الضحى أربعاً، لا يدل على المداومة، بل على مجرد الوقوع ، على ما صرح به أهل التحقيق، من أن ذلك مدلول «كان» كما تقدم.. قال: وغاية الأمر أنها أخبرتْ عما بلغ إليه علمُها ، وغيرها من أكابر الصحابة أخبر بما يدل على المداومة، وتأكّد المشروعية، ومَنْ علم حجة على منْ لم يعلم، ولاسيما وذلك الوقت الذي تُفعل فيه، ليس من الأوقات التي تُعتاد فيها الخلوةُ بالنساء . نيل الأوطار (3/63).

 وقد اختلف العلماء في حكم صلاة الضحى على أقوال عدة، أوصلها الإمام ابن القيم في «الزاد» إلى ستة أقوال :

القول الأول: أنها لا تُشرع إلا لسببٍ، واحتجوا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها إلا لسبب ، فاتفق وقوعه وقت الضحى، واستدلوا بأحاديث عدة منها:

1- حديث الباب عن عائشة رضي الله عنها.

2- ما رواه البخاري: عن عبد الله بن أبى ليلى قال: ما حدثنا أحدٌ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي الضحى غيرُ أم هانىء، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أرَ صلاةً قط، أخفُّ منها، غير أنه يُتم الركوع والسجود.

     قالوا: وصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى، إنما كانت من أجل الفتح، وأنّ سنة الفتح أنْ تصلى عنده ثمان ركعات، وكان الأمراء يسمونها: صلاة الفتح، وذكر الطبري في تاريخه: عن الشعبى قال: لما فتح خالد بن الوليد «الحِيرة» صلى صلاة الفتح ثمان ركعات ، لم يسلم فيهن ثم انصرف، قالوا: وقول أم هانىء: «وذلك ضُحى» في بعض روايات الحديث، تريد أنّ فعله لهذه الصلاة كان ضحى، لا أن الضحى اسمٌ لتلك الصلاة؟!

3- ما رواه البخاري: عن ابن شهاب قال: أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري: أنّ عتبان بن مالك - وهو منْ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدراً من الأنصار - أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله، قد أنكرتُ بصري، وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار، سال الوادي الذى بيني وبينهم، لم أستطعْ أنّ آتى مسجدهم فأصلى بهم، ووددتُ يا رسول الله، أنْ تأتيني فتُصلى في بيتي، فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سأفعل إنْ شاء الله». قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: «أين تُحبُ أنْ أصلى من بيتك؟». قال: فأشرت له إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبّر، فقمنا فصففنا فصلى ركعتين ثم سلم..» الحديث .

قالوا: وصلاته في بيت عِتبان كانت لسببٍ، فاختصر الحديث بعض الرواة عن عتبان، فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي سُبحة الضحى، فقاموا وراءه فصلوا.

قالوا: فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب.

لكن ما ذكره أصحاب هذا القول، من أدلةٍ لا تقوى على دفع الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضلها مُطلقة، غير مقيدة بسببٍ، وفي تسميتها صريحا بصلاته الضُحى، والتي احتج بها جمهور العلماء ، كما سيأتي .

 القول الثاني : قول الجمهور وهو أصح الأقوال: أنها سنةٌ مستحبة، ورد في فضلها أجر عظيم، فمن شاء ثوابها فليؤدها، وإلا فلا شيء عليه في تركها، لكن يفوته خيرٌ كثير، واستدل أصحاب هذا القول بجملة الأحاديث الصحيحة التي وردت في فضل صلاة الضحى، وسيأتي بعضها.

 القول الثالث : قول بعض السلف: أنها لا تُستحب أصلاً؟! وذهبت هذه الطائفة إلى أحاديث الترك، أو لم تصح عندهم صلاة الضحى بسندٍ يثقون به، وعمل بعض الصحابة بموجب ذلك، ومن هذه الأحاديث:

1- عن مورق قال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما: أتُصلى الضحى ؟ قال: لا، قلت: فعمر؟ قال: لا، قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت: فالنبي صلى الله عليه وسلم ؟، قال: لا إخَاله. رواه البخاري .

2- وعن عبد الرحمن بن أبى بكرة قال: رأى أبو بكرة ناساً يصلون الضحى، قال: إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عامة أصحابه.

3- قال أبو الحسن علي بن بطَّال: فأخذ قوم من السَّلف بحديث عائشة، ولم يَرَوا صلاةَ الضحى، وقال قوم: إنها بدعة؟! روى الشعبي عن قيس بن عُبيد قال: كنت أختلِف إلى ابن مسعود السَّنَةَ كلَّها، فما رأيتُه مصلياً الضحى. وروى شعبة عن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عبد الرحمن بن عوف كان لا يصلي الضحى.

وعن مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا ابنُ عمر جالس عند حُجرة عائشة، وإذا الناس في المسجد يُصلون صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم، فقال: بدعة. وقال مرة: ونِعمَتِ البِدعةُ.

وقال الشعبي: سمعتُ ابن عمر يقول: ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة مِن الضحى. وقصده البدعة اللغوية.

     قال الحافظ في الفتح: وفى الجملة ليس في أحاديث ابن عمر هذه، ما يدفع مشروعية صلاة الضحــى؛ لأن نفيـه محمولٌ على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع في الأمر نفسه، أو الذي نفاه سُنة مخصوصة، كما سيأتي نحوه في الكلام على حديث عائشة . قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها، وإظهارها فى المساجد، وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة، ويؤيده ما رواه ابن أبى شيبه: عن ابن مسعود أنه رأى قوماً يصلونها، فأنكر عليهم، وقال: إنْ كان ولا بد ، ففي بيوتكم.

القول الرابع: أنه يستحب فعلها تارة، وتركها أخرى، أو باستحباب فعلها غِبّاً، وحجة هؤلاء ما من ورد من الأحاديث والآثار في ترك صلاة الضحى أحيانا.

وهذا أحدُ الروايتين عن أحمد، وحكاه الطبري عن جماعة ، قال: واحتجوا بما روي عن عائشة: أكانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أنْ يَجيءَ مِن مغيبه.

ثم ذكر حديث أبي سعيد: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي الضحى، حتى نقول لا يدعها، ويدعها حتى نقول: لا يصليها. رواه الترمذي وحسنه.

      قالوا: ومِن هذا الحديثُ الصحيح: عن أنس : أن رجلاً من الأنصار كان ضخماً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أستطيع أن أُصليَ معك، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، ودعاه إلى بيته، ونضح له طرفَ حصير بماء، فصلى عليه ركعتين. قال أنس: ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم. رواه البخاري.

     ثم قال: كذا ذكر من كان يفعل ذلك مِن السلف وروى شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن عكرمة قال: كان ابنُ عباس يُصليها يوماً، ويدعها عشرة أيام يعني صلاةَ الضحى وروى شعبة، عن عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر، أنه كان لا يُصلي الضحى. فإذا أتى مسجد قُباء صلَّى، وكان يأتيه كلَّ سبت.

وروى سفيان عن منصور قال: كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة، ويُصلون ويدعون، يعني صلاة الضحى.

قال هؤلاء: وهذا أولى لئلا يتوهم متوهمٌ وجوبَها بالمحافظة عليها، أو كونَها سنةَ راتبةً، ولهذا قالت عائشة: لو نُشِرَ لي أَبَواي ما تَرَكتها . فإنها كانت تُصليها في البيت حتى لا يراها الناس.

    قلت: وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بها غير واحد من الصحابة، وندب المسلمين إليها، وحضَّ عليها بأحاديث كثيرة، وكان هو صلى الله عليه وسلم يَستغني عنها بقيام الليل، فإنّ فيه غُنية عنها، وهي كالبدل منه، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذي جَعَلَ اللَيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمَن أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرادَ شُكورَاً}(الفرقان: 62). قال ابن عباس، والحسن، وقتادة: عوضاً وخلفاً، يقوم أحدُهما مقامَ صاحبه، فمن فاته عمل في أحدهما ، قضاه في الآخر.

قال قتادة : فأدوا للّه من أعمالكم خيراً في هذا الليل والنهار، فإنهما مطيَّتان يُقحِمَان الناسَ إلى آجالهم، ويُقرِّبان كلَّ بعيد ، ويبليان كلَّ جديد، ويَجيئان بكلَّ موعود إلى يوم القيامة .

وقال شقيق: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: فاتتني الصلاةُ الليلة، فقال: أدرك ما فاتك مِن ليلتك في نهارك، فإن اللّه عزّ وجل جعل الليلَ والنهار، خِلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شُكورا.

ومن تأمل الأحاديث المرفوعة في الترغيب فيها، والوصيةُ بها، وآثارَ الصحابة، وجدها تدل على هذا القول.

 ومما في فضلها: حديث نعيم بن همَّار الْغَطَفَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ابن آدَمَ، لاَ تَعْجِزْ لي عَنْ أرْبَعِ ركَعَات في أوَّلِ النَّهَارِ، أَكْفِكَ آخِرَهُ». رواه أحمد وأبو داود (1289) في باب صلاة الضحى.

قال الطيبي: أي  أكفك شغلك وحوائجك، وارفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار.

والمعنى: تفرغ لعبادتي في أول النهار، فأتعهّد لك بقضاء حوائجك آخره، فالجزاء من جنس العمل، فمن فرّغ نفسه دقائق لأربع ركعات أول النهار، لدقائق يسيرة، يسر الله بقية يومه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك