رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 1 أبريل، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 82 ) باب : صـــلاة الضُّـــحى ثمــاني ركعــــات

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

369-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ وَحَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَجدَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يُخْبِرُنِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى، فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يُحَدِّثُني ذلك، غَيرَ أَنَّ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَتْنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّه[ أَتَى بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ يَومَ الْفَتْحِ، فَأُتِيَ بِثَوْبٍ فَسُتِرَ عَلَيْهِ، فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، لا أَدْرِي أَقِيَامُهُ فِيهَا أَطْوَلُ، أَمْ رُكُوعُهُ أَمْ سُجُودُهُ؟ كُلُّ ذَلكَ مِنْهُ مُتَقَارِبٌ، قالَت: فَلَمْ أَرَهُ سَبَّحَهَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ.

 الشرح : قال المنذري: باب: صلاة الضحى ثماني ركعات. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/498) وهو في الباب السابق. وقد رواه البخاري في المغازي (4041) باب: منزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: عن ابن أبي ليلى قال: ما أخبرنا أحدٌ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ، فإنها ذكرت أنه يوم فتح مكة اغتسل في بيتها، ثم صلى ثماني ركعات، قالت: لم أره صلى صلاةً أخفّ منها، غير أنه يُتم الركوع والسجود .

      قوله: «سَأَلْتُ وحرصْتُ عَلَى أَنْ أَجدَ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ يُخْبرُنِي، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم سَبَّحَ سُبْحَةَ الضُّحَى» سُبْحةَ الضُّحَى: أي نافلة الضحى. وهذا يدل - كما سبق - على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يُواظب عليها، خشية أنْ تُفرض على أمته .

  قوله: «غير أم هانئ بنْت أَبي طَالب»، وهي: فاختة على المشهور، وقيل: هند، وهي بنْت أَبي طَالب، أختُ علي رضي الله عنهما.

قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أَتَى بعد ما ارتَفعَ النَّهَارُ يوم الْفَتْحِ». أي: يوم فتح مكة، جاء بيتها رضي الله عنها ليغتسل من أثر الغزو، ويصلي صلاة الضحى فيه، وقيل: هي صلاة الفتح، شكراً لله تعالى، والأول أصح، وقد سبق الكلام عليه.

 قال الحافظ ابن حجر: زاد كريب عن أم هانئ: «فسلّم منْ كل ركعتين»، أخرجه ابن خزيمة، وفيه: ردٌ على منْ تمسّك به في صلاتها موصولة، سواء صلى ثماني ركعات، أو أقل.

     قال: وفي الطبراني: من حديث ابن أبي أوفى: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين، وهو محمولٌ على أنه رأى من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم  ركعتين، ورأتْ أم هانئ  بقية الثماني، وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة. انتهى كلام الحافظ.

    قولها: «لا أَدْري أَقيَامُهُ فيها أَطْولُ، أَمْ رُكُوعُهُ أَم سُجُودُه؟ كُلُّ ذلك منه مُتَقَارِبٌ». وفي لفظ البخاري: قالت: «لم أره صلى صلاةً أخفّ منها، غير أنه يُتم الركوع والسجود» قال الطيبي: استُدل به على استحباب صلاة الضحى، وفيه نظر، لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح ، لكثرة شغله به.

وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الضحى فطوّل فيها، أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة.

واستدل بهذا الحديث :على إثبات سُنة الضحى، وحكى عياض عن قوم: أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك! قالوا: وإنما هي سُنة الفتح، وقد صلاها خالد بن الوليد  في بعض فتوحه كذلك. وقد قيل: إنها كانت قضاء عما شُغل عنه تلك الليلة من حزبه.

وتعقبه النووي: بأنّ الصواب صحة الاستدلال به، لما رواه أبو داود  وغيره: من طريق كريب عن أم هانئ: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سُبحة الضحى.

ولمسلم  في كتاب الطهارة: «ثم صلى ثماني ركعات سُبحة الضحى». وروى ابن عبد البر  في التمهيد: عن عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فصلى ثماني ركعات، فقلت: ما هذه؟ فقال: هذه صلاة الضحى.

قولها: «فَلَمْ أَرَهُ سَبَّحَهَا قبْلُ ولا بَعْدُ». هذا مبنيٌ على علمها، وإلا فقد رآه غيرها يصلي الضحى، كما سبق بيانه.

 166- باب : الوصية بصلاة الضحى

370.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم  بِثَلَاثٍ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ.

 الشرح :  قوله: «أوصاني». أي : عَهِد إليّ، وأمرني أمرًا مؤكدا بهذه الأمور الثلاثة، وهذه الوصية النبوية العظيمة لأبي هريرة رضي الله عنه، هي وصية للأمة كلّها؛ لأنّ وصية النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهه لواحد من أمته هو خطاب لأمته كلها، ما لم يدل دليلٌ على الخصوصية ، لقوله تعالى: {وما أرسلنَاك إلا رَحمةً للعَالمين}.

ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها أيضا: أبا ذر، وأبا الدرداء رضي الله عنهما.

وقوله: «خليلي» يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعبّر بهذه المرتبة التي هي أعلى أنواع المحبة، لبيان عظيم ِمحبته وافتخاره بمنزلته من النبي صلى الله عليه وسلم .

     وليس في قول أبي هريرة رضي الله عنه هذا، تعارضٌ مع قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: «لو كنتُ متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليلُ الله»؛ لأنّ أبا هريرة لم يُخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم اتَّخَذه خليلا، ولكنه يُخبر عن نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم خليلُه، أي: أنّ الْخُلّة مِن جِهة أبي هريرة رضي الله عنه.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «ويُؤخذ منه الافتخار بصحبة الأكابر، إذا كان ذلك على معنى التحدّث بالنعمة، والشكر لله، لا على وجه المباهاة».

أما الوصايا النبوية الثلاث :

فأول الوصايا: هي صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ وذلك أن الصيام يعوّد النفس على الصبر والتحمل، ويعلّم الأمانة ومراقبة الله تعالى في السِّر والعلن؛ إذْ لا رقيب على الصائم إلا الله وحده، وفيه جهاد للنفس ومقاومة للأهواء، كما أنه ينمِّي عاطفة الرحمة والأخوة والشعور بالآخرين من الفقراء والمحتاجين.

      وفوق ما مرّ من فوائد، فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، يعدل صيام الشهر كله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما -: «إنّ بِحَسْبِك أنْ تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإنّ لك بكلّ حسنةٍ عشر أمثالها، فإنّ ذلك صيام الدهر كله» متفق عليه .

     وقد اخْتُلِف في هذه الأيام، هل هي أيام البيض، أو أنها الأوائل مِن كل شهر، أو أنها تُصام أيام الإثنين والخميس، فذهب الإمام البخاري إلى أنها أيام البيض؛ حيث بوّب على حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي نحن بصدد شرحه بقوله: «باب صيام أيام البيض، ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة».

والأرجح أنه طالما لم يحصل تقييد في الحديث لها، فليأخذ المرء بما يتيسر له، سواء كان ذلك بصيام ثلاثة أيام من أول كل شهر، أو وسطه أو آخره، متتابعة أو متفرقة ، والله أعلم.

 لكن يستحب أن يجعل هذه الثلاثة: أيام البيض; لما روى  أبو ذر  قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا  أبا ذر، إذا صمتَ من الشهر، فصم ثلاثَ عشرة، وأربعَ عشرة، وخمسَ عشرة». أخرجه الترمذي.

 وروى  النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي: «كُل» قال: إني صائم. قال: «صوم ماذا ؟»، قال: صوم ثلاثة أيام من الشهر . قال: «إنْ كنت صائما فعليك بالغُر البيض: ثلاثَ عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة».

وسميت أيام البيض: لابيضاض ليلها كله بالقمر، والتقدير: أيام الليالي البيض.

-  أما الوصية الثانية: عدم ترك ركعتي الضحى.

 وصلاة الضحى كما سبق هي صلاة نافلة مؤكدة، يبدأ وقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح، إلى قبيل وقت الزوال، وأقلها ركعتان.

 وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الضّحى، وذكر فضلها في أحاديث كثيرة، سبق منها أحاديث. 

-  أما الوصية الثالثة: فالمحافظة على صلاة الوتر.  وصلاة الوتر هي الصلاة التي تُختم بها صلاة الليل ، وسميت بذلك؛ لأنها تصلى وتراً، أي ركعة واحدة، أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك، وأقلها ركعة واحدة، والأفضل تأخير فعلها إلى آخر الليل، لمن وثق باستيقاظه قبل الفجر، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «منْ خافَ أنْ لا يقوم آخر الليل، فليُوتر أوله، ومنْ طَمِع أنْ يقوم آخره، فليوتر آخر الليل، فإنّ صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل». رواه مسلم.

      ومع أفضلية الوتر في آخر الليل، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل نومه، وقد اجتهد العلماء في معرفة سبب ذلك، فقال الحافظ ابن حجر: «قيل سببه: أنه رضي الله عنه كان يشتغل أول ليله، باستحضاره لمحفوظاته من الأحاديث الكثيرة، التي لم يسايره في حفظ مثلها أكثر الصحابة، فكان يَمضي عليه جزءٌ كبير من أول الليل، فلم يكد يطمع في استيقاظ آخره، فأمره عليه السلام بتقديم الوتر لذلك لاشتغاله بما هو أولى».

وقال الطيبي: «كان المناسب أنْ يقال: والوتر قبل النوم ليناسب المعطوف عليه، فأتى بأنْ المصدرية وأبرز الفعل وجعله فاعلاً اهتماما بشأنه، وأنه أليق بحاله لمّا خاف الفوت أنْ ينام عنه، وإلا فالوتر آخر الليل أفضل». ويمكن أن يكون لسبب آخر، والله أعلم .

 167- باب: صلاة الأوّابين

 371.عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه: رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى، فَقَالَ: أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ ، حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ».

 الشرح : قال المنذري: باب: صلاة الأوّابين. قوله: «أن زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رضي الله عنه: رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى». وجاء في رواية ابن أبي شيبة في المصنف: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل قباء وهم يصلون الضحى، فقال: «صلاة الأوابين، إذا رمضت الفصال من الضحى».

فدل الحديث على أن صلاة الأوابين هي: «صلاة الضحى» .

ولقولهصلى الله عليه وسلم : «لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين». رواه ابن خزيمة والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة (2/1263). قوله: «حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ». رمض كعلم يعلم.

والرمضاء: هي التراب الساخن من شدة وهج الشمس .

ومعنى رمضت: احترقت أخفافها من شدة الحر. قال الإمام ابن الأثير: المراد بصلاة الأوابين: صلاة الضحى عند الارتفاع واشتداد الحر، واستدل به على فضل تأخير الضحى إلى شدة الحر. والفصيل هو الصغير من الإبل. اهـ

وقال الإمام المناوي في فيض القدير: وفي رواية لمسلم «إذا رمضت الفصال» أي: حين تصيبها الرمضاء، فتحرق أخفافها لشدة الحر، فإن الضحى إذا ارتفع في الصيف يشتد حر الرمضاء، فتحرق أخفاف الفصال لمماستها .

قال: وإنما أضاف الصلاة في هذا الوقت إلى الأوابين؛ لأن النفس تركن فيه إلى الدعة والاستراحة، فصرفها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوعا من مراد النفس إلى مرضاة الرب، ذكره القاضي. انتهى .

 أما ما جاء أن صلاة الأوابين ، هي : ست ركعات بعد صلاة المغرب؟

فهذا ليس بصحيح، والحديث فيها ضعيف، وإنْ كانت تستحب الصلاة بين المغرب والعشاء، ولو أكثر من ست ركعات، لكن لا تسمى صلاة الأوابين، إنما هي صلاة الضحى كما سبق بيانه.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك