رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 15 أبريل، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 83 ) باب : من سجد لله فله الجنة

 


 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

372.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي، يَقُولُ: يَا وَيْلَهُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي كُرَيْبٍ: يَا وَيْلِي - أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ، فَلِي النَّار».

 الشرح: قال المنذري: باب: من سجد لله فله الجنة. والحديث رواه مسلم في الإيمان (1/87) وبوب عليه النووي: باب بيان إطلاق اسم الكفر، على من ترك الصلاة .

والحديث صححه الإمام ابن خزيمة أيضا في (صحيحه 1/276) وبوب عليه بقوله: «باب فضل السجود عند قراءة السجدة، وبكاء الشيطان، ودعائه بالويل لنفسه عند سجود القارئ السجدة».

 قوله: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد» أي: قرأ آية السجدة، فسجد امتثالاً لأمر الله عز وجل.

قوله: «اعْتزلَ الشَّيْطَانُ يَبْكي» أي: تنحى عنه، وابتعد عن مكانه.

قوله: «يا ويله» الويل: الهلاك، وويل: كلمة تُقال لمن وقع في هلكة، وفي الرواية الأخرى «يا ويلي» ويجوز فيه فتح اللام وكسرها.

 وقوله: «يا ويله» هو من آداب الكلام، وهو أنه إذا عرض في الحكاية عن الغير ما فيه سُوء، واقتضت الحكاية رجوع الضمير إلى المتكلم، صَرَف الحاكي الضمير عن نفسه، تصاوناً عن صورة إضافة السوء إلى نفسه، قاله النووي.

قوله: «أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ، فلَهُ الْجَنَّةُ، وأُمِرتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ، فَلِي النَّارُ» إشارة إلى قوله تعالى: {وإذْ قُلنا للمَلائكةِ اسْجدوا لآدمَ فسَجدُوا إلا إبليسَ أَبَى واسْتكبرَ وكانَ منَ الكافرينَ}( البقرة : 34 ).

     قال القرطبي رحمه الله: «وبكاء إبليس المذكور في الحديث: ليس ندماً على معصيته، ولا رجوعاً عنها؛ وإنما ذلك لفرط حسده وغيظه وألمه، بما أصابه من دخول أحدٍ من ذرية آدم عليه السلام الجنة ونجاته، وذلك نحوا مما يعتريه عند الأذان، والإقامة ، ويوم عرفة» انتهى . المفهم  (1/274).

وهذا الأمر – وهو بكاء الشيطان - ثابت وصحيح، وهو على حقيقته، فلا يجوز تكذيب ذلك، بأي رأيٍ أو عقل، وقد ثبت في النصوص أنّ الشيطان يبكي ويضحك، ويحزن ويفرح، ويأكل ويشرب، وهو مخلوق من مخلوقات الله الّتِي أعطاها العقل، وجعل لها الاختيار.

 وقد أورد مسلم في الباب حديثين: أحدهما حديثنا هذا: «إذا قرأَ ابنُ آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان..».

والحديث الثاني: «إنّ بين الرجل وبين الشرك والكفر، تركُ الصلاة». ومقصود مسلم  رحمه الله  بذكر هذين الحديثين هنا: أن من الأفعال ما تركه يوجب الكفر، إما حقيقة وإما تسمية.

     فأما كفر إبليس بسبب السجود، فمأخوذ من قول الله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} قال الجمهور: معناه وكان في علم الله تعالى من الكافرين، وقال بعضهم: وصار من الكافرين، كقوله تعالى: {وحَالَ بينهما الموجُ فكانَ من المُغرقين }(هود: 43).

 وأما تارك الصلاة، فإنْ كان منكراً لوجوبها، فهو كافرٌ بإجماع المسلمين، خارج من ملة الإسلام، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه.

     وإن كان تركه تكاسلاً، مع اعتقاده وجوبها، كما هو حال كثير من الناس اليوم، فقد اختلف العلماء فيه، فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم الله والجمهور من السلف والخلف، إلى أنه لا يكفر، بل يفسق ويستتاب، فإنْ تاب، وإلا قُتل حداً، كالزاني المحصن، ولكنه يقتل بالسيف ، واحتجوا على قتله بقوله تعالى:{فإنْ تَابوا وأقامُوا الصّلاةَ وآتَوا الزّكاة فخلُوا سبيلهم} (التوبة: 11). وبقوله صلى الله عليه وسلم : «أُمرتُ أنْ أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، ويُقيموا الصلاة، ويُؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عَصَموا مني دماءهم وأموالهم» . رواه مسلم .

وذهب جماعةٌ من السلف إلى أنه يكفر ، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وغيره من أصحاب رسول الله، وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال: عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، وهو وجهٌ لبعض أصحاب الشافعي .

وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي  رحمهما الله أنه لا يكفر، ولا يقتل، بل يُعزّر ويحبس حتى يصلي.

واحتج من قال بكفره، بظاهر الحديث الثاني المذكور، وبالقياس على كلمة التوحيد.

واحتج منْ قال: لا يقتل بحديث: «لا يَحل دمُ امرئ مسلمٍ، إلا بإحدى ثلاث...» وليس فيه الصلاة .

     واحتج الجمهورعلى أنه لا يكفر ، بقوله تعالى: {إنّ اللهَ لا يغفرُ أنْ يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: 48). وبقوله صلى الله عليه وسلم : «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، ومَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله، دخل الجنة، ولا يلقى الله تعالى عبدٌ بهما غير شاك، فيحجب عن الجنة».

وبقوله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله حرّم على النار، من قال: لا إله إلا الله» وغير ذلك  من الأحاديث .

وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم : «بين العبد وبين الكفر، ترك الصلاة» على معنى أنه يستحق بترك الصلاة: عقوبة الكافر، وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفار .

 169- باب: فضل من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة

      373-عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ».

قَالَتْ أَمُّ حَبِيبَةَ: فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وقَالَ عَمْرٌو: مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وقَالَ النُّعْمَانُ: مِثْلَ ذَلِكَ.

وفي رواية: «في يَوْمٍ و ليلة».

 الشرح: قال المنذري: باب: فضل من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة.

والحديث رواه مسلم في في صلاة المسافرين (1/503) وبوب عليه النووي: باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن .

هذا الحديث العظيم في فضائل صلاة النافلة الراتبة ورد بلفظين:

قولها: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصلِّي للَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرةَ رَكْعَةً، تطَوُّعًا غير فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة» فيه فضل النوافل أو الرواتب مع الفرائض، التي يصليها العبد في اليوم والليلة.

ورواتب الفرائض، اجتمع فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم بالترغيب فيها، مع عمله لها.

وهذا الحديث ورد بلفظين:

ظاهر أحدهما: أنّ من صلى الرواتب الاثنتي عشرة ركعة، ولو يوماً واحدا من عمره، بَنى اللهُ له بيتاً في الجنة، ومن حافظ عليها لأيام كثيرة، كان له من البيوت في الجنة، بعدد تلك الأيام التي حافظ عليها، يدل عليه ظاهر لفظ حديث الباب.

وكذا ما رواه مسلم في الباب بلفظ: «مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عشْرةَ رَكْعَةً في يوْمٍ ولَيلَةٍ، بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيتٌ في الجَنَّةِ».

 وكذلك هو ما يظهر من قول أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما من عبدٍ مسلم، يُصلي في يوم ثنتي عشرة ركعةً تطوعاً، إلا بُني له بيتٌ في الجنة». رواه أحمد (16/283)  بإسناد حسن .

وكذا من قول عائشة رضي الله عنها: «منْ صلّى أولَ النهار ثنتي عشرة ركعة، بُني له بيتٌ في الجنة» رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) (2/109) .

وجاء في بعض الألفاظ: أن من صلى هذا العدد دفعة واحدة، بالليل أو النهار، حصل على الأجر نفسه، فروى النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من صلى ثنتي عشرة ركعة بالنهار، أو بالليل، بنى الله عز وجل له بيتا في الجنة». قال الألباني: صحيح الإسناد.

وظاهر الحديث أنه لا تشترط المحافظة على هذه الركعات، بل إن الإنسان إذا صلاها يوما واحداً بهذا العدد، حصل على الثواب الوارد في الحديث وهو «بنى الله له بيتاً في الجنة» وما ذلك على الله بعزيز.

أما القول الثاني: أن هذا الوعد خاصٌ بمن واظب على ذلك؛ إعمالاً للقيد  الذي ورد في روايات صحيحة؛ فالمطلق يحمل على المقيد. لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «حفظتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات...» أخرجه البخاري ومسلم.

     وهو ما يظهر من تبويب الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه (414) على حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بَنى الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر».

إذ بوّب بقوله: «باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة، ما له فيه من الفضل» انتهى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك