رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 21 أبريل، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 84 ) بــاب: بيـــن كــــلّ أذانــــينِ صــــلاة

قال أحمد بن حنبل: يصلي ستا بعد الجمعة أحبُ إلي، وإنْ شاء أربعا، وكان ابن عمر يصلي بعدها ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

374-عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم : «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ» قَالَهَا ثَلَاثًا، قَالَ: «فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ».

 الشرح: قال المنذري: باب: بين كل أذانين صلاة. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/573 ) وبوب النووي: باب بين كلّ أذانين صلاة.

وقد رواه البخاري في الأذان (624 ): باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة.

وفي (627 ) باب: بين كل أذانين صلاة لمن شاء.

 

قوله: «بين كل أذانين صلاة» أي: بين كل أذانٍ وإقامة، وإنما قال: أذانين تغليبًا، كما يقال: القمرين، يعني الشمس والقمر.

قوله: «صلاة» أي: وقت صلاة، والمقصود بالصلاة: أي النافلة، فيجوز للمصلي أنْ يصلي ما شاء من التطوع بين الأذان والإقامة إلا ما استُثني، كالاقتصار على ركعتي سُنة الفجر، وهذه فائدة تنكير لفظ صلاة، فيتناول كل عددٍ نواه المصلي.

ولا يصح حمل قوله: «بين كل أذانين صلاة»على ظاهره وهي الفريضة، لأن الحديث فيه التخيير بقوله «لمن شاء».

قوله: «قَالَهَا ثَلَاثًا» وفي الرواية الأخرى «ثم قال في الثالثة: لمنْ شاء» فمعناه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم  قال في المرة الثالثة: «لمن شاء».

وقد ثبت من حديث أنس رضي الله عنه : أنه صلى الله عليه وسلم  كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً. رواه البخاري في العلم. وهذا للتأكيد والتنبيه.

وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم  في المرة الثالثة «لمن شاء» رفعاً للحرج والواجب الذي قد يتوهم من تكريره لجملة «بين كل أذانين صلاة»، لا أنّ كلمة الثالثة تعني صلاة جديدة، كما فهم السائل.

قال ابنُ الجوزي‏:‏ فائدة هذا الحديث: أنه يجوز أنْ يتوهم أنّ الأذان للصلاة يمنع أنْ يفعل سوى الصلاة التي أذّن لها، فبين أنّ التطوع بين الأذان والإقامة جائز في حديث أنس. (الفتح 2/107).

 

 والنية في صلاة النافلة تنقسم إلى قسمين:

نافلة معينة: كصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح والوتر والرواتب، فهذه تحتاج إلى نية الصلاة مع التعيين، بأنْ ينوي المصلي مثلاً أنّ هذه سُنة الظهر، وهذه سنة المغرب، وهكذا.

والقسم الثاني من النافلة: هي النافلة المطلقة، كصلاة الليل، وصلاة الضحى، فهذا تُجزئ فيه نية الصلاة لا غير.

والله أعلم.

 

 171- باب: التّنفُل قبلَ الصلاة وبعدها

 

 375.عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ سَجْدَتَيْنِ، فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَالْجُمُعَةُ، فَصَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ [ فِي بَيْتِهِ.

 الشرح: قال المنذري: باب: التنفل قبل الصلاة وبعدها. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/504) وبوب عليه النووي: باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن، وبيان عددهن.

قوله: «صَلَّيْتُ مع رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ، وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ» وفيه: أنه صلى ركعتين قبل الظهر وبعدها، وأن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم  في المسجد، واختلف في صلاته بعد المغرب والعشاء والجمعة كما سيأتي.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها في مسلم (1/504 ): «كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعاً..».

وفي هذا الحديث: دليل على أن صلاة النهار مثنى مثنى، كصلاة الليل سواء.

وفيه: إباحة صلاة النافلة في المسجد، والأصل في النافلة أنها صلاة البيوت.

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم  أتاهم في مسجد بني عبد الأشهل، فصلى فيه المغرب، فلما قضوا صلاتهم، رآهم يُسبّحون بعدها، فقال: «هذه صلاةُ البيوت». رواه أبو داود.

وقد كره بعضهم التطوع في المسجد بعد صلاة المغرب لهذا الحديث، ولا حجة لهم فيه؛ لأنه لو كرهه لنهى عنه، وإنما حثهم على الأفضل.

والذي اجتمع عليه العلماء: أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمنْ شاء، على أنّ صلاة النافلة في البيوت أفضل.

وروى ابن عبد البر: عن العباس بن سعد: أنّ الناس كانوا على عهد عثمان رضي الله عنه  يصلون الركعتين بعد المغرب في بيوتهم.

وروي عن ثابت بن عبيد قال: رأيت زيد بن ثابت رضي الله عنه  صلى الركعتين بعد المغرب في بيته.

وروي عن عبد الله بن يزيد قال: كان إبراهيم إذا صلى المغرب في المسجد رجع فصلى ركعتين في بيته.

قال: فهذه الآثار كلها تبين لك أنّ صلاة الركعتين بعد المغرب في البيت أفضل، وأنه الأمر القديم، وعمل صدر السلف، وهو الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه كان يصليها في بيته.

 

     وأما قوله: «وبعد الجمعة ركعتين» اختلف الفقهاء في التطوع بعد الجمعة، فقال مالك: ينبغي للإمام إذا سلّم من الجمعة، أنْ يدخل منزله، فيركع الركعتين في بيته، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: ومن خلف الإمام أيضا، إذا سلّموا، فأحبّ إلي أنْ ينصرفوا ولا يركعوا في المسجد، فإنْ ركعوا فإنّ ذلك واسع.

وقال الشافعي: ما أكثر المصلي من التطوع بعد الجمعة فهو أحبُ إلي، وقال أبو حنيفة: يصلي بعد الجمعة أربعا، وقال في موضع آخر: ستا، وقال الثوري: إنْ صليتَ أربعاً أو ستا فحسن.

وقال أحمد بن حنبل: يصلي ستا بعد الجمعة أحبُ إلي، وإنْ شاء أربعا، وكان ابن عمر يصلي بعدها ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وكانت طائفة من العلماء تصلي بعدها ركعتين أيضا، وحجة من ذهب هذا المذهب ما روى عن نافع قال: كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدث أنّ رسول الله كان يفعل ذلك.

وروى أبو داود: عن نافع عن ابن عمر: أنه رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه ودفعه وقال: أتصلي الجمعة أربعا ؟ قال وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته، ويقول هكذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

وحجة من قال يصلي بعد الجمعة أربعا: ما رواه أبو داود وابن ماجة: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ كان منكم مُصلياً بعد الجُمعة، فليصلّ أربعاً».

وفي رواية قال: «إذا صَليتم الجُمعة، فَصلُوا بعدَها أربعاً».

وقد روي عن جماعة من السلف: أنهم كانوا يصلون بعد الجمعة ركعتين، ثم أربعا، وممن روى ذلك عنه: علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأبو موسى، ومجاهد، وعطاء.

وروي أن ابن مسعود كان يُصلي بعدها أربعا، وإليه ذهب إسحاق، وأصحاب الرأي ; وجاء عن النخعي: إنْ شئت ركعتين، وإنْ شئت أربعا.

 

     وروى عبد الرزاق: عن السائب بن يزيد أنه سُئل عن شيءٍ رآه منه معاوية  رضي الله عنه  في الصلاة، فقال: صليتُ معه في المقصورة، فلما سلمنا قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إليّ فقال: لا تعدْ لما صنعت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاةٍ حتى تكلم، أو تخرج، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم  أمر بذلك ; أن لا تُوصل صلاةٌ بصلاة حتى تكلم أو تخرج. ورواه أبو داود.

وروى مالك: عن نافع عن ابن عمر: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم  كان لا يُصلي بعد الجمعة شيئاً في المسجد، حتى ينصرفَ فيصلي ركعتين في بيته.

قال أبو عمر ابن عبد البر: الاختلاف عن السلف في هذا الباب، اختلافُ إباحة واستحسان، لا اختلاف منع وحظر، وكل ذلك حسنٌ إنْ شاء الله.

ثم روي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قدم علينا عبد الله فكان يصلي بعد الجمعة أربعا، وقدم بعده عليٌ فكان يصلي بعد الجمعة ركعتين وأربعا.

قال: وكذلك مَنْ لم ير الركعتين بعد المغرب في المسجد، ورآهما في البيت، إنما هو على الاختيار، لا على أن ذلك لا يجوز، والله أعلم انتهى.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك