رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: الفرقان 6 مايو، 2014 0 تعليق

شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري ( 86 ) بــاب: صــــــلاة النــافــلــــة في الـمـســجــد

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 وبعد:

 فهذه تتمة الكلام على أحاديث كتاب (الصلاة) من مختصر صحيح الإمام مسلم للإمام المنذري رحمهما الله، نسأل الله عز وجل أن ينفع به، إنه سميع مجيب الدعاء.

377.عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَيْرَةً بِخَصَفَةٍ أَوْ حَصِيرٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِيهَا، قَالَ: فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، قَالَ: ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُمْ، قَالَ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ، فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ، وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ».

وفي رواية: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ.

 الشرح: قال المنذري: باب: صلاة النافلة في المسجد.  الحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/539) وبوب عليه النووي: باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد.

قوله «احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فصلى فيها» الحجيرة بضم الحاء تصغير حُجرة، والخصفة والحصير بمعنى واحد، شك الراوي في المذكورة منهما، وهي شيءٌ يُنسج من خوص النخل.

ومعنى «احتجر حُجرة» أي: حوّط موضعاً من المسجد بحصير ليستره، ليصلي فيه، ولا يمر بين يديه مار، ولا يتشوّش بغيره، ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه.

     وفيه: جواز مثل هذا الفعل إذا لم يكن فيه تضييقٌ على المصلين ونحوهم، ولم يتخذه دائما ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجرها بالليل يصلي فيها، وينحيها بالنهار ويبسطها، كما ذكره مسلم في الرواية التي بعد هذه، ثم إنّ النبي صلى الله عليه وسلم  تركه بالليل والنهار، وعاد إلى الصلاة في بيته.

وفيه: جواز صلاة النافلة في المسجد.

وفيه: جواز الجماعة في غير المكتوبة، كقيام الليل والتراويح كما سيأتي. وفيه: جواز الاقتداء بمنْ لم ينوِ الإمامة.

وفيه: ترك بعض المصالح، لخوف مفسدة أعظم من ذلك.

وفيه: بيان ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته، ومراعاة مصالحهم، وأنه ينبغي لولاة الأمور، وكبار الناس والمتبوعين - في علم وغيره - الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في ذلك.

 قوله «فتتبّع إليه رجالٌ» أصلُ التتبع: الطلب، ومعناه هنا: طلبوا موضعه واجتمعوا إليه.

قوله «وحَصبوا الباب» أي: رموه بالحصباء، وهي الحصى الصغار، تنبيهاً له، وظنهم أنه نسي.

     قوله صلى الله عليه وسلم «فإنّ خيرَ صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» وهذا عامٌ في جميع النوافل المرتبة مع الفرائض، والمطلقة، إلا في النوافل التي هي من شعائر الإسلام، وهي: العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح، فإنها مشروعةٌ في جماعة في المسجد، والاستسقاء في الصحراء، وكذا العيد إذا ضاق المسجد، والله أعلم.

174- باب: صلاة النافلة في البيوت

378.عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «إِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِهِ، فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا».

الشرح: قال المنذري: باب: صلاة النافلة في البيوت. والحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين (1/539) وهو في الباب السابق.

قوله «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده» أي: إذا أدّى الفرض في المسجد مع الجماعة.

«فليجعل لبيته» أي: محل سكنه، «نصيباً» أي: قِسماً، «من صلاته» أي: فليجعل الفرض في المسجد، والنّفل في بيته، لتعودَ بركته على البيت وأهله.

قوله «فإنّ اللهَ جاعلٌ في بيته من صلاته» أي: منْ أجلها وبسببها، «خيراً» أي: كثيراً وعظيماً لعمارة البيت بذكر الله وطاعته، وحضور الملائكة واستبشارهم بصلاته وذكره لله، وما يحصل لأهله من ثواب وبركة.

وفيه: أنّ النفل في البيت أفضل منه في المسجد، ولو بالمسجد الحرام.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم  لأصحابه - وهو في مسجده - يقول: «صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة». أخرجه البخاري (1/147)، ومسلم (1/256).

وكان عليه الصلاة والسلام يصلي النافلة في بيته، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما. أخرجه مسلم (1/504).

     وعن رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قال: «تطوُّعُ الرجل في بيتِهِ، يزيدُ على تطوُّعِه عندَ الناس، كفضْلِ صلاة الرجل في جماعةٍ على صلاتهِ وحدَه» أخرجه عبد الرزاق ( 4835) وابن أبي شيبة (2/256) وقال الألباني: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وظاهر إسناده الوقف، ولكنه في حكم المرفوع. سلسلة الأحاديث الصحيحة (7/422).

ولهذا نص الإمام مالك والشافعية على تفضيل فعل النافلة في البيت على فعلها في المسجد. كما في المنتقى شرح الموطأ (1/230)، والأشباه والنظائر للسيوطي (1/147)، التيسير بشرح الجامع الصغير للمناوي (1/186).

إلا أنّ الإمام مالك قال: التنفل فيه – أي المسجد النبوي - للغرباء أحبُ إلي من التنفل في البيوت.

وقال ابن قدامة رحمه الله: «والتطوع في البيت أفضل؛ لأنّ الصلاة في البيت أقربُ إلى الإخلاص، وأبعدُ من الرياء، وهو من عمل السّر، وفعله في المسجد علانية، والسرُ أفضل» المغني (2/564).

بل قال ابن علان: بأن صلاة النافلة ببيت الإنسان، أفضل من فعلها في جوف الكعبة، وإنْ قيل باختصاص مضاعفة الأعمال بها، وذلك لأنّ في الاتباع من الفضل ما يربو على ذلك. دليل الفالحين (6/601).

وفي هذا إجابة عما قد يستشكله البعض: من وجود المضاعفة في الحرم، وفقدانها في البيت، فيقال: إن متابعة السُنة، أفضل من المضاعفة ؛ ولهذا من يصوم يوماً ويفطر يوماً، أفضل ممن يصوم الدهر، مع أنّ العمل من الثاني أكثر، وهذا من بركات ملازمة السنة واتباعها، والحمد لله.

ورجح تفضيل أدائها في البيت على فعلها في المسجد الحرام، الرحيباني الحنبلي، ونسبه العلائي للمحققين من أهل العلم. مطالب أولي النهى (1/549)؛ لأن الأحاديث في التفضيل مطلقة ولم تقيد.

وقد أورد الحافظ العلائي سؤالاً: هل فعلها في المساجد الثلاثة أفضل، أو في البيوت؟

     ثم أجاب عليه فقال: «الذي تقتضيه الأحاديث عند المحققين، أنّ فعلها في البيوت أفضل، إلا ما شرع له الجماعة كالعيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح على الأصح، وكذا ركعتي الطواف اتباعاً لفعله  صلى الله عليه وسلم لهما خلف المقام، وكذلك تحية المسجد لاختصاصها بالمسجد، وما عدا ذلك ففعله في البيت أفضل، لدخوله تحت قوله  صلى الله عليه: «أفضلُ صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة».

ورواه الدارمي بإسناد صحيح، ولفظه: «فإنّ خيرَ صلاة المرء في بيته إلا الجماعة».

ولما رواه أبو داود (1044): عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاةُ المرء في بيته، أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة».

والحكمة في تفضيل ذلك كما قال النووي: كونه أخفى وأبعد من الرياء، وأصون من المحبطات، وليتبرك البيْت بذلك، وتنزل الرحمة فيه والملائكة، وينفر الشيطان منه. شرح النووي (6/68).

وليس معنى هذا أن صلاة النافلة في المسجد غير مقبولة، وإنما المقصود أنّ أداءها والتعود على ذلك في البيت أفضل.

وفيه: أنّ الفضيلة المتعلقة بنفس العبادة، أولى من الفضيلة المتعلقة بمكانها ؛ إذْ النافلة في البيت فضيلة تتعلق بها ؛ فإنه سببٌ لتمام الخشوع والإخلاص فيها، فلذلك كانت صلاته في بيته، أفضل منها في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك